أخبار البلد - إن كان هناك شيء أثبتته لنا بطولة كأس العالم لكرة القدم في قطر، فهو أن الرياضة والسياسة توأمان متصلان لا ينفصلان عن بعضهما البعض. وكانت فلسطين مثالا على ذلك، كما يرى الكاتب جيمس دورسي؛ فخلال تصاعد العنف بين الإسرائيليين والفلسطينيين، توجه المسؤول القطري محمد العمادي إلى قطاع غزة طالبا عدم رد حماس ومنظمة الجهاد الإسلامي بصواريخ على استخدام إسرائيل للقوة المميتة ضد المسلحين الفلسطينيين في الضفة الغربية.
وقد خشيت قطر أن يؤدي الرد على مقتل قائد في حركة الجهاد الإسلامي في الضفة الغربية الأسبوع الماضي والغارات الإسرائيلية الليلية، إلى تدخل إسرائيلي متجدّد في غزة، التي يشلها حصار إسرائيلي – مصري منذ 15 عاما.
ويضع الضغط القطري منظورا مختلفا لتأييد الدولة الخليجية عبارات الدعم للفلسطينيين خلال المونديال على شكل أعلام وقمصان مؤيدة للقضية، ورفض الجماهير القطرية والعربية التواصل مع المراسلين الإسرائيليين الذين يغطون فعاليات بطولة كأس العالم لكرة القدم.
تطبيع من نوع آخر
الرايات والقمصان وأعلام ما قبل الثورة المناهضة لطهران تم حظرها في المونديال. وحلّت المشكلة نفسها عندما خرجت إيران من بطولة كأس العالم
الرايات والقمصان وأعلام ما قبل الثورة المناهضة لطهران تم حظرها في المونديال. وحلّت المشكلة نفسها عندما خرجت إيران من بطولة كأس العالم
وعلى الرغم من عدم سير قطر على خطى الإمارات العربية المتحدة والبحرين والمغرب والسودان في الاعتراف بإسرائيل دون حل للصراع مع الفلسطينيين، إلا أن لها علاقة عمل طويلة الأمد مع الدولة العبرية بما يخدم مصالح الطرفين.
وتضخّ الدولة الخليجية، بناء على طلب إسرائيل في الكثير من الأحيان، الملايين من الدولارات لدفع رواتب موظفي الحكومة في غزة، ومساعدة الآلاف من العائلات المتضررة من الحروب الماضية، وتوفير الوقود لمحطة توليد الكهرباء في القطاع ومشاريع البنية التحتية.
كما أصبحت قطر أول دولة خليجية تضخ أموالا في إسرائيل عندما مولت في عام 2006 ملعبا بقيمة ستة ملايين دولار في مدينة سخنين، قبل فترة طويلة من الاعتراف العربي بالدولة العبرية. ويستخدم الملعب فريق اتحاد أبناء سخنين، أنجح ناد إسرائيلي - فلسطيني.
ويخدم السماح بالتعبير عن المشاعر المؤيدة للفلسطينيين خلال فعاليات بطولة كأس العالم أغراضا قطرية متعددة.
ومنح ذلك متنفسا للقطريين، وهم أقلية في بلدهم؛ حيث كانوا قلقين بشأن التأثير على مجتمعهم من نهج الحكومة خلال بطولة كأس العالم تجاه مشجعي كرة القدم الذين يتبنون قيما ثقافية مختلفة.
وكان لمنع المشّجعين واللاعبين من حمل شارة "حب واحد” التي تدعم المثليين والقمصان الملونة بألوان قوس قزح في الملاعب هدف مشابه.
كما سُمح للقطريين بالتنفيس عن إحباطهم من ازدواجية المعايير في النقد الأوروبي والأميركي لرفض قطر لحقوق مجتمع المثليين، خاصة بعد أن غطى أفراد الفريق الألماني أفواههم احتجاجا على حرمانهم -من قبل الاتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا)- من حقهم في ارتداء شارات مؤيدة للمثليين.
وفي إحدى الحالات، ارتدى القطريون شارات أذرع مؤيدة للفلسطينيين خلال إحدى المباريات احتجاجا على وضع وزيرة الداخلية الألمانية نانسي فيزر شارة "حب واحد”.
كما أشارت التعبيرات عن المشاعر المؤيدة للفلسطينيين والمناهضة لإسرائيل إلى أن رفض قطر الاعتراف بإسرائيل كان أكثر انسجاما مع الرأي العام العربي منه مع الجهود المبذولة لإبراز الاعتراف الذي تقوده الإمارات بالدولة العبرية، باعتباره أمرا شائعا حقا ويشير إلى تراجع في دعمها للقضية الفلسطينية.
مراقبون يرون أنه من المقلق تمكين الفيفا ومستضيفي المونديال من تقرير التعبير الملائم وغير الملائم للسياسة
لكن استطلاعات الرأي الأخيرة تظهر أن الدعم العام لإقامة علاقات دبلوماسية مع إسرائيل قد انخفض في جميع أنحاء العالم العربي والإسلامي، بما في ذلك الدول التي أتمّت تطبيع علاقاتها مع الدولة اليهودية.
ويؤيد 20 في المئة من السكان في البحرين الأمر، مقارنة بـ45 في المئة في 2020، وفقا لاستطلاع أجراه معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى في يوليو. كما انخفض الدعم في المملكة العربية السعودية من 41 إلى 19 في المئة. وتراجع حتى في الإمارات، حيث كان للتطبيع أكبر تأثير، من 47 في المئة سنة 2020 إلى 25 في المئة هذا العام.
وبالنسبة إلى مديري بطولة كأس العالم القطريين، كانت فلسطين القضية الأسهل، بينما كان الاحتجاج ضد الحكومة في طهران تحديا أصعب بكثير؛ حيث أن الجار الإقليمي إيران يبقى شريكا ومهدّدا محتملا تشترك معه قطر في أكبر حقل غاز بحري في العالم.
وقد سمح الحفاظ على العلاقات مع إيران لقطر، في بعض الأحيان، بأن تكون وسيطا في الخلفية مع الولايات المتحدة في قضايا مثل المحادثات المحتضرة لإحياء الاتفاق النووي الإيراني لسنة 2015.
وتخشى الدوحة من أن السماح للملاعب بأن تصبح أماكن مواجهة بين المعارضين وأنصار الحكومة الإيرانية قد يقنع إيران بتصنيف الدولة الخليجية، إلى جانب السعودية وإسرائيل والولايات المتحدة، كمُحِضٍّ على احتجاجات مستمرة مناهضة للحكومة، قتلت قوات الأمن المئات خلالها. ولهذا كله سعت قطر إلى منع الرايات والقمصان وأعلام ما قبل الثورة المناهضة لطهران من دخول الملاعب. وحلّت المشكلة نفسها عندما خرجت إيران من بطولة كأس العالم في دور المجموعات.
إلا أن القضية الأكبر لا تزال قائمة؛ حيث تُظهر بطولة كأس العالم في قطر أن إصرار الفيفا على إمكانية الفصل بين الرياضة والسياسة يبقى مجرد خيال سياسي.
والأمر الأكثر إثارة للقلق هو أن هذا يُمكِّن الفيفا ومستضيفي بطولة كأس العالم من الدول المشابهة لقطر من تقرير التعبير الملائم وغير الملائم للسياسة. ويجعل هذا بالكاد مجال اللعب متكافئا.