رواية "أرض الغياب" والنقد الغائب في كتاب "الشعلة والمرآة" ..

رواية أرض الغياب والنقد الغائب في كتاب الشعلة والمرآة ..
أخبار البلد -   اخبار البلد
 

تقديم : صابرين فرعون 

أرض الغياب هي الرواية الأولى لعزيزة الطائي التي تتلمس طريقها بجد في عالم السرد ولست هنا بصدد المدح أو الذم فأي رؤية نقدية أرى أنها قادرة على قراءة ما يمكن أن يلفت نظر الكاتب إلى مساحات إيجابية أكثر في الكتابة ولست هنا بمعرض الرد ، لكن القراءة النقدية التي لا تملك إلا رؤيةً أحادية تستفزك وتضطر أن تتوقف أمامها وإن كنت تدرك أن كاتبها ربما قصد هذا الأمر بذاته حين اختار أن يغادر الموضوعية في قراءته ، خاصة بعدما اطلعت على عدة قراءات له في روايات أخرى لا تبتعد عن هذا الأسلوب السلبي في التناول .

  في كتاب "الشُعلة والمرآة" وهو عبارة عن قراءات نقدية من إصدارات الجمعية العُمانية للكتّاب والأدباء لعام 2013م ، تقديم د. صلاح الدين بوجاه ود. محمد زروق في باب "الرواية وانفتاح السرد" عنوان يشدني للنقاش وهو "تعطل السرد في رواية أرض الغياب"، لم أكن لأتوقف كثيراً لو كان الأمر يتحدث عن بنية السرد وسيرورتها واقتراحه للبنى التي يرى أنها تشكل أنموذجاً سردياً قد يتبع لكي لا يتعطل السرد .

 حيث أني قرأت الرواية وكان لي إضاءة عليها قبل عام على موقع المياسة الثقافية ، وفي المقابل لي وجهة نظر في هذا العمل الأدبي الذي يُضيف للمكتبة الأدبية العُمانية إنجازاً من خلال الرسالة والموضوع ، وأُورد تحليلي مبنياً على ما كتبته في الإضاءة على الرواية : 

تُدرج رواية "أرض الغياب" في إطار المذكرات حيث تصف الأحداث وقد عايشت الطائي بعض تفاصيلها ، فجاءت الرواية ما بين موضوعية التاريخ وذاتية السيرة .. تصور الطائي الموروث الثقافي الإنساني لسلطنة عُمان .. ليس للرواية بطل بعينه وإنما أبطالها المجتمع العُماني الذي يُعنى بالموروث الذي تتناقله الأجيال : الحياة البسيطة التي يعيشها الفرد ويُتوجها بالزواج والتناسل ، تعالج قضايا ثانوية داخل الفكرة الرئيسية للثورة والشرف ولقمة العيش والعدالة والحرية ، كترابط أفراد الأسرة والحب الذي يوائم أرواحهم المؤهلة للحب ، النفاذ لداخل الفرد والتعبير عن فكره ومشاعره ليس بالسهل ولكن نسيجها للحرف والوحدة الموضوعية للرواية يجعل من الحزن واللوعة والمكابدة التي مرت بها شخوص الرواية صفحات مطوية تحفظها ذاكرتها ، كتلة من الانسجام العقلي والجسدي والروحي ، فالفرد واحد من مجموع ..

يقول عادل صادق ":كلما صعدت الروح في دروب السمو والرفعة نحو سماء الفضيلة والجمال ، فإنه لابد أن تكابد ألماً إذ أن الألم وثيق الصلة بالسموّ" في المعاناة التي رسمها القدر لماجد وناصر وثريا ونورا وأولادهم "شخوص الرواية" كان الصبر يلوي عنق الوقت لأن القادم أجمل... في خضم السؤال : "لماذا الماضي يأسرنا هكذا , ويأبى أن يعتقنا ؟ لماذا يحاصرنا ، فيرحل ويعود من جديد ؟" كيف للنفس أن ترتضي السجن والقلب يتوق للعتق من كل مصيدة الوقت؟ نلتهم الحنين بعقولنا التي يحاولون إخماد نيرانها بإسكات صوتها ، ويرد القلب الصفعة صفعات .. كما كل مغتربٍ عن أرض الوطن يعود محملاً بفيض الانتماء أكثر ، هكذا تعود الكاتبة لوطنها ، فقد عاشت خارج الوطن وعادت بعد انتهائها من درجة البكالوريوس في الجامعة الأردنية لتخط روحها في ترحالها وعودتها ..

