تشير التصريحات التي أدلى بها مسؤولون من الأردن وحركة حماس في الساعات الـ 48 الأخيرة، إلى وجود خلافات بينهما سببها الظاهر خضوع المملكة لضغوط أمريكية وإسرائيلية أدت لتأجيل زيارة مرتقبة لقادة حماس برئاسة خالد مشعل إلى عمان ولقاء الملك عبد الله الثاني، حيث أعلنت الحركة رفضها لشرط وضعه رئيس الحكومة الأردنية عون الخصاونة، بأن تكون عودتهم لبلاده مجدداً مرهونة بعدم ممارسة أي نشاطات سياسية.
وتقول مصادر مطلعة على سير الترتيبات التي تتوسط فيها قطر لإتمام زيارة رسمية لخالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحماس إلى الأردن، ان المملكة اعتذرت عن الزيارة التي كان مرتبا لها أن تتم في غضون الأيام المقبلة، إلى ما بعد إنهاء الملك جولة خارجية الأسبوع المقبل سيلتقي خلالها بالرئيس الأمريكي باراك أوباما.
هذا التأجيل للزيارة الذي سبق وأن تكرر أكثر من مرة لأسباب متعددة، تشير معظم الشواهد إلى أن السبب الرئيسي وراءه الضغوط الأمريكية الإسرائيلية، التي يؤكد مطلعون أنها كانت أكثر فعالية من الحوافز القطرية التي ستمنح للمملكة الأردنية، حال تمت الزيارة، وما يترتب عليها من انتقال لقادة حماس من دمشق المضطربة إلى عمان الأكثر هدوءاً ودفئاً.
فمصادر غربية وإسرائيلية تحدثت قبل أسبوعين عن عرض لدولة قطر يقضي بتقديم معونات اقتصادية للملكة وتخصيص مبلغ قدره مليار دولار سنويا، إضافة لتزويد المملكة بالغاز الطبيعي مجانا مقابل موافقتها على قبول استضافة قادة حركة حماس في أراضيهم.
ولم تعد الأراضي السورية تشكل مكاناً مفضلاً لمعظم قادة الفصائل الفلسطينية بما فيها حركة حماس، بعد ثورة الشعب التي تنادي بإسقاط النظام، وعملياً تعد الأردن أكثر الأماكن ملاءمة لقادة الفصائل خاصة حماس، كونها أحد دول الطوق المحاذية لحدود فلسطين.
ويوم أمس تحدثت تقارير عن خضوع الأردن لضغوط أمريكية وإسرائيلية لمنع زيارة مشعل، من خلال قيام السفير الأمريكي في عمان إبلاغ رئيس الوزراء عون الخصاونة تحفظ بلاده على الزيارة أو إقامة علاقات مع حركة حماس، أو السماح لقادتها بالعودة للأردن.
ويبدو من الواضح أن الأردن اختارت الاستقرار، والبقاء في منطقة امنة من ‘الربيع العربي’، حين حرصت على استبدال المال بوساطة سياسية لدفع المفاوضات بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، لضمان عدم انتقال العدوى حال انفجار الأوضاع الأمنية في الضفة الغربية الواقعة على حدودها، إن لم ير الفلسطينيون أي جدوى في اللجنة الرباعية الدولية ومخططاتها الرامية لإعادة مسار المفاوضات.
وتشير تحليلات سياسية إلى خشية الأردن من تداعيات الجمود السياسي على الضفة الغربية، ومن احتمال اندلاع انتفاضة ثالثة، من شأنها أن تهدد وضعه الداخلي.
وهنا يرى مراقبون أنه لا يعقل أن يستضيف الأردن الذي يرعى مفاوضات سياسية، تنظيما يعرض عملية السلام، ويدعو لهجمات، حيث سبق وأن شن مسلحو حماس سلسلة هجمات خلال تواجد قيادتهم قبل الإبعاد في الأردن.
فالأردن الذي أهمل زيارة وفد حماس بعد الاهتمام الكبير من قبل وسائل إعلامه في الفترة السابقة، بدأ في التركيز أكثر إعلامياً وسياسياً وبكل ما هو معلوم ومجهول حتى لساسة كبار من طرفي التفاوض على إنجاح مهمته الهادفة لإعادة التفاوض بشكله الطبيعي بناء على توكيل من رباعي السلام قبل تاريخ 26 الجاري، وإن كانت هناك احتمالات لأن يكون هذا التاريخ المخصص لاجتماعات الرباعية غير مقدس.
