أولاً التفاعلات الكيميائية
جميع التفاعلات الكيميائية التي تحدث يمكن تلخيص آلية عملها في جملة واحدة وهي (تكسير أو إضافة روابط كيميائية من خلال إضافة أو نزع إلكترونات من المركبات المتفاعلة) عملية إضافة أو تكسير الروابط تتطلب قدر من الطاقة لتبدأ الذرات في التفاعل تلك الطاقة تسمى طاقة التنشيط Activation Energy. وعند وصول التفاعل لها تبدأ المركبات في التفاعل فوراً.
لكن هناك بعض التفاعلات تحتاج طاقة تنشيط عالية جداً وظروف خاصة وهذا يعني انتظار وقت أطول للوصول لطاقة التنشيط لبداية التفاعل. وهنا يأتي دور المحفزات وهي مواد تقوم بدورها بخفض طاقة التنشيط لتسرع من عملية التفاعل دون أن تكون جزءً من التفاعل الكيميائي نفسه.
المحفزات الكيميائية
ما قبل عام 2000 كان من المعروف لدى العلماء أن المحفزات نوعين وهما: محفزات غير عضوية كالمعادن (حديد نيكل ألومينيوم إلخ) ومحفزات عضوية وهي الإنزيمات بصفة عامة. على الرغم من مميزات المحفزات المعدنية لكن كان هناك مشكلة.
وهي أن بعضها يحتاج أن يعمل في وسط خالي من الرطوبة والأكسجين هذا الأمر صعب في الصناعة ومُكلف نوعاً ما وإن تعرضت للأكسجين أو الماء تنتج مركبات أخرى ولا تكون النواتج صحيحة، مثل الحديد Fe+3 إذا تعرض للأكسجين سينتج أكسيد الحديد الثلاثي (صدا الحديد) فضلاً عن أن هناك بعض المحفزات المعدنية تكون معادنها ثقيلة وضارة للوسط والبيئة.
أما الإنزيمات فهي مركبات عضوية بداخل أجسامنا وتلعب دوراً محورياً في جميع العمليات الحيوية بلا استثناء. واستخدامها في الصناعة يكون مُكلف علاوة على ذلك لا يمكن التعديل عليها بسهولة.
تمتلك الإنزيمات خاصية الحفز غير المتماثل وتعمل في الصناعة بطرق عديدة. ولنفهم معني (غير متماثل) في سياق الكيمياء، سنحتاج لمرآة ونضع أمامها ملعقة أو شوكة، ستنعكس الصورة على المرآة وسيكون كلاً من الصورتين متطابقتين صورة طبق الأصل (achiral object)، لكن لو وضعنا اليد اليسرى على المرآة هل ستكون متطابقة؟
لا، لأنه يوجد اختلاف في أماكن الأصابع (chiral object) بلغة الكيمياء سيكون هناك اختلاف في توزيع المجموعات حول ذرة الكربون هناك العديد من المركبات العضوية بما فيها الإنزيمات تمتلك تلك الخاصية، فمثلاً الليمون والبرتقال مركبان متناظران في الشكل ولكن غير متطابقان وكلاً منهم لديه خصائص مختلفة عن الآخر.
والمشكلة هنا تكمن أنه عند حدوث التفاعلات الكيميائية تنتج المركبات بالصورة المتناظرة لديها أي يكون الناتج مركبين لديهم خاصية التناظر كلاً منهم يمتلك خصائص خاصة بيه. وكان العلماء يلجؤوا إلى المحفزات المعدنية أو الإنزيمات لاختيار مركب واحد من كليهما.
ولكن كما ذكرنا بالأعلى مشاكل المحفزات المعدنية والإنزيمات في الصناعة توصل الباحثان إلى الطريقة الأكثر أمان والأقل تكلفة.
وهي التحفيز العضوي غير المتماثل وأصبح هناك نافذة جديدة لدى العلماء والمُصنعين لاختيار المركب المراد في النواتج خصوصاً في صناعة الأدوية.
نوبل تلوح في الأفق
كان يعمل بينامين ليست على تفاعل كيميائي يسمى Aldol – الدول وكان يتم استخدام إنزيم معروف لتحفيز ذلك التفاعل يسمى alleles a والناتج من هذا التفاعل عموماً مركبان غير متطابقان (chiral object). كان هناك ثلاثة أحماض أمينية فقط من بين أكثر من 350 حمض أميني في الإنزيم مسئولين عن تحفيز ذلك التفاعل. وبدأ سؤال يطرح نفسه ” هل كل هذه الأحماض الأمينية ضرورية في التفاعل؟ هل يمكننا الاستغناء عنها وتحفيز التفاعل بمركب أبسط أو بحمض أميني واحد” الإجابة كانت عند "ليست” بنعم وقرر اختبار ذلك التفاعل في وجود حمض أميني يسمى برولين ونجحت التجربة. البرولين عنصر رخيص وبسيط وغير ضار بالبيئة فكانت التجربة بمثابة الشرارة الأولى لذلك المجال.
على الجانب الآخر، وجد ماكميلان مشكلة في المحفز الذي يدخل في تفاعل الديزل – Diesel وهو تفاعل معروف جداً. المشكلة كانت هي وجود ذرة حديد داخل المحفز وبالتالي سيكون حساس جداً لعوامل الجو والأكسجين. لذلك لا يتم استخدامه بشكل كبير في الصناعة. وبدأ ماكميلان في التفكير في الاستغناء عن ذرة الحديد وصناعة محفز عضوي جديد. وقد كان، استطاع ماكميلان خلق محفز جديد يدخل في التفاعل بكل سهولة ويمكن من خلاله اختيار أحد الصورتين الغير متطابقتين لدى المركبين الناتجين من التفاعل. (تذكر ال Chirality)
تطور وازدهار أدى إلى جائزة نوبل
بعد اكتشاف "ماكميلان” و "ليست” أصبح لدى العلماء الآن خيارات متعددة من المحفزات الكيميائية العضوية غير المتماثلة. تلك المحفزات ساهمت بشكل كبير في إجراء العديد من التفاعلات بسهولة. على سبيل المثال لا الحصر، جزئ الاستركنين الطبيعي وهو جزئ سام للغاية ومهم في للعديد من الباحثين.
فقد كان يحتاج حوالي 29 تفاعلاً لكي يتم إنتاجه وينتج بكمية ضئيلة جداً. لكن اليوم يستطيع العلماء بفضل التحفيز العضوي غير المتماثل بناء ذلك المركب في 12 تفاعل فقط فضلاً عن عملية الإنتاج التي كانت أكثر كفاءة بحوالي 7000 مرة.
مركب آخر وهو "أوسيلتاميفر” الذي يستخدم بشكلٍ واسع كمقاوم للفيروسات (الانفلونزا تحديداً) والذي كان يتم في 12 خطوة. حالياً بفضل تلك التقنية يتم صناعته في 5 خطوات فقط وآلاف من الأدوية التي نستخدمها اليوم وتساهم بشكلٍ كبير في علاج ومقاومة العديد من الأمراض.
أكثر من 35% من التفاعلات الكيميائية تشارك بها المحفزات الكيميائية. وكل يوم يزداد استخدام تلك المحفزات في العديد من المجالات وصناعة الأدوية، يزداد معها تأثير ذلك الاكتشاف العظيم. فشكراً لماكميلان وليست على ما اكتشفوه وقدموه هدية للبشرية. فمنذ نشرهم لتلك التقنية عام 2000 حتى يومنا هذا، ساهم في خلق نافذة جديدة تماماً في الصناعة وتسهيل إنتاج مركبات عديدة للعمل عليها من قِبل الباحثين.