بقلم : صابرين فرعون
تؤرخ رواية مملكة الزيوان للإنسان الجزائري وعراقة المكان ، فيزاوج الروائي الصديق حاج أحمد عنصر التخييل بالواقع ذي الجذور الصحراوية ، مشكلاً الهرم البنائي الذي يقوم عليه السرد الحكائي بمتنه التوثيقي والاستقصائي معاً مكثفاً الدلالات المجازية للغة ..
يقوم السرد في الرواية على نظام المزاوجة ، فمثلاً : يستهل الراوي "بداية مستلفة من النهاية" من خلال تقنية الاسترجاع الفني ، والقصد تقديم موضوع ورسالة العمل الأدبي الذي يؤسس لأجيال قادمة من عمق الصحراء تقع على عاتقهم مسؤولية صنع المستقبل من خلال العهد "هذا عهدنا وميثاقنا إليكم أيها الجيل الجديد .. إن أرض الزيوان ، هي قلادة ثقيلة في أعناقكم لها من الحمولة التاريخية والزخم الثقافي - المادي والشفوي- ما يجعلكم تفتخرون بـ ..."
ثم يعتمد تقنية الإستباق ، حيث يتحدث عن المراحل العمرية التي يمر بها الإنسان البطل ، فتبدأ منذ كان جنيناً في بطن أمه يتقلب ، وكيف يُحتفى به بعد ولادته ويتم تفضيله وهو الذكر الأول في الأسرة ، مسلطاً الضوء على عادات وتقاليد ومعتقدات المجتمع التواتي والتركيب الإجتماعي ، فالمرأة تُعد طوبة لا ترث وبالتالي مصيرها للعنوسة حتى لو كانت فاتنة الجمال وبذلك يكون الذكر "المحظي" بالإرث له السيطرة على البيت خاصة إن كان من أهل القصور، كذلك يتحدث عن التطور الحاصل في تمليك الأراضي والسباخ بعد الثورة الزراعية في منتصف السبعينات ، ثم يتحدث عن تعليمه في الابتدائي والجامعي ويؤكد على شغفه بدراسة التاريخ ، ثم انتقاله للعاصمة حيث يتعلق بابنة عمه أميزار ، واللجوء للشعوذة برغم أنه متعلم ومثقف وذلك أن أقفال القلب موصدة بلعنات الإنغلاق ، تتوقف المراحل العمرية عند ابنه البكر وفي ذلك إشارة لجيلين الأول بكل ما مر به وقسوة وثقل الحياة ويأتي الجيل الثاني واعياً لهذه الحيثيات مستطرداً في نهوض الفكر وتبني التمسك بالفضائل والترفع عن التقاليد البالية التي تودي بالمجتمع لدائرة مفرغة من حلقاتها بلا بدايةٍ أو نهاية يتحجر فيها الإنسان ويتسيد على الأنثى والتمرد على الصراع الغرائزي ، الطرف الآخر من معادلة العيش والتي تمثل التزاوج واستنطاق المشاعر والحواس . هناك علاقة وثيقة بين الإنسان وطبيعة المكان الذي يعيش فيه ، فالإنسان الصحراوي ثابت الرأي متعصب للقبيلة ، يتعامل بذكورية والسبب يعود للقسوة البيئية المؤثرة في الصفات الجسمانية ، ونظرته للمرأة تُعد هماً إضافياً يثقله ، ولكن في نهايات الثمانينات حل الوعي مكان التعصب القبلي فتمدن الإنسان حتى بات الرجل ليناً يحاول تعويض امرأته عن النقص الذي سببه المجتمع في الماضي من تهميشها وسلبها حقوقها في الميراث والزواج والحب أيضاً ...
لم تأتِ أسماء الشخصيات والأماكن أو حتى العنوان لهذا العمل جزافاً ، حيث اهتم الزيواني بربط الأسماء بالمكان ، كشخصيات "الداعلي ، مريمو ، نفوسة ، الغيواني ، مروشة..." ، المدن والقصور "تمنطيط ، تليلان ، ملوكة ، أنزجمير ، أقبلي ، المطارفة" و"الزيوان" اسم الفضاء المكاني الرحب الذي اختاره عنواناً بمعنى العرجون ، كلها أسماء توطد علاقة الإنسان بموطنه وبالتالي إبراز حياة المجتمع الجزائري والفروقات والتطورات الحاصلة بين القدم واليوم ..
تميزت اللغة بكل ما تحتويه من الغناء الشعبي والتهليلات والعبارات المحكية في الحياة اليومية والأكل والشرب والتراث بأنها تُعرِّف بالإنسان الجزائري وتُعتبر امتداد لجمال وعزيمة أهل المنطقة في التحضر ووصل التاريخ ببعضه ..
يظهر العنصر التخيلي في الوصف المكاني ومخاطبته ، كما حين وصف الراوي حفرة الرابطة التي تخرج لها الأرملة لفك عُدتها ، بما فيه من رهبة التعاويذ والثياب البالية وفي ذلك الحفاظ على عنصر التشويق الذي يُعد حلقة الوصل بين القارئ والأديب ..
تحدث الصديق حاج أحمد بلسان الأنا مما أضفى على العمل شكلاً للسيرة الذاتية بما فيها من وصف لأدق التفاصيل في الحياة في القصر الطيني وخارجه ...
الصديق حاج أحمد الزيواني أديب وأكاديمي جزائري ، حاصل على درجة الدكتوراة في اللسانيات وفقه اللغة من جامعة الجزائر المركزية ، وهو أستاذ لسانيات النص في جامعة إدرار ، شارك في ملتقيات وطنية ودولية ونشر مقالات لمجلات أكاديمية في المغرب والأردن ومصر وأندونيسيا .
صدر له "التاريخ الثقافي لإقليم توات" ، "من أعلام التراث الكنتي" ، "الدرس اللغوي بتوات" ، وأخيراً رواية "مملكة الزيوان" الصادرة حديثاً عن دار فضاءات للنشر والتوزيع الأردن ..