أخبار البلد -
رحم الله ايام زمان كان الأدب راقياً والسياسة مع وضد، والنيابة والصحافة لهما انشغالاتهما بالحرية والاستقلال
عام ١٩٢٣كانت مصر على ابواب اجراء انتخابات نيابية فكتب امير الشعراء احمد شوقي شعراً قال فيه :
دار النيابة قد صُفت آرائكها( مقاعدها ) لا تُجلسوا فوقها الأحجار والخشبا
رحم الله شوقي ، في زمنه لم تكن الدمى البلاستيكية التي تُحرك (بالريموت كنترول ) قد صنعت بعد ولو كانت لأضافها الى الحجر والخشب في باب التحذير من دار نيابة ( هي وقِلتها واحد).
-------------------
في الأربعينيات من القرن الماضي فاز النحاس باشا بالانتخابات النيابية رغم معارضة الملك فاروق وكان الباشا معارضا لسياسات قصر عابدين ، الذي حرك رجاله في الصحافة لمهاجمة النحاس باشا وكان على وشك تشكيل الحكومة بناء على فوز حزبه ( الوفد ) بالاغلبية . ومن بين الذين هاجموه وتندروا بفوزه الأخوان ( مصطفى امين وعلي امين ) الشهيرين في تاريخ الصحافة المصرية ويملكان جريدة الاخبار التي خرجت بعنوان كبير بالخط الأسود مكون من بيت شعر يقول :
مشيناها خطى كتبت علينا ومن كُتب عليه الخطى مشاها
فما كان من الأديب المصري الكبير عباس العقاد ( الذي كان ضد النحاس وفي نفس الوقت لم يكن مع الملك فاروق ) ان رد على الأخوين أمين في مقال كتبه في جريدة الوطن ( حزب مصطفى كامل ) وبعنوان ( غنم ) جاء فيه :
" غنم وما هم بغنم ، يمشون على ظلف ويتوهمون انه قدم ، ويكتبون بقرن ويزعمون انه قلم . ويتكلمون هذراً ويدَّعون انه اعظم الحِكم ، غنمٌ وما عم بغنم ."
--------------
في بداية القرن الماضي اصدر صحفي مصري اسمه ابراهيم المويلحي مجلة ساخرة اسمها ( مصباح الشرق ) وكانت ناقدة للخديوي حاكم مصر انذاك ، فقام الأخير بنفيه الى اسطنبول عاصمة الخلافة العثمانية وكانت مصر جزءا منها ... في اسطنبول وصف المويلحي رجال حاشية السلطان العثماني بانهم يجمعون الصفات الثلاثة لحجر الرخام : الثقل ، البرودة ، النعومة .
وعندما نفى السلطان عبد الحميد عددا من رجال حاشيته الى مكة المكرمة كتب المويلحي " ان السلطان يعبر عن غيظه بارسال من يغضب عليه من بيت السلطان الى بيت الرحمن ".
عاش المويلحي معظم حياته خارج مصر ومن طرائف ما قال انه عندما سؤل عن اسباب تمسكه بالعيش في الغربة " ان مصر كالمقبرة مكان يزار لا مكان للدار ".
----
رحم الله ايام زمان ، كان الأدب راقيا والسياسة مع وضد ، والنيابة والصحافة كان لهما انشغالاتها بالحرية والاستقلال ووحدة العرب .. وليس كمثل انشغالات عرب اليوم في قرنهم الحادي والعشرين ، بتبرير الفتن والقتل والاقتتال ، في الفساد والإفساد وكل ما في قواميس الشياطين من بلاء للعباد والاوطان .