تأجيج الحرب التجارية والدفع نحو تأزم الاقتصاد العالمي

تأجيج الحرب التجارية والدفع نحو تأزم الاقتصاد العالمي
أخبار البلد -  

لم تتكبد الولايات المتحدة الأمريكية ما تكبده الأطراف الأوروبيون من خسائر مادية وبشرية وكانت هي المنتصر الفعلي في الحربين العالميتين. وقد استفادت من أكبر ربح اقتصادي، وبرزت بعد الحربين كأكبر قوة عظمى مهيمنة على العالم سياسيا واقتصاديا.
وإثر انتهاء الصراع بين المعسكرين الشرقي والغربي إبان الحرب الباردة، عملت أمريكا على تعزيز تفوقها في مجال التكنولوجيا العسكرية، آخذة في الاعتبار أن الأوروبيين لن يبلغوا تكنولوجيا واقتصاديا المستوى الذي يُمكنهم من تحدي هيمنة الولايات المتحدة. وهذا الهاجس الذي تملك الإدارة الأمريكية على الدوام هو الذي يفسر الحرب التجارية التي تخوضها ضد الصين منذ أكثر من عام، وكانت انطلاقتها في 8 مارس 2018، عندما فرض الرئيس الأمريكي رسوما جمركية على واردات الصلب والألومنيوم، في محاولة لتقليص العجز التجاري الأمريكي. وكانت هذه الخطوة بمثابة إعلان بداية الحرب التجارية مع الصين أكبر منتج للصلب والألومنيوم في العالم. ومنذ ذلك الحين تفرض الإدارة الأمريكية ضرائب فترد بكين بالمثل.
دائما ما كان تعامل واشنطن مع الصين في ما يخص العقوبات التجارية يتم بمهارة ومكر حتى لا تُمَس الأرباح الأمريكية، بعد أن فتحت الصين أبوابها للاستثمار الأجنبي. ولكن ترامب الذي خاض حملته الانتخابية سنة 2016 رافعا شعار «أمريكا أولا» يجر العلاقات التجارية إلى قنوات غير اقتصادية، عبر فرضه لحرب تجارية، يمكن أن تكون عواقبها وخيمة. فمنذ أكثر من سنة وإدارته تنشر قوائم للمنتجات الصينية وتفرض عليها ضرائب، وبالمثل ترد الصين بفرض الرسوم الجمركية على البضائع الأمريكية. ولم يكن الطرفان ليقفا عند تاريخ 6 يوليو الذي ارتبط بفرض رسوم أمريكية على 34 مليار دولار من الواردات الصينية، المتمثلة أساسا في السيارات ومكونات الطائرات، وفرض بكين رسوما على المنتجات الزراعية والبحرية والسيارات الأمريكية بقيمة 34 مليار دولار أيضا. فقد تعدى الأمر ذلك ليشهد تصعيدا غير مسبوق، حيث أعادت الولايات المتحدة فرض ضرائب جديدة في أغسطس بقيمة 16 مليار دولار، وبالمثل فعلت الصين. ثم فرضت واشنطن في 24 سبتمبر ضرائب أخرى بنسبة 10% على 200 مليار دولار من الواردات الصينية، لترد الأخرى بفرض رسوم بقيمة 60 مليار دولار على سلع أمريكية. وفي مايو 2019 شملت العقوبات الأمريكية شركة هواوي الصينية للاتصالات، وفي يونيو رفعت الصين التعريفات الجمركية على منتجات أمريكية بقيمة 60 مليار دولار، وأعد الطرفان قوائم سوداء لشركات أجنبية اعتبروها غير موثوق فيها. ويمضي الجانبان في فرض الرسوم الجمركية على البضائع والمنتوجات الزراعية والصناعية والتكنولوجية، ولا تنازل يلوح في الأفق، رغم أن ملامح الركود الاقتصادي نتيجة الحرب التجارية باتت مكشوفة في كلا البلدين.

