استبعد محللون عسكريون وسياسيون فرضية إعلان نهاية تنظيم الدولة الإسلامية "داعش"، عقب سقوط عاصمة التنظيم في الرقة، معتبرين سقوط الرقة خطوة جديدة ضمن خطة التنظيم لإعادة التموضع والتمركز، تمهيداً للانتقال لأماكن أخرى خدمة لأهدافه ومصالح داعميه.
ويجمع هؤلاء في حديثهم لـ"السبيل" على أن تراجع القدرات العسكرية والعددية للتنظيم لا يمكن اعتبارها بأي حال من الأحوال مؤشراً على قرب نهايته، وإنما وسيلة للتمكن من مهاجمة مواقع أخرى أقل قدرة على حماية ذاتها داخلياً وتحصين حدودها لمنع دخول عناصر التنظيم إليها.
المحلل العسكري محمود ارديسات يستبعد "انتهاء تنظيم داعش في المنطقة كقوة عسكرية وفكر عقائدي على الرغم من توالي هزائم التنظيم في سوريا والعراق وخروج عناصره من الموصل والرقة".
وقال لـ"السبيل" إن "خسارة التنظيم لمعارك في كل من العراق وسوريا ليست إعلاناً لنهاية الحرب ضد التنظيم في المنطقة، وإنما هي مرحلة من مراحل متعددة ربما تشهد إعادة قولبة وجود التنظيم في مناطق وأشكال أخرى ربما تكون أكثر تأثيراً على المنطقة وحلفائها خلال المرحلة المقبلة".
ونوه إلى أهمية الدور الأمريكي في إدارة معركة التنظيم في المنطقة وتعدد بؤر الانتقال لعناصره وتوزعه على أكثر من منطقة ضمن الشرق الأوسط الكبير، إذ نجد أن تعدد أماكن تواجده وتوسيع نفوذه في بعض هذه المناطق على حساب مواقع أخرى تبعاً لتغير قاعدة الأهداف والمصالح الأمريكية.
ونبه المحلل العسكري إلى "أن إضعاف قوة التنظيم في العراق وسوريا وتقليص القوة العسكرية له لا يعني حكماً إعلان نهاية التنظيم حيث لا يزال الوجود الفكري والعقدي يسيطر على العديد من الأشخاص والتجمعات، خصوصاً في جنوب غرب سوريا والمنطقة الحدودية بين سوريا والعراق باعتبارهما مناطق رخوة يمكن لعناصر التنظيم التمركز فيها لحين تأمين أماكن أخرى أكثر ملاءمة لوجودهم، ربما تكون ليبيا أو الفلبين أو مناطق شرق آسيا".
المحلل العسكري عميد ركن متقاعد أحمد الخلايلة يؤيد ما ذهب إليه ارديسات بأن سقوط عاصمة "داعش" في الرقة ليس إعلان لنهاية التنظيم، وإنما هو محاولة للخروج من المأزق في سوريا والعراق وإعادة التموضع تمهيداً للانتقال لمكان آخر وفقاً للمصالح المفترضة للتنظيم.
وأكد لـ"السبيل" أن "تراجع قدرات التنظيم العسكرية والمكانية في مناطق النفوذ السابقة في العراق وسوريا يسير ضمن الخطة المعدة من قبل ممولي التنظيم واللاعبين السياسيين دولياً وإقليمياً؛ للتمركز والانطلاق مجدداً والتوزع ضمن إقليم الشرق الأوسط ومناطق أخرى ضمن مناطق عالمية أخرى وبخطة متزامنة قد تستمر لعشرات السنوات القادمة".
وتوقع الخلايلة استحداث أدوار جديدة لعناصر التنظيم في المناطق التي سيتواجدون فيها وفقاً للخطط المستقبلية لداعمي التنظيم الدوليين واتجاهات مصالحهم مع اعتماد مبدأ الانتقال الآمن لعناصر التنظيم بمهاجمة المناطق الأكثر أمناً لهم، وهي الدول الأقل قدرة على حماية أمنها الداخلي، باعتبارها بيئات أكثر ملاءمة للحفاظ على بنية التنظيم.
وشدد على أنه "لا يمكن لأحد أياً كان خلال المرحلة الراهنة إعلان نهاية داعش لتمددها في مناطق متعددة وتأقلم عناصرها مع البيئات التي وضعوا ضمنها، مع التركيز على أن العوامل التي أنتجت التنظيم لا تزال حاضرة ولم تتغير بل ويحاول البعض استغلالها وإعادة انتاجها لتأمين بقاء آمن للتنظيم كفكر وعقيدة جهادية متطرفة".
