اخبار البلد_ بعد فوز الإسلاميين بنسب مرتفعة في الانتخابات التي تلت- أو استبقت- الربيع العربي ، ولكونهم ليسوا من لون واحد ، تجمع التوقعات على فشل السلفيين انطلاقا من تصريحاتهم وبعض ممارساتهم، حيث فازوا بانتخابات وحيث لم تجر انتخابات بعد ولكنهم انطلقوا باعتقاد أحقيقتهم في فرض برنامج "إلهي " لا يستفتى عليه البشر .. بالمقابل هنالك توقعات أفضل بشأن التنظيمات الإسلامية الأخرى ، وفي مقدمتها "الإخوان المسلمون"، لخبرتهم في العمل السياسي " البراغماتي" ، حسب التحليلات. وهو ما يلزم بوقفة عند البرنامج السياسي للإخوان .
ما أورده هنا ليس تنظيرا ، بل هو حقيقة موثقة في محاضر مجلس النواب الأردني الثاني عشر ، وهو ثاني مجلس نواب يشارك فيه الإخوان بأكبر تمثيل حزبي . فقد شاركوا في المجلس الحادي عشر بما يقارب نسبتهم المتوقعة في مجلس الشعب المصري ،وفي المجلس الثاني عشر الذي تزاملت معهم فيه، بنسبة عشرين في المئة .
في افتتاح أول دورة للبرلمان الجديد في نهايات العام 1993 ، توقفنا عند مناقشة الرد على خطاب العرش . وكانت لجنة الصياغة التي مثل فيها الإخوان بدكتورالشريعة ، إبراهيم زيد الكيلاني، قد أوردت مصطلحي " الديمقراطية والشورى " مترافقين في أكثر من موقع من الرد ، بما فيه أن مجلسنا ذاك جاءت به الديمقراطية والشورى .
ولمتابعتي لربط مماثل كان يقوم به الملك حسين بين الكلمتين في أكثر من خطاب .. والأهم لكونه حاول في سبعينات القرن الماضي وأثناء تغييب الحياة النيابية في ظل الأحكام العرفية ، استبدال مجلس النواب " بمجلس وطني استشاري " معيّن بكامله ، وهي تجربة فشلت من فورها ولكن لم تتم العودة للحياة النيابية إلا حين فرضت انتفاضة نيسان الشعبية تلك العودة . وبوجود الإخوان في أول مجلسي نواب تليا تلك الانتفاضة ( التي لم يشاركوا فيها ) بتلك النسب وضمن تحالفهم التاريخي المعروف مع النظام الأردني .. وجب الحذر من ذات مخاوف " الثورة المضادة " التي يجري الحديث عنها في مصر وغيرها حاليا، من أن يمهد لها بربط غير أمين بين الديمقراطية والشورى . لهذا قمت بمداخلة مفادها أننا جئنا عبر " الديمقراطية " كما فصلها دستورنا.. وأنني شخصيا أؤمن ان الشورى في الإسلام هي ذات الديمقراطية المعاصرة من حيث شمول الشورى لكل الشعب وإلزاميتها للحاكم ، وبأنها لا تختلف عن الديمقراطية سوى باختلاف وسائل تحقيقها بين القرن السادس الميلادي والقرن العشرين.. ولهذا طلبت إبقاء صيغة "الديمقراطية " التي جاءت بمجلسنا، وحذف "الشورى" كونها مرادفا مطابقا .. وفي حال وجود رأي يقول باختلاف الديمقراطية عن الشورى، فإن الحذف أولى ، كون مجلسنا نتاج الديمقراطية .
هنا جاءت اعتراضات من الإخوان ،يقابلها محاولات للقفز عن الموضوع باعتباره قضية صياغة لا تغير شيئا ، قام بها " نواب الحكم " . وإزاء إصراري تحدث ثلاثة من الإخوان في رفض حذف الشورى . الأول قال ان الديمقراطية والشورى تعنيان الشيء ذاته .. والثاني قال إن هنالك تشابها ، ولكن هنالك فروق جذرية عدة .. والثالث، وهو تحديدا الدكتور الكيلاني ، قال إن الشورى هي حكم الإسلام وان الديمقراطية هي نهج أمريكا والغرب الكافر ، وإن عملاءهم يستوردونها .. ما دعاني للاحتجاج وطلب محاسبته تأديبيا إن لم يعتذر.. وهو ما لم يتم في مجلس أتى الحكم بغالبيته . ولكنني لم أقبل طي صفحة الخلاف حول المفهومين ، وقلت إننا كنواب أمة لا يجوز ان نضع تواقيعنا على نص لا نعرف مدلوله .. وإزاء التعذر بأن شرح الفروق يطول ، جاء إصراري على حذف "الشورى" حينها ، والنظر فيها حين يتسنى لنا الاستماع لحقيقتها .. أما ان تؤخذ بصمتنا على ما لا نعرف كنهه ، فلا.
المهم أن سبعة عشر ممثلا سياسيا للإخوان في ذات مجلس النواب الذي خاض الإخوان انتخاباته كجماعة وببرنامج موحد ، وللمرة الثانية ، لم تكن لديهم رؤية مشتركة لمفهوم " الديمقراطية " ولا حتى "للشورى " . والحديث عن مفهوم " حكم " وليس عن شأن خاص بالأردن ، ما يعكس البرنامج السياسي لتنظيم الإخوان المسلمين الأم .. وفي الوضع الراهن في العالم العربي ، فإن هكذا غياب أو ضبابية لمفاهيم حكم أساسية ، قد يكون مبررا لمخاوف تماهي ذلك الجزء من الطيف الإخواني المكفّر للديمقراطية ، مع طرح السلفيين أو غيرهم ممن يقال أن الإخوان يفضُلونهم بالخبرة السياسية " البراجماتية " .. فالبراجماتية هنا تصبح سلبية بامتياز .