إضاءة على المجموعة الشعرية "موطئي" .. للشاعر الفلسطيني هشام عبدالعال
بقلم : صابرين فرعون
هشام عبدالعال شاعر وفنان تشكيلي فلسطيني ، عاش في عدة بلدان عربية مثل ليبيا والسعودية وحالياً مستقر في وطنه فلسطين في غزة هاشم ، ومن هنا جاء عنوان مجموعته الشعرية "موطئي" التي تحدث فيها عن تجربته وحياته الشخصية في قالب شعري رمزي ..
قُسمت مجموعته الشعرية إلى سبعة فصول في مئتيّ صفحة من الحجم المتوسط ما بين قصائد مطولة وشذرات ..
هيمنت التوصيفات الشعرية والأساليب الفنية فأظهرت جوهر المفردة الواحدة المشحونة بالعاطفة وحس عالٍ بالكلمة .. اعتمدت تشبيهاته واستعاراته على أسلوب التشخيص بشكل رئيس كما في قصيدة "مطلوب" : أتوكأ على أنفاسي خشية السقوط أسماءٌ تطير وتطير وتطير ..
صوره الأدبية الفنية مكثفة وعميقة تستثير ذهن القارئ وتشده ليتأمل في المعاني التي ينشدها في توصيفاته غير المباشرة .. يزاوج كيمياء اللغة في التشكيل التعبيري حيث يدمج العلوم والإنسانيات كما في قصيدة "طيف الحياة" ويمازج الألوان كما في قصيدة "صباح الخير" مستحضراً مشاهد حية ذات سياق لفظي ولغوي وذهني للصور الأدبية ..
يوظف الذاكرة والخيال الأدبي في جعل مدخلاته الذهنية" المشهد في ذاكرته" ملموساً ومحسوساً كمخرج وهو مغمس بالحبر على الورق ..
في قصيدته المطولة " في أسبوع" كان الأسبوع تجربة عمر من الحياة والشقاء والألم والأمل بسبب انهيار الثقة في المجتمع ذات الكينونة المقولبة في إناء الخضوع والخنوع ، مقاطع شعرية منقوشة وكأن كل يوم هو لوحة فنية لها موضوعها المتفرد ونسيج لغوي مكتمل النسق والسياق إن تأملنا المقطع كوحدة ، وإن تم دمج المقاطع وبالتتابع والترتيب سنجد سردية للحرب والاغتراب تشكلت من خلال عناصر سمعية وبصرية وذوقية وحسية وملموسة برزت في مفردات مثل : السكون ، الضباب ، الندى ، الشتاء والموت ..
التشبيهات والاستعارات مستمدة من الطبيعة مما يجعل من جوهرها الرومانسي الوطني والمتصوف أيضاً تجسيداً للوحدة العضوية التي أخذت بصمة الشاعر في السرد الممزوج بالخيال بعيداً عن المحاكاة التقليدية من وصف وسرد..
الرمز والمعنى عند عبدالعال ذوات دلالات واضحة لا تحوي مواربة ، لا غموض أو التباس فيها .. كذلك سمة الذاتية تغلب على نصوص المجموعة الشعرية "موطئي" وتظهر في ياء الضمير المتصل وألف المضارعة المستخدمة للتعبير عن المتكلم كما في قصيدة "حقيقة لا لحن" :أنفاسي ، أوصالي ، تأخذني مني إليّ ، أنتفض".. نوع في أساليبه والمحسنات البديعية ، فاستخدم الجناس كما في قصيدة "محيط" : أفقي على الأفق .. كذلك استخدم أسلوب القسم في قصيدة "الأسير" : لأسجننّ الشمس بين دفتي دفتر تالله لن أعتقه ولأهتكنّ.. ولأسلبنّ"
سردية "الحانة" التي جاءت على شكل مقاطع تتكون من عشر كؤوس ترك في عناوينها مفتاحاً لغوياً لرمزية المضمون ، بعضها من الميثولوجيا الإغريقية "زيوس ، سيزيف ، ميدوسا ، طروادة " تعكس ثقافة الشاعر في صياغة اللغة وتطويع الأبجدية باحترافية وفنية . هناك صوت الطبقة الكادحة للوطن في السردية : العامل ، الصياد ، الفلاح ، البنّاء .. صوت التمرد على واقع الألم للنسيان .. في الكأس السابعة يعود من العام للخاص يشير لعمره وصنوف العذاب الروحي والنفسي الذي تمر به الذات في انسلاخها عن الوجع : لي بضعٌ وثلاثون هبةً خلال قرنٍ جمعتها ، وشكلتها ومنحتها... ما يلفت بالمقطع أن الكلمة المفتاحية "ميدوسا" بمعنى أن الانطباع الأولي للقارئ أنه سيجد خيانة من إحداهن داخل السطور ولكن سرعان ما تتضح معالم اللغة في الخطاب الشعري بصيغة المذكر داخل القصيدة والذي يشير للتلون والتشكل في فعل الشر الذي يفكك وحدة الوطن ويعزز الفرقة .. استعان الكاتب بالاقتباسات القرآنية كما في "تُصعر خدك" .. أما في الكأس الثامنة فقد كان للمقطع الشعري مقاطع داخلية حوارية تظهر ترابط الوعي واللاوعي ويستعين بالمورفيمات الصوتية في "مُ خ ت ن ق" لإبراز الحالة النفسية للمتحدث ، كذلك كانت الكلمة المفتاحية تشير لعنوان كتاب منها استوحى النظرة التفاؤلية لنهاية الألم كتاب "السر" لروندا بايرن .. في الكأس العاشرة منح الدواء لمعذبه برحيل صارم ..
في السردية يضع عبدالعال القارئ أمام البحث عن وجوده ودوره ، يترك له تأويل التجربة وعيشها من خلال حقيقة الكلمة والعاطفة ..
أما في الشذرات تنوعت مواضيعه واختزلت معانٍ عميقة ...
أدباء فلسطين مسؤولون اليوم عن تأريخ وتوثيق الوطن الحبيب وترك إرث الكلمة الحقيقة لأجيال قادمة ، وهذا ما قدمه هشام عبدالعال الشاعر الفلسطيني الذي استحق لقب شاعر من خلال جزالة لفظه وقوة متنه وعمق عاطفته في إصدار أول ...