اخبار البلد-
رغم أنه ما يزال ضروريا انتظار نتائج التحقيقات في الاعتداء على مكتب مخابرات البقعة؛ ورغم أن التحليلات حتى هذه اللحظة تنطلق من فرضيات وتحليل السياق العام لما يحدث في المنطقة، فإنّه يمكن الافتراض عندما تتأكد مسؤولية "السلفية الجهادية" عن العمل الإرهابي، أنّ جزءا من المقصود عدا الإرهاب الأعمى، هو خلط الأوراق في الأردن. لكن يمكن التوقع، والمطالبة بخلط مضاد مختلف.
وحتى إن أثبتت التحقيقات أمرا مختلفا عن فرضية "السلفية الجهادية"، فإنّ هناك نقاطا تستحق التوقف على أي حال.
سمعتُ على مدى الأعوام الماضية، مرات عدة، من مسؤولين وباحثين وناشطين فلسطينيين من القاطنين في مخيمات لبنان، أو حتى زوارها، أنّ تجدد حالة مخيم نهر البارد، الذي ظهرت فيه مجموعة سلفية جهادية أدت لصراع مرير بين قوات الجيش اللبناني ومجموعات المسلحين "السلفيين" قبل عشرة أعوام من اليوم، هي مرجحة جداً في مخيمات أخرى في لبنان، خصوصاً في مخيمات مثل عين الحلوة.
الوضع في لبنان مختلف عن الأردن. وبالتالي، فما هو متوقع في مخيمات اللاجئين الفلسطينيين هناك، ليس بالضرورة متوقعاً في الأردن. لكن عملية أمس تستهدف في جزء منها ضرب المنظومة التي تشكل سداً أمام دخول السلفية الجهادية، بتنويعاتها، إلى الأردن، من دون نسيان أن كل الدول تقريباً مستهدفة، واستهدفت، من هذه التنظيمات (ربما باستثناء الإسرائيليين).
قبل الحديث عن المختلف بين الأردن ولبنان، ربما يجدر الحديث عن المشترك بين "البقعة" و"مخيمات" لبنان، وخصوصاً مخيمات الشمال اللبناني. هذا طبعاً من دون الجزم أنّ أحداً من المخيم له علاقة بما حصل، ولكن ربما يُستهدف الإيحاء بذلك، على الأقل.
أول المشتركات، أنّ بعض الفصائل الفلسطينية المرتبطة بشكل وثيق بالنظام السوري كانت ناشطة في مخيم البقعة بشدة. ومثلا، لا يجب نسيان أنّ شاكر العبسي، الذي كان قائد ومؤسس تنظيم "فتح الإسلام"، تلقى دعماً أساسياً من رموز في تنظيم "فتح-الانتفاضة" الذي انشق برعاية سورية عن "فتح" مطلع الثمانينيات، وتحديداً من الشخص الثاني في التنظيم "أبو خالد العملة". وبالتالي، المخيم غير محصن تماماً من ظاهرة انقلاب تطرف يساري سابق إلى تطرف إسلاموي راهن. أو بكلمات أدق ليس محصنا من حالة التحول السياسي التي ضربت المنطقة، وجعلت بعثيي صدام حسين، ويساريين مقربين من النظام السوري، ينقلبون إلى "سلفيين"، في العراق وسورية. وتنشأ في المخيم حالة سلفية.
ثاني المشتركات، بطبيعة الحال، هو موضوع الفراغ السياسي الذي تعيشه المخيمات، في كل مكان، خصوصاً بسبب تراجع الفصائل الفلسطينية الأساسية الوطنية، التي كانت تنشط في المخيمات، والانفضاض الشعبي عنها لضعفها وترهلها، ما أوجد فراغا قد تستغله الأصولية والسلفية.
أما المختلف بين الأردن ولبنان، ففي الدرجة الأولى الانضباط الأمني والوحدة الوطنية. ويشكل استهداف البقعة، أو استهداف الأردن من البقعة، بقصد ووعي أو من دون قصد مخطط بأهداف واضحة، سبيلا لتقويض الأمرين؛ فالسلفيات الجهادية لا تنجح ولا توجد بشكل مستمر واسع إلا حيث توجد فوضى أمنية، ودول فاشلة لا تسيطر على أرضها، وحيث توجد شرائح غاضبة على أسس هوياتية (إثنية أو عرقية أو قومية) تتحرك ضد الدول المركزية. وضرب الجهاز الأمني قرب المخيم، ربما يهدف لخلط كل هذه الأوراق.
في الأردن معارضة سياسية، وحالات احتجاجية، ومطلبية، كلها تكاد تكون ضمن شرائح اجتماعية غير منظمة حقا. لكن بشكل عام لا يوجد نفس انشقاقي في الأردن، وهناك شبه إجماع على احترام الدولة، وتقدير الأمن وأجهزته، حتى وإن كان هناك تذمر سياسي أو اقتصادي، هنا أو هناك، لسبب أو آخر.
إحدى أهم نتائج إرهاب أمس، ستكون، ويجب أن تكون، ترسيخ الوحدة الوطنية السالفة، والحرص على الأمن، ثم معالجة المنابع الاقتصادية والفكرية والاجتماعية التي قد توجد ثغرات تستغلها تلك الجماعات الإرهابية. وبدلا من خلط أوراق الأردن الداخلية، فإن النموذج الأردني للتصدي للإرهاب السلفي الجهادي، يجب أن يأخذ عدا شكل المواجهة الأمنية، المواجهة الفكرية القوية والشاملة، ووضع العالم أمام مهماته أيضاً في حلحلة الوضع الفلسطيني، وفي توضيح أن نتائج الصراعات المحيطة بالأردن ليست فقط اللاجئين واللجوء، بل أيضاً آثارا تستدعي معالجات اجتماعية واقتصادية وسياسية تحتاج لكثير من الدعم.
