لماذا الايرانيون أكثر قدرة على كسب الحلفاء وبناء التحالفات السياسية في العراق مقارنة بالامريكان

لماذا الايرانيون أكثر قدرة على كسب الحلفاء وبناء التحالفات السياسية في العراق مقارنة بالامريكان
أخبار البلد -  

د. منتصر العيداني

تساؤل لطالما حير الباحثين والمتخصصين في الشأن العراقي بعد عام 2003, عراقيا و عربيا وربما غربيا او حتى امريكيا , و سبب الحيرة والالتباس ان المعطيات تخالف القاعدة المنطقية بأن المقدمات تؤدي الى النتائج , فالمقدمات في الحالة العراقية بعد عام 2003 تقود الى نتائج متعارضة تماما مع الاوضاع مابعد ذلك , فالويالات المتحدة الامريكية هي التي قادت الحرب لتغيير النظام في العراق عام 2003 , و تكبدت خسائر كبيرة قدرت بالاف القتلى و عشرات الاف الجرحى والمعاقين فضلا عن ترليونات الدولارات , وهي التي اسست العملية السياسية بعد عام 2003 , كما انها اشرفت على المعارضة العراقية قبل ذلك منذ بداية التسعينات , و كانت مؤتمرات لندن و واشنطن للمعارضة العراقية هي المقدمات لصياغة النظام العراقي الجديد , وكان عراب تلك المؤتمرات السيد زلماي خليل زادة ومن خلفه الأجهزة والمؤسسات الامريكية , الا ان النتيجة كانت ان النفوذ الامريكي في العراق طوال الستة عشر عاما مابعد 2003 هو الاضعف ازاء النفوذ الايراني أو كما يبدو ذلك , الامر الذي ازداد في السنوات الاخيرة , حتى ان العديد من المسؤولين العراقيين أخذوا يروجون و ربما عن قناعة بأن الولايات المتحدة الامريكية لم تعد بتلك القوة و القدرة السابقة كقوة عظمى مهيمنة .

هناك العديد من التفسيرات / التبريرات التي تطرح في هذا الصدد , الا ان العديد منها غير منطقي كذلك , مثلا هناك من يعتقد بأن ايران استطاعت بناء و تعزيز نفوذها السياسي في العراق ما بعد 2003 بواسطة الفساد و الجماعات المسلحة ( المليشيات ) , وهو أدعاء يحتاج الى مراجعة , ذلك أن الفساد الكبير في عراق مابعد/2003 بدأ من النافذة الامريكية , وهو ما نشأ من خلال ظاهرة الفساد في الإدارة الأمريكية التي حكمت العراق انذاك , فقد اتهمت إدارة سلطة الائتلاف المؤقتة في العراق ومن ثم السفارة الامريكية في العراق و من قبل مؤسسات امريكية متخصصة ، بالفساد والاستغلال السيء للموارد, وفقا لتقرير المفتش العام الأمريكي ستيوارت بووين بشأن الفساد في العراق , الذي اوضح فيه أن ملف أعمار العراق في السفارة الأمريكية يتعرض إلى هدر مقداره 50% يعني 9 مليار دولار من أجمالي الأموال المصروفة على إعادة أعمار العراق البالغة 18,3 مليار دولار , فضلا عن ملف عن الفساد في صندوق تنمية العراق الـ ( DFI) و بمبالغ طائلة , و أكثر من ذلك فأن العقوبات الامريكية الاخيرة على بعض القيادات السياسية وقيادات الفصائل المسلحة تشير الى ان الولايات المتحدة الامريكية كانت على معرفة تفصيلية بالفساد في العراق , الا انها لم تصدر تلك العقوبات الا عندما اصبحت مصالحها مهددة من تلك القوى , ناهيك عن الفساد الواسع في المنح و المساعدات التي تقدمها المؤسسات الامريكية للمؤسسات الرسمية العراقية او منظمات المجتمع المدني . اما بصدد الجماعات المسلحة فأن سلطة الائتلاف المؤقتة هي من أصدرت الامر رقم 91 عام 2004 الذي سمح فيه لتسعة مليشيات من (حزب الدعوة ، منظمة بدر ، الحزب الشيوعي العراقي ، حزب الله العراق ، الحزب الإسلامي العراقي ، الوفاق الوطني العراقي ، المؤتمر الوطني العراقي ، الحزب الديموقراطي الكردستاني ، الاتحاد الوطني الكردستاني ) بدمج افرادها ضمن الاجهزة الامنية والقوات العسكرية العراقية الجديدة , بدعوى سد الفراغ الامني والحفاظ على الامن والاسراع بتشكيل الجيش الجديد , و في الوقت ذاته قامت سلطة الائتلاف المؤقتة بحل الجيش العراقي السابق والاجهزة الامنية . بالمقابل فأن الولايات المتحدة الامريكية هي من دعمت بالمال و السلاح انشاء الصحوات السنية أو ما يعرف ايضاً بمجالس الإسناد أو الإنقاذ كقوى مسلحة عشائرية بدعوى مقاتلة الارهاب . وعلى الصعيد العسكري فأن الولايات المتحدة الامريكية تمتلك عدة قواعد عسكرية في العراق حاليا , فضلا عن انها دربت وجهزت العديد من القوات العسكرية العراقية او اشرفت وساعدت في ذلك , وادخلت العديد من القادة العسكريين العراقيين في دورات تدريبية في المعاهد العسكرية الامريكية .

