اخبار البلد - أعاد تنظيم الإخوان استخدام الأذرع الإعلامية بقوة في مواجهة النظام المصري بعد أشهر من إغلاق السلطات التركية قناة "مكملين” وفرملة بعض المنابر التي تنطلق من أراضيها وتؤيد الجماعة التي تسعى حاليا لأن تكون بريطانيا مقرا آمنا لها وبديلا قد يحتضن عددا كبيرا من العاملين في المنابر الإعلامية التابعة للإخوان.
وأطلقت جبهة إسطنبول التي يقودها الإخواني محمود حسين، الأمين العام السابق للتنظيم، قناة فضائية جديدة من لندن تحمل اسم "الشعوب”، يتولى رئاستها معتز مطر الذي كان يقدم برنامجا من إسطنبول على قناة "الشرق” المتحدثة باسم الإخوان.
وتم إطلاق فضائية أخرى تحمل اسم "حراك 11 نوفمبر”، يتردد أنها ستخصص لبث التظاهرات التي دعت إليها جماعة الإخوان في الحادي عشر من نوفمبر المقبل.
ويتزامن إطلاق القناتين الجديدتين مع دعوات صادرة عن الإخوان للتظاهر ضد نظام الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، وترغب من خلال منابرها في حشد المواطنين للاحتجاج ضد ما وصفته بـ”الغلاء الفاحش” والثورة على "سلطة الانقلاب” في مصر.
ويشير الإصرار على مناكفة النظام المصري عبر المنابر الإعلامية إلى أن الجماعة فقدت أدواتها السياسية والأمنية على الأرض، ولم تعد تمتلك إلا الاستثمار في مجال الإعلام، كسبيل وحيد من وجهة نظر قياداتها للاستمرار في المواجهة وتجنب الوصول إلى مرحلة الاستسلام وكسب التعاطف وحشد الرأي العام محليا ودوليا.
وشعرت الجماعة بانتكاسة إثر توقف قنواتها التي كانت تبث برامجها من تركيا أو التضييق عليها بعد أن سبّبت للعلاقة بين القاهرة وأنقرة عدة منغصات، ورأت أن الاستسلام للأمر الواقع لن يجلب لها سوى المزيد من الضربات القاضية، فارتأت إطلاق محطة جديدة بعيدة عن الضغوط العربية والتركية.
واستقر الحال بعدد كبير من مقدمي برامج القنوات التي تم إغلاقها في لندن، ليكونوا قريبين من المكتب الإعلامي لتنظيم الإخوان هناك، على أن يعتمدوا على قناة "الشعوب” الجديدة، ومنصات ومواقع رقمية أخرى، إلى حين فتح قناة ثانية في فيتنام.
ومنذ إطلاق قناة "الشعوب” أثيرت تساؤلات حول الجهة التي تدعمها ماليا في ظل الصراعات والانقسامات التي تشهدها جبهات التنظيم الثلاث في الخارج، "جبهة إسطنبول” و”جبهة لندن” و”تيار التغيير”، فيما جاء مقطع الفيديو الذي بثه القيادي الإخواني الهارب مدحت الحداد المقيم في تركيا ليفك هذا اللغز، بعدما تبين أنه الممول الرئيسي.
وأعلن الحداد إطلاق المحطة، وزعم أنها ستكون ناطقة بلسان الشعوب العربية لنيل الحرية، وأن معتز مطر مسؤول عن إدارتها، ما يعني أن الحداد هو الممول الظاهر، ومحسوب على جبهة إسطنبول وقائدها محمود حسين.
ويدير الحداد محافظ مالية وشركات استثمارية كبرى وفصل من جبهة إبراهيم منير، وبعد ذلك انضم إلى جبهة حسين.
ويفسر خبراء اختيار لندن لتكون مقرا رئيسيا لإعلام الإخوان الجديد بأنها تحتضن الكثير من العناصر والقيادات، وتعتبر دولة غربية نموذجية بالنسبة إلى الإخوان في مسألة فارق توقيت البث الفضائي عن مصر، حتى لا تواجه إشكالية مع المشاهد المصري والعربي، كما أن الحداد، ممول قناة "الشعوب”، حاصل على الجنسية البريطانية.