وحتى إن أثبتت التحقيقات أمرا مختلفا عن فرضية "السلفية الجهادية"، فإنّ هناك نقاطا تستحق التوقف على أي حال.
سمعتُ على مدى الأعوام الماضية، مرات عدة، من مسؤولين وباحثين وناشطين فلسطينيين من القاطنين في مخيمات لبنان، أو حتى زوارها، أنّ تجدد حالة مخيم نهر البارد، الذي ظهرت فيه مجموعة سلفية جهادية أدت لصراع مرير بين قوات الجيش اللبناني ومجموعات المسلحين "السلفيين" قبل عشرة أعوام من اليوم، هي مرجحة جداً في مخيمات أخرى في لبنان، خصوصاً في مخيمات مثل عين الحلوة.
الوضع في لبنان مختلف عن الأردن. وبالتالي، فما هو متوقع في مخيمات اللاجئين الفلسطينيين هناك، ليس بالضرورة متوقعاً في الأردن. لكن عملية أمس تستهدف في جزء منها ضرب المنظومة التي تشكل سداً أمام دخول السلفية الجهادية، بتنويعاتها، إلى الأردن، من دون نسيان أن كل الدول تقريباً مستهدفة، واستهدفت، من هذه التنظيمات (ربما باستثناء الإسرائيليين).
قبل الحديث عن المختلف بين الأردن ولبنان، ربما يجدر الحديث عن المشترك بين "البقعة" و"مخيمات" لبنان، وخصوصاً مخيمات الشمال اللبناني. هذا طبعاً من دون الجزم أنّ أحداً من المخيم له علاقة بما حصل، ولكن ربما يُستهدف الإيحاء بذلك، على الأقل.
أول المشتركات، أنّ بعض الفصائل الفلسطينية المرتبطة بشكل وثيق بالنظام السوري كانت ناشطة في مخيم البقعة بشدة. ومثلا، لا يجب نسيان أنّ شاكر العبسي، الذي كان قائد ومؤسس تنظيم "فتح الإسلام"، تلقى دعماً أساسياً من رموز في تنظيم "فتح-الانتفاضة" الذي انشق برعاية سورية عن "فتح" مطلع الثمانينيات، وتحديداً من الشخص الثاني في التنظيم "أبو خالد العملة". وبالتالي، المخيم غير محصن تماماً من ظاهرة انقلاب تطرف يساري سابق إلى تطرف إسلاموي راهن. أو بكلمات أدق ليس محصنا من حالة التحول السياسي التي ضربت المنطقة، وجعلت بعثيي صدام حسين، ويساريين مقربين من النظام السوري، ينقلبون إلى "سلفيين"، في العراق وسورية. وتنشأ في المخيم حالة سلفية.
ثاني المشتركات، بطبيعة الحال، هو موضوع الفراغ السياسي الذي تعيشه المخيمات، في كل مكان، خصوصاً بسبب تراجع الفصائل الفلسطينية الأساسية الوطنية، التي كانت تنشط في المخيمات، والانفضاض الشعبي عنها لضعفها وترهلها، ما أوجد فراغا قد تستغله الأصولية والسلفية.
أما المختلف بين الأردن ولبنان، ففي الدرجة الأولى الانضباط الأمني والوحدة الوطنية. ويشكل استهداف البقعة، أو استهداف الأردن من البقعة، بقصد ووعي أو من دون قصد مخطط بأهداف واضحة، سبيلا لتقويض الأمرين؛ فالسلفيات الجهادية لا تنجح ولا توجد بشكل مستمر واسع إلا حيث توجد فوضى أمنية، ودول فاشلة لا تسيطر على أرضها، وحيث توجد شرائح غاضبة على أسس هوياتية (إثنية أو عرقية أو قومية) تتحرك ضد الدول المركزية. وضرب الجهاز الأمني قرب المخيم، ربما يهدف لخلط كل هذه الأوراق.
في الأردن معارضة سياسية، وحالات احتجاجية، ومطلبية، كلها تكاد تكون ضمن شرائح اجتماعية غير منظمة حقا. لكن بشكل عام لا يوجد نفس انشقاقي في الأردن، وهناك شبه إجماع على احترام الدولة، وتقدير الأمن وأجهزته، حتى وإن كان هناك تذمر سياسي أو اقتصادي، هنا أو هناك، لسبب أو آخر.
إحدى أهم نتائج إرهاب أمس، ستكون، ويجب أن تكون، ترسيخ الوحدة الوطنية السالفة، والحرص على الأمن، ثم معالجة المنابع الاقتصادية والفكرية والاجتماعية التي قد توجد ثغرات تستغلها تلك الجماعات الإرهابية. وبدلا من خلط أوراق الأردن الداخلية، فإن النموذج الأردني للتصدي للإرهاب السلفي الجهادي، يجب أن يأخذ عدا شكل المواجهة الأمنية، المواجهة الفكرية القوية والشاملة، ووضع العالم أمام مهماته أيضاً في حلحلة الوضع الفلسطيني، وفي توضيح أن نتائج الصراعات المحيطة بالأردن ليست فقط اللاجئين واللجوء، بل أيضاً آثارا تستدعي معالجات اجتماعية واقتصادية وسياسية تحتاج لكثير من الدعم.