أخبار البلد - رصد - يشكك سياسيون وحزبيون في جدوى الإصلاحات السياسية التي تمر بها المملكة استعدادا للحكومات البرلمانية ما لم يسبق ذلك تحضير للبيئة الحاضنة على المستويين القانوني والاجتماعي، في بلد تسيطر فيه العشائر والقبيلة سياسيا واقتصاديا.
وأكد وزير الإعلام الأسبق سميح المعايطة في تصريح لوسائل إعلام محلية أن النسبة التي أعلنها مركز الدراسات الاستراتيجية في الجامعة الأردنية والمتمثلة بأن 2 في المئة من الأردنيين يهتمون بالعمل الحزبي، مؤشر واقعي على اهتمامهم في ما يخص الأحزاب.
وأشار "إننا أمام معركة لبناء حياة حزبية، تقوم على المضمون وليس على الأشخاص”، قائلا "إننا لا نعاني من نقص في الأحزاب، بقدر ما نحتاج إلى فكر حزبي وليس أحزاب برامجية فقط”.
وعدلت السلطات قانون الأحزاب الصيف الماضي، ووضعت نصوصا تجرّم من يضيق على الحزبيين بسبب انتمائهم الحزبي، ومن مخرجات القانون الذي يعد من نتاج اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية "ألا تقل نسبة الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و35 سنة عن 20 في المئة من عدد المؤسسين للحزب”.
وتسعى المملكة من خلال هذه الخطوة للتحضير لميلاد حكومات برلمانية تقطع مع نموذج الحكم الحالي ويكون للشباب فيها دور محوري، لكنها تكشف أيضا تخوف الساسة من عدم تحمس شريحة كبيرة من الشباب للتجربة القادمة، نتيجة المضايقات التي يتعرضون لها والتي تحرمهم من ممارسة الفعل السياسي عبر ترسانة من القوانين العقابية.
ويشكك رئيس الوزراء الأسبق عبدالرؤوف الروابدة في فعالية القوانين الجديدة للإعداد للحياة السياسية البرلمانية في الأردن، واستجابتها لتطلعات المواطنين، في وقت يعول فيه النظام الأردني على حزمة إصلاحات سياسية طال انتظارها، لامتصاص الغضب الشعبي وتوسيع المشاركة في الحياة العامة.
واستعرض الروابدة، خلال ندوة نظمها "صالون السبت الثقافي في مركز الحسين الثقافي براس العين، حول كتاب "هكذا أفكر: آراء ومواقف”، بتنظيم من دائرة المرافق والبرامج الثقافية بأمانة عمان، تجارب الأحزاب الأردنية منذ عودة الديمقراطية، معبّرا عن عدم تفاؤله بالعمل الحزبي "في ظل تشتته وغياب البرامجية”.
ورغم تأكيده على أهمية الأحزاب في العملية الديمقراطية، فإنه لا يرى أن الأحزاب الحقيقية موجودة حتى الآن، "وثمة العشرات من الأحزاب الصغيرة والمتقاربة في الفكر والسياسة ودون برامج أو توحيد. لم تنشأ في الأردن أحزاب سياسية.. ما عندنا أحزاب أشخاص.. أو أخرى قائمة على أيديولوجيات”.
واقترح أن تكون هناك هيئة مستقلة للأحزاب، لا تقبل ترخيص حزب جديد إن كان هناك حزب قائم يتفق مع المتقدم ببرنامجه، ولتطلب منه إنهاء الانضمام إلى الحزب القائم. وقال "أما أن يكثر عدد الأمناء العامين ورؤساء الأحزاب فلن يعمل ذلك عملا حزبيا”.
ورغم سن البرلمان لقانون أحزاب جديد الصيف الماضي ودعم حكومي مالي للأحزاب فإن الحياة السياسية التعددية في الأردن ضعيفة، بما لا يسمح ببناء حياة حزبية تنافسية.
ويرى مراقبون أن الترسانة القانونية الجديدة استعدادا للحياة الحزبية البرلمانية، على أهميتها، لن تقدم الإضافة المرجوة في ظل بيئة معرقلة للتعددية.
الأردن يسعى من خلال هذه الخطوة للتحضير لميلاد حكومات برلمانية تقطع مع نموذج الحكم الحالي ويكون للشباب فيها دور محوري
ويشير هؤلاء إلى أن المجتمع مجتمع قبلي استطاعت الدولة من خلال تفصيل القوانين السياسية تحويل طبيعة القبائل من كيانات اجتماعية إلى كيانات تمارس العمل السياسي الموسمي وفقا لرؤية الحرس القديم ونظرته لإدارة الدولة وتم تقديم وتعزيز هذا الفرز من خلال تحويل النواب للقبائل من نواب رقابة وتشريع إلى نواب خدمات.
ويرى مراقبون أن مواصلة السلطات اعتقال المعارضين السياسيين وسجن أصحاب الرأي المخالف تسلط الضوء على أزمة الثقة بمفهوم الحيياة الحزبية.
ويقول هؤلاء إن مواصلة الاعتقالات السياسية على الرغم من انطلاق "قطار التغيير السياسي” من خلال اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية، تشير إلى الشكوك الموجودة أصلا بشأن الغاية من التغيير، وهل أنها فعلية أم شكلية لتهدئة الرأي العام.
وتقول المحللة السياسية لميس أندوني "هناك إحباط عام من العمل السياسي، وغياب للأمل والأفق، وأيضا اليوم في الأردن يتم تأسيس أحزاب جديدة بدعم كامل من أجنحة الدولة، وهذا خطير لقتل الأحزاب القديمة التي يجب أن تغير خطابها، وأن يشعر الشباب لديها بأن لهم دورا ومشاركة فعلية”.
والأهم من كل ذلك، حسب مراقبين، هو عدم وضوح الرؤيا لدى النخب السياسية والتي لا ترى في العمل الحزبي إلا وسيلة للوصول للسلطة متناسين أن العمل الحزبي يكون له دور أكثر أهمية من المنافسة على السلطة والمقاعد النيابية.
واعتبر النائب عمر العياصرة أن "المخيف في ما يخص الحياة الحزبية، هو طريقة تشكيل الأحزاب وخصوصا أننا في بداية التجربة”، مبينا أن طريقة تشكيل الأحزاب تقوم على الاتصال التلفوني والعلاقات الشخصية وليس على أساس برامجي.
وأضاف العياصرة "نحن في الأردن ليست لدينا تجربة في بناء الأحزاب”، ورأى أن "شكل البرلمان الحالي لا يمكن أن يستمر مستقبلا”.
وأشار النائب إلى أن بعض القوى التقليدية ستعارض هذا الانفتاح. ولفت إلى أن بعض هذه القوى ستتناول طريق تشكيل الحكومات القادمة، لتكون شماعة لاسقاط هذا المشروع الوطني الجديد.
ويؤكد مراقبون على ضرورة معالجة الإخلالات البنيوية الكامنة من أجل الإعداد لحياة سياسية تعددية.
ويشير هؤلاء إلى توعية القبائل بضرورة إعادتها إلى ممارسة دورها الاجتماعي وإبعادها عن ممارسة أي دور سياسي موسمي.