وتعتمد القناة الجديدة في محتواها التحريري على التحريض ضد الدولة المصرية، والتركيز على السلبيات، وتنشر فيديوهات قصيرة عن وقائع محبطة من مصر، ويقوم كل مقدم برامج بالتعليق عليها والدعوة إلى "حتمية الخلاص من النظام الذي يقود البلاد إلى الهاوية”، وهي نبرة كانت تعتمد عليها برامج قنوات الإخوان وقت بثها من تركيا.
وتكمن أزمة الإعلام المصري مع منابر الإخوان في أنه يمتلك أدوات كسب المعركة لصالحه، لكن لا يديرها بشكل منضبط ومهني؛ فهو يفتقد إلى الإستراتيجية الفعّالة التي من شأنها أن تجعله قادرا على تفنيد روايات برامج القنوات التابعة للجماعة بشكل حرفي ومؤثر، ويتعامل معها أحيانا بطريقة تقليدية، ويروج لها بشكل غير مباشر.
وأذاع الإعلامي أحمد موسى، مقدم برنامج "على مسؤوليتي” بفضائية "صدى البلد”، تسجيلا صوتيا لقيادة إخوانية وهي تحشد للتظاهر ضد السيسي لعودة إنتاج "ربيع عربي” جديد، مع شرح لطريقة الخلاص من النظام، ما يعكس سذاجة بعض المنابر في التعامل مع ما تبثه قنوات الإخوان من تحريض ودعوات فوضوية.
واستبعد صفوت العالم، أستاذ الإعلام السياسي بجامعة القاهرة، في تصريح لـ”العرب” عودة زخم الإعلام الإخواني مرة أخرى بعدما ظهر في صورة المطرود والمطارد، كما أن منابره الجديدة لن تستطيع استقطاب المشاهدين القدامى لاعتمادهم على أدوات قائمة على التحريض فقط، مع أن الناس صاروا يميلون إلى الاستقرار بدلا من التخريب.
ورأى أن الإعلام المصري يعاني من خلل في مواجهة هجمات القنوات التحريضية، ويحتاج إلى وقف التعامل معها بنفس الأدوات التقليدية التي يستخدمها في مخاطبة الجمهور المحلي حتى يتصدى للرسائل التخريبية بشكل مؤثر ومتعمق، ويستطيع كسب المعركة لصالحه برسائل تخترق وعي المشاهد.
وقال، إن "الكثير من البرامج والصحف والمواقع الإخبارية المصرية تحتاج إلى كسب ثقة جمهورها المحلي قبل مواجهة الإعلام التحريضي، لأن استمرار الفجوة بين الطرفين يصب في صالح المنابر المعادية التي تجد ثغرات تتسلل منها إلى المواطن الذي يبحث عن نفسه ومشكلاته في إعلامه المحلي ولا يجدها”.
ويتطلب كسر أي هجوم إعلامي مضاد أن تكون هناك سياسات إعلامية واضحة تقوم على الشفافية وإيجاد نوافذ تنقل متاعب المواطنين ومشاكلهم على أرضية وطنية بعيدة عن أهداف الإخوان المشبوهة التي تستغل الفراغ للإيحاء بأنها تدافع عن البسطاء.
وفي كل مرة يتعامل الإعلام المصري مع قنوات الإخوان بطريقة رد الفعل دون أن يبادر بالهجوم، رغم أنه قادر على ذلك بحكم أنه تابع لمؤسسات وأجهزة حكومية لديها من المعلومات والوثائق ما يكفي لفضح منابر الإخوان.
وطالما استمرت المواجهة الكلامية بين الإعلام المصري وقنوات الإخوان، فإنها لن تفضي إلى شيء سوى استمرار الثغرات التي يتم من خلالها النفاذ إلى الجمهور المحلي، والحل حسب رأي خبراء ليس في إعادة إنتاج مواد تبثها منابر إخوانية، بل في تخصيص برامج مصرية تتولى مهمة الرد بتقارير موثقة على دعوات التحريض وتشويه السمعة.
ويستهوي إعلام الإخوان أن تكون المواجهة معه لفظية، حيث يجيد الدخول في مثل هذه المواجهة، ولديه أحداث تشهدها مصر يمكن عبرها تأليب الرأي العام على النظام، لكن العبرة في قيام الإعلام المصري بتقديم رسائل أكثر عمقا دون الانجرار إلى مناوشات ومعارك كلامية لا تؤثر في المنابر الإخوانية أو مشاهديها.