منذ أواخر الخمسينيات صُدمت أمريكا بالتفوق التكنولوجي للاتحاد السوفييتي الذي أطلق عام 1957 أول قمر صناعي، وأرسل أول إنسان إلى الفضاء. ومنذ ذلك الحين والولايات المتحدة تراهن على عدم فقدان مركز التفوق التكنولوجي. ومعركتها مع الصين يعززها منطق الإبقاء على السيطرة التكنولوجية. والعقوبات التي فُرضت على شركة هواوي للهواتف الذكية ورغبة أمريكا ودول أخرى في استبعادها من أسواق بلدانهم، هي خطوات من باب التخوف مما ستنتجه تكنولوجيا الجيل الخامس، التي تعمل الشركة على تطويرها، وتسمح بنقل أحجام هائلة من البيانات، وذلك ما تعتبره أمريكا خطرا على أمنها القومي. الأمر الذي يؤكد أن استخدام الصين التكنولوجيا كجزء من استراتيجيتها العسكرية هو ما أثار حفيظة الولايات المتحدة، ومثّل أحد أهم الأسباب لضغوطها التجارية والاقتصادية. وفي السياق ذاته لا يمكن إغفال طموحات ترامب الشخصية، فهو يُظهر موقفا متصلبا غير مستعد لتبني منهج تصالحي، لأنه يحتاج إلى إثبات أن إدارته قامت بإنجاز من نوع ما، يمكن أن يُدعم رصيده الانتخابي، وإدراكه جيدا حجم الرهان للانتخابات الرئاسية عام 2020 أمام خصومه الديمقراطيين، الذين يسيطرون على مجلس النواب. ولم تكن قمة العشرين التي انعقدت في أوساكا أواخر يونيو الماضي والتقى فيها دونالد ترامب وشي جين بينغ لتُحْدث اتفاقا أو تُفصح عن بوادر لانفراج الأزمة. ولم تثمر سوى عن اعلان هدنة وقتية في الحرب التجارية القائمة، التي تصاعدت في الأيام الماضية مع إصرار ترامب اعتبار هذه الخطوات في صالح الولايات المتحدة، و»أنها ستجلب مليارات الدولارات للخزينة الأمريكية». مع العلم أن أغلب المراقبين لهذا الشأن يؤكدون من موقع التحليل العقلاني أن الشركات الأمريكية هي الخاسر الأكبر، وهي التي ستدفع الرسوم الجمركية على أي بضائع تُستورد من الصين في شكل ضرائب للحكومة الأمريكية. وبالمثل سينعكس ذلك على التكاليف الإضافية للمستهلك الأمريكي عندما ترتفع الأسعار. بمعنى أن الشركات الأمريكية والمستهلكين هم من دفعوا التكلفة شبه الكاملة التي فرضتها أمريكا على الواردات من الصين، وهم المتضرر الأول من شطحات ترامب السياسية، وسيدفعون في كل مرة معظم تكاليف الرسوم الجمركية التي يتبجح بفرضها من حين إلى آخر، معتقدا أن مسألة تغيير الشركات الأمريكية وجهتها والاستيراد من بلدان أخرى غير الصين خطوة سهلة غير مُكلفة ماديا وزمنيا. وهذا الاستخفاف بالصين القوة التصنيعية الكبرى سوف يرتد على الداخل الأمريكي بالتأكيد، ولن ينال دونالد ترامب أي تنازل صيني، وهو المهووس بتوسيع قاعدته الانتخابية، ويحرص على شد انتباه وسائل الاعلام ليُظهر نفسه الرئيس الأمريكي الذي يُعيد لدولته تفوقها العالم، ولكنه في واقع الأمر يزيد عزلتها الدبلوماسية والسياسية على نطاق واسع. فهوالمسؤول تقريبا عن أغلب التوترات الحاصلة في أكثر من منطقة حول العالم. زاد في توتير الصراع العربي الاسرائيلي، عبر اعلان القدس عاصمة لإسرائيل وضم الجولان ، وفاقم من إشعال فتيل الفوضى والاضطراب والحرب في الشرق الأوسط. وانسحابه الشخصي من الاتفاق النووي الدولي مع ايران وتّر الأجواء في مضيق هرمز، وشكل بوادر حرب إقليمية مدمرة، ناهيك من اتفاقيات المناخ وحماية البيئة التي انسحب منها أيضا في خطوات ارتجالية ومواقف أحادية تنم عن فوضى التفكير وقصور الرؤية التي لا تدرك حجم التداعيات.