و من بين التفسيرات الاخرى لتراجع النفوذ الامريكي ازاء النفوذ الايراني في العراق, هو طريقة التعامل السياسي او استقطاب الحلفاء السياسيين أو حتى الاصدقاء في العراق , فالامريكان كما يبدو يبنون علاقاتهم مع السياسيين العراقيين أو غيرهم عموما بطريقة الصفقة وليس التحالف , عكس ما يقوم به الايرانيون , بمعنى أن الايرانيين يتحالفون مع السياسيين العراقيين – بمختلف انتماءاتهم – بأسلوب الحياة معا او الموت , اي انهم يدعمون حلفائهم بصورة دائمة و بكل الوسائل كما يبدو , أما الامريكان فهم يتعاملون مع حلفائهم السياسيين بطريقة أشبه بالتعاقد لتنفيذ سياسات معينة بكلفة و سقف زمني محددين , و يغيرون تحالفاتهم مع تغير المهمات والاوضاع وحسب الصفقات السياسية , و لا يقتصر ذلك على الحلفاء السياسيين فقط انما يشمل حتى المتعاقدين المحليين الذين عملوا مع الجيش الامريكي في العراق , الذين تعرض العديد منهم الى اصابات وتهديدات خطيرة دون ان يحصل العديد منهم على حماية او لجوء في الولايات المتحدة الامريكية بطريقة مناسبة . واتساقا مع ماتقدم فأن الرأي السائد حول السياسة الامريكية يذهب الى ان الامريكان لايعولون في سياستهم اساسا على الاشخاص وانما يهتمون بالدرجة الاساس بالسياسات و الممارسات . لذا فأن الحلفاء او الاصدقاء يدركون ذلك و يتعاملون على اساسه , وهو الامر الذي لا يلائم الذهنية السياسية العراقية بل وحتى الشرق اوسطية .

و يعزو اخرون سبب تراجع النفوذ الامريكي ازاء النفوذ الايراني في العراق , الى طريقة صنع السياسة الخارجية الامريكية التي تتسم بالتعقيد والبطئ , الا أن هذا التبرير لايعد منطقيا كذلك , فهل يعني ذلك ان السياسة الخارجية الامريكية هي اقل دينامية من السياسة الخارجية الايرانية ؟ , وهو سؤال لا يستقيم مع دولة عظمى تمتلك نفوذا عالميا و تدير بل تقود السياسة الدولية على مختلف الاصعدة .

أما على الصعيد الشعبي , أو الراي العام العراقي بعد عام 2003, فأن الايرانيين استطاعوا كسب الراي العام العراقي ليس فقط الشيعي وانما حتى السني في السنوات الاخيرة , و جزء من الراي العام الكردي , رغم الحرب الطويلة بين البلدين في الثمانينيات من القرن الماضي , بينما لم يحظى الامريكان بمثل ذلك المستوى أو بمستوى اعلى من نظيره الايراني على صعيد القبول الشعبي طيلة الفترة الماضية , لا على الصعيد الشيعي بالرغم من انهم كانوا العامل الاساس في تغيير النظام السابق ودعم القوى الشيعية في قيادة الدولة , الامر الذي لم يتحقق على مر التاريخ , ولا على الصعيد السني , و اخيرا خسروا الكثير من التأييد الشعبي الكردي الواسع بعد الاستفتاء الكردي عام 2017 , بسبب تداعيات الموقف الامريكي المعارض للاستفتاء . كل ماتقدم انعكس جليا في تشكيل الحكومة العراقية الاخيرة , والرئاسات الثلاث , التي كانت اقرب الى الايرانيين بنسبة واضحة . ورغم تغيير الرأي العام العراقي في الانتفاضة الشعبية الاخيرة ورفع شعارات معارضة للهيمنة الايرانية في العراق , و احراق القنصلية الايرانية في النجف لاكثر من مرة , و كذا صور المرشد الاعلى السيد علي خامنئي, الا ان ذلك لايعني بالضرورة تأييدأ للعلاقة مع الولايات المتحدة الامريكية او تعاطفا شعبيا معها , اذ لم تبرز مؤشرات تدل على ذلك بشكل واضح .