وخلص الخلايلة إلى استبعاد "توجه داعش نحو الأردن كبؤرة تموضع والاستحكام فيها تمهيداً لمهاجمة مواقع أخرى ضمن خارطة المصالح، مع التأكيد على أن التنظيم لا يألو جهداً من استغلال أي فرصة لإيجاد موضع قدم له في الأردن وأي دول أخرى من مناطق الشرق الأوسط، إلا أن الأردن ليس هدفاً مركزياً له، مع عدم إهماله كبؤرة للتخفي وإعادة الانتقال مجدداً".
وأعلنت قوات سورية الديمقراطية بدء "المرحلة الاخيرة" من معركة الرقة، وذلك غداة خروج أكثر من ثلاثة آلاف مدني فضلا عن جهاديين سوريين من المعقل الأبرز سابقا لتنظيم "داعش" في البلاد بموجب اتفاق.
ولم يبق في مدينة الرقة سوى المقاتلين الاجانب في صفوف التنظيم وافراد من عائلاتهم يتحصنون في مواقع متفرقة في وسط وشمال المدينة.
وتخوض قوات سورية الديمقراطية بدعم من التحالف الدولي بقيادة واشنطن منذ السادس من حزيران العام الحالي معارك لطرد المسلحين المتطرفين من الرقة الذين انحسروا في مساحة لا تتجاوز عشرة في المئة من المدينة.
من جانبه، قال الكاتب والخبير في الجماعات الإسلامية حسن أبو هنية لـ"السبيل" إن "ما يلفت النظر هو صمود تنظيم "داعش"، في الموصل لمدة تسعة أشهر، مع وجود قوات من 68 دولة جوا بقيادة أمريكا، وبوجود أكثر من 150 ألف على الأرض من القوات العراقية من شرطة ومكافحة إرهاب والجيش، والبشمركة والحشد الشعبي، فبالتأكيد صمود أربعة آلاف مقاتل أمام كل هذه القوة هو ما يلفت النظر".
وقال إن "التنظيم سيبدأ في حقبة جديدة مرة أخرى بشن عمليات من كمائن وعمليات تفجيرية، وسيتمركز في عمق الصحراء، وكذلك في أرياف وصحاري البادية السورية ودير الزور، وسيحافظ التنظيم على هيكله التنظيمي بانتظار فرص أخرى".
ويعتقد أبو هنية أنه لا يوجد أي أفق للحل، مشيرا أن "المرحلة ما بعد "داعش، والدولة الاسلامية"، هي أسوأ مما قبل، مشيرا إلى أن النزاعات السياسية والعرقية والإثنية ارتفعت، فهناك استفتاء على انفصال كردستان، وبالتالي محاولة الاستقلال عن العراق لا تزال قائمة".ولفت إلى أن المكون السني لا يزال يعاني من التهميش والإقصاء.
وعلى الصعيد الاقتصادي، بين أبو هنية أن مدن الدولتين مدمرة، وانه لا يوجد أي برامج لإعادة الأعمار ولا يوجد أي أفق لتغير الشروط الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، ولذلك الأمور أصعب مما هي عليه بوجود "داعش" وإذا لم يتم تداركه فسيعيد "التنظيم" ترتيب صفوفه وسنشهد حقبة أسوأ مما كانت عليه من قبل.
في حين يرى الكاتب والمحلل السياسي حسين الرواشدة أن ما بين عام الـ 2014 تاريخ إعلان ما يسمى بـ "الدولة الإسلامية" وما بين الـ 2017، كان هناك نوع من التحالفات والتوظيفات من قبل دول إقليمية ودولية استفادت من وجود هذا "التنظيم"، لإيجاد نوع من المخارج لتحقيق بعض الأهداف السياسية، وبعد وصول ترامب للسلطة تغيرت التحالفات الدولية وبالتالي انعدم الدعم لـ"داعش" ما أدى الى انتهاء وظيفته السياسية.
ولفت الرواشدة في حديثه لـ"السبيل" إلى أن ظاهرة "داعش" ليست حالة مبنية تضمن قيام دولة أو خلافة أو حتى قيام تنظيم، وبالتالي كان سهلا انهيار وتراجع "التنظيم"، مثلما كان ظهوره سريعا، وهذا سبب ذاتي يتعلق بما أسماها الرواشدة بـ"إيديولوجيا التوحش"، من خلال إثارة الرعب والصدمة حتى الأهالي الذين كانوا في المرحلة الأولى داعمين للتنظيم وكانوا متعاطفين معه، إلا أن رهانهم عليه قد خسر، ولم يعد يجد التنظيم أي داعم له بسبب عدم مقدرته على حل أزماتهم، كما أدرك السنة في العراق أن الرهان على "داعش" رهان خاسر، ولم يعد يحظى التنظيم بحواضن في المدن التي استولى عليها.