ولعل تراجع أسعار النفط وهبوط الخام الأمريكي لأقل مستوى، فيما يزيد على أسبوعين ماضيين نتيجة الحرب التجارية أبرز مثال على ذلك. ومثل هذه التوترات المتصاعدة بين نموذجين اقتصاديين مختلفين ستقوض في ما يبدو الثقة بالنمو الاقتصادي العالمي، على نحو يؤجج مخاوف التباطؤ الاقتصادي. ومن المستبعد أن ينتهي التنافس بين واشنطن وبيكين، والاتفاق التجاري بين البلدين غير وارد في المدى القريب، بالنظر إلى اصرار الرئيس الأمريكي على المُضي قدما في الحرب التجارية، التي أدت إلى الاضرار بالاقتصاد العالمي بشكل يجعله أكثر تعقيدا، وقابلا للنكوص والتأزم، وقد يدفع كثيرون أثمانا باهظة جراء الصراع على الهيمنة والتنافس الجيوسياسي.
كاتب تونسي

 
شريط الأخبار خطة نظافة وطنية للحد من الإلقاء العشوائي للنفايات "طوفان الأقصى" يفجر أزمة جديدة في إسرائيل.. الكنيست يصوت على "لجنة التغطية" والعائلات تعلن العصيان 480 ألف طالب جامعي في الأردن 60 % منهم في الجامعات الرسمية وزير الطاقة: إنهاء دراسات الجدوى للتنقيب عن الفوسفات في الريشة من خلال شركتين انخفاض أسعار الذهب في التسعيرة الثانية محليا الأربعاء الأردن ضمن مستوى "الكفاءة المنخفضة جدا" في مؤشر إتقان اللغة الإنجليزية 2025 هام حول اتفاقية تعدين نحاس أبو خشيبة ومراحلها القانونية والفنية 25 مليون دينار وتغطي 40%... أبو علي: صرف رديات ضريبة للمكلفين المستحقين إلكترونيا الأحد ملاحظات على مأدبة وعلاوات… تقرير "المحاسبة" يكشف تجاوزات حكومية "الاتحاد" أول بنك في الأردن يحصل على شهادة ISO 37301 الدولية لنظام إدارة الامتثال العملات الرقمية المستقرة… استقرار ظاهري أم سيادة نقدية؟ بورصة عمان تغلق تداولاتها على ارتفاع الاطباء تنعى 3 أطباء أردنيين - اسماء المرصد العمالي يرحب بقرار الحكومة بوقف التقاعد الإلزامي للحفاظ على استدامة صندوق الضمان القاضي يوجّه كتاباً لـ حسان بخصوص إحالة موظفي الأمانة للتقاعد المبكر - وثيقة شراء خدمات دون مؤهلات مثبتة.. ابرز مخالفات "الجامعة الأردنية" اجتاحت العالم.. ما هي "الإنفلونزا الخارقة" وما خطورتها؟ النواب يحيل تقرير ديوان المحاسبة إلى اللجنة المالية "صناعة عمان" تحاضر حول مؤتمر (ديتيكيس 2026) في "العلوم والتكنولوجيا" تركيا تعلن العثور على الصندوق الأسود لطائرة رئيس الأركان الليبي