ان ماتقدم و غيره الكثير , لا يمكن تفسيره الا بوجود فجوة فكرية و ثقافية واسعة بين الولايات المتحدة الامريكية والعراقيين , الامر الذي اخفق كلا الطرفيين في ادراكه و تحليله , مقابل تفهم ايراني اعمق للثقافة و الذهنية العراقية , الا أن ذلك لايمكن تفسيره بالاستناد فقط الى العلاقات التاريخية والاجتماعية والدينية و المصالح الناجمة عنها بين بلدين جارين , ذلك ان الولايات المتحدة الامريكية كانت حاضرة على الارض العراقية طيلة عقد ونصف , و تعاملت بل و ادارت أو اشرفت أو اطلعت على كل تفاصيل الدولة والحياة العامة في العراق , ناهيك عن أن العولمة حولت العالم الى قرية صغيرة , ولم تعد الحواجز الجغرافية والثقافية موانع للتواصل والاندماج الحضاري بين الامم , فضلا عن ماتقدم فليس من المنطقي افتراض ان كل دولتين جارتين تمتلكان علاقات متميزة و اقوى من علاقات كل منهما مع القوى الدولية , والا لكانت جميع دول المنطقة اقرب الى بعضها من الولايات المتحدة الامريكية , وهو مايخالف الواقع تماما .

ان تلك الفجوة لها اسباب اخرى عديدة , مثلا هناك العديد من الباحثين العراقيين المتميزين الذين درسوا ويقيم بعضهم في الولايات المتحدة الامريكية , الا ان هؤلاء الباحثين و نظراً لطبيعة المنهجية العلمية في الاكاديميات الامريكية , اصبحوا يكتبون عن العراق بطريقة تفكير تلك المؤسسات العلمية التي درسوا فيها او عملوا معها , وبضمنها المنظمات الامريكية المختصة او المهتمة بالشؤون السياسية العربية والعراقية , بدلا من ان يعبروا عن طريقة التفكير و النسق القيمي للمجتمع والسياسة في العراق و ذلك لاسباب عديدة من بينها الافتقار الى الاليات النظرية اللازمة. أن السياسة في المنطقة العربية والشرق اوسطية تختلف في مضمونها كليا عن السياسة في الغرب او الولايات المتحدة الاميركية , لاسيما في مفهوم الدولة والسلطة , وهذا يعود الى اختلاف البنى الاجتماعية والسياسية والاقتصادية لتلك المجتمعات ومنها العراق , حيث لايزال كل ذلك مرتبطا بمفهوم العائلة , وهو امر يطول الحديث فيه , لكنه يتضح من خلال الافتقار الى دراسات معمقة و معاصرة ومحايثة في الانثروبولوجيا وفي السوسيولوجيا العراقية , الامر الذي يتطلب جهود و موارد وبيئة ملائمة .

أكاديمي وباحث عراقي

 
شريط الأخبار الأشغال: قيمة مشاريع 2025 و 2026 تجاوزت 500 مليون دينار مؤذن المسجد النبوي يردد الأذان على فراش الموت نقيب الألبسة: استعدادات كبيرة لموسم كأس العالم عبر تصميمات مبتكرة لمنتخب النشامى فيديو || لحظة دفن جثمان الشهيد عبد المطلب القيسي منفذ عملية معبر اللنبي ابو علي : مباشرة صرف الرديات الاحد واستكمال صرف ال 60% المتبقية خلال الاشهر الاولى من 2026 . قرار هام من وزارة التربية اعتبارا من العام القادم نقيب الصيادلة: نريد بحدود 200 مليون دينار من وزارة الصحة صعقة تضرب المحامين قبل نهاية السنه ...رفع التأمين الصحي ٢٥% مازن الفراية في كنيسة المهد ببيت لحم ..ماذا قال؟ لماذا قفزت الفضة أكثر من الذهب وأين تتجه في 2026؟ "أخبار البلد" تهنىء بعيد الميلاد المجيد بعد فوزه في الانتخابات الرئاسية لهندوراس.. من هو الفلسطيني نصري عصفورة؟ العدل: تنفيذ أكثر من ألفي عقوبة بديلة للحبس منذ بداية العام مواعيد مباريات الجولة الثانية فى أمم أفريقيا.. عائلة منفذ عملية الكرامة تعلن استعادة جثمانه منخفض جوي بارد يؤثر على المملكة السبت .. التفاصيل مشروبات تقلل خطر حصوات الكلى بنسبة كبيرة وفيات الأردن اليوم الخميس 25-12-2025 ولي العهد: من أرض السلام نتمنى لكم أعياداً مليئة بالمحبة والطمأنية تفاصيل حالة الطقس اليوم الخميس