ويفسر سياسي فلسطيني فضل عدم ذكر اسمه في تصريحات لـ ‘القدس العربي’ أن اضطلاع الأردن بالمهام الجديدة في هذا التوقيت، جاء لانشغال العرب بالمستجدات والأحداث الجارية في سورية، وهو ما أجل وألغى أي حديث عن عقد اجتماعات للجنة المبادرة العربية الخاصة بعملية السلام، وكذلك لانشغال مصر بأمور داخلية، بحيث أعطى هذا الفراغ للأردن هامشاً أكبر للتحرك.
وبالعودة إلى الاختلاف في وجهات النظر الذي سببه عدول الخصاونة عن تصريحات سابقة أدلى بها قبل نحو الشهر مع بداية الحديث عن زيارة هنية، والتي أكد فيها أن بلاده ارتكبت ‘خطأ سياسيا’ حين أبعدت قادة حماس قبل 12 عاما، حيث قال في تصريحات نشرتها أول أمس مجلة ‘تايم‘ الأمريكية أن بلاده تبحث السماح لأفراد من حماس وعائلاتهم الإقامة في الأردن ‘دون السماح لهم بتأسيس مكتب للحركة على الأراضي الأردنية أو ممارسة أي نشاط سياسي.
ونقل عن الخصاونة القول ‘الفكرة لا تنطوي على إعادتهم كي يشكلوا نقطة انطلاق للجهاد، سواء ضد إسرائيل أو غيرها، بل على عودتهم كأفراد’، مجددا تأكيده بأن طردهم كان ‘غير دستوري وخطوة خاطئة’، وقال ‘سنجد سبلاً لاستعادة أعضاء حماس وعائلاتهم (..) لكن لا نريدهم أن يقيموا مقرات هنا‘.
التراجع هذا أثار حفيظة حركة حماس، التي أعربت على لسان الدكتور موسى أبو مرزوق نائب رئيس المكتب السياسي رفضها للشرط الجديد، بتأكيده أن ‘العمل السياسي حق لا يمكن إسقاطه‘.
وأكد في تصريحات لموقع ‘الرسالة نت’ المقرب من حماس على أن من حق حماس أن يكون لها تواجد في كافة العواصم العربية لا سيما الأردن كون أن جلهم ‘يحمل الجنسية الأردنية‘.
ويقول أبو مرزوق أنه لا يستطيع أحد أن يمنع قادة حماس من ممارسة العمل السياسي لأنه يهدف لحماية حقوق الشعب الفلسطيني، متمنيا أن يعيد الأردن قراره في هذا الشأن.
وبخصوص ما أشيع عن تعرض الأردن لضغوط أمريكية وإسرائيلية لمنع زيارة مشعل، قال نائب رئيس المكتب السياسي لحماس أن هذا الأمر ‘لم يكن مستبعدا، وأنه أمر كان متوقعا‘.
وكانت الأردن رفضت عودة قادة حماس ومكوثهم في أراضيها في العام 1998، عندما عادوا إليها من زيارة لقطر، ودب منذ ذلك التاريخ خلافات بين الطرفين، وصلت لحد اتهام المملكة لأفراد من حماس بتهريب أسلحة من سورية لزعزعة أمنها، وشهدت في الفترة الأخيرة الخلافات هدوءاً، وعقدت دوائر في أمنية لقاءات مع مسؤولين من حماس، وسمحت المملكة لمشعل من زيارتها مرة لحضور جنازة والده، ومرتين لعيادة والدته المريضة.
وكان الناطق الرسمي باسم الحكومة الأردنية راكان المجالي أكد بأن بلاده تترقب زيارة ثنائية سيقوم بها ولي العهد القطري الشيخ تميم برفقة مشعل، حيث رحب بضيوف المملكة، وقال ان اللقاء المرتقب لا زال على الأجندة وسيشكل نقطة انطلاق لبحث التفاصيل المتعلقة بعلاقة الأردن مع حركة حماس وقادتها بما فيه مصلحة الشعبين الأردني والفلسطيني.