 "قادي" رمز دلالي لعُمان موطنها .. ها هي تُعيد تشكيل المكان وفق ثقافتها معلنةً أن المكان عنصر ثابت في سردها وأن الزمن هو العنصر المتغير ، ذلك أن الفضاء المكاني ندركه بالحواس والذاكرة برغم المسافة الزمنية التي تفصل بين التفاصيل المبعثرة للذاكرة منذ الطفولة وحتى العودة للمكان .. من العسير جداً فصل المكان عن السرد العام كونه عنصر رئيسي محرك للرواية ، فهو يحمل فكرة الكاتبة عن "أرض الغياب" التي ترقب راية الشموخ لأجيال قادمة ، ويلعب دوراً مهماً في الترابط بين الأحداث ويمنح الشخوص أشكال الحياة .. كما أن التخيل البلاغي يحرر الكاتبة من الاستلاب الحضاري ، ويلملم شتات الماضي ويحتفي بالقادم.. 

 1- في رؤيتها السردية ، تعتمد الروائية د.عزيزة الطائي على مفهوم تودوروف الذي يوضح مفهوم الرؤية السردية بأنها "الكيفية التي يتم بها إدراك القصة من طرف السارد .. وتجريدها من محتواها الدلالي ليجعل وظيفتها النحوية بمثابة الفاعل في العبارة السردية "* وعليه فإن الكاتبة لم تغب أو تنفصل روحها عن الكتابة وإنما وضعت فيها كينونة شعورها وموقفها من الماضي من خلال الجيل الأول ، راسمةً للمستقبل صورةً أفضل من خلال الجيلين الثاني والثالث ، التي هي رموز وإيحاءات دلالية ، وقد نجحت في بث كينونتها في شخوصها من خلال الحوار والمونولوج الداخلي الذي يوضح النظرة المستقبلية لعُمان في تطلعات الكاتبة نفسها ، و يطغى اللفظ الشاعري على اللغة بما تحمله من إرهاصات مردُّه الشعور بالفقد واليتم ، جامعةً الوعي التأملي والحدسي باعتمادها على الذاكرة والتمثلات الذهنية والعاطفة بشكلٍ عفوي وباطني مستعينة بالاستعارات اللغوية والرمز وموظفة عناصر الطبيعة من صوت وصورة ، كما الوصف التالي في رواية أرض الغياب ص 298 : " أرى الكلب الهائل ينشطر في ذهني ، وأشعر بالذئب المتعجرف يمكر بي ، وأنظر للحرباء تتلون أمامي ، وأنصت لمواء القط حين يفترسني ، وأسمع فحيح الأفعى حين تنسلخ ، فتحاصرني جميعها .. وهكذا .. مشهد إلى ما لا نهاية من الانشطارات المتوالية ، والمكائد المتكررة والمتنوعة" ، مما يدحض ما وُرد في كتاب "الشعلة والمرآة" عن رواية "أرض الغياب" ص69 أن الرواية "تؤسس لعسر القراءة" ،"عسر القراءة لا يُرد إلى بعد فلسفي أو تجريبي في السرد ، وإنما مرده غياب الروح عن الكتابة التي وإن تمت مكوناتها وحيلها وخططها إلا أنها بقيت جسداً باهتاً بارداً عديم الحياة "

 . فيما يخص الشاعرية وليس السمنة الشعرية ص 70 ، "الشعرية اصطلاحاً :مفهوم الشعرية نابع من الشعر، وكامن فيه عبر التاريخ ، حيث تعود أصول تواجد هذا المفهوم إلى كتاب الشعر لأرسطو، الذي اعتمد نظرية المحاكاة كأساس نظري لشعريته ، التي يمكن أن نطلق عليها (شعرية المحاكاة) التي قعد لها أرسطو، يبتغي منها أن تكون مدعاة (للتطهير)،وأنموذجا للمجتمع المثالي الذي تتطلع 

إليه الحضارة اليونانية، ثم تغير مفهوم الشعر ومن خلاله مفهوم الشعرية ، وفق التطورات التي ظل يشهدها التاريخ ، ومدى تأثير تلك التداعيات ،التي أخرجت إلى الوجود مدارس واتجاهات مذهبية أدبية ، على غرار الكلاسيكية ، ثم الرومانسية فالواقعية والتعبيرية ثم الرمزية، فالسريالية والواقعية الروسية ثم اتجاه الشعر الخالص ، و غير ذلك. وإن أتينا إلى ما يميز الشعر لوجدناه يعتمد مبدأ التخييل ،الذي يعد جوهره الأساس بحيث يزوده بصفة الحسية ، والشعور بالمدركات التي أعيد تشكيلها * ، عن طريق المحاكاة ، التي تقتضي فراسة الشاعر ، وحذقه ومهارته أو ما يسمى (الشاعرية) ، فالشاعرية هي التي تصنع (شعرية النص أو الخطاب الأدبي)* اعتمدت الروائية البؤرة التخيلية لرسم المشهد الوصفي مما أغنى مضمون النص ، ومثال ذلك من الرواية ص 44 : "كنت دائماً أستقبل خيوط الشمس بأمل منشرح ، وبعدها صرتُ أرتجي وأطرق التفكير ، علها تمدني ببصيص نور من التعتيم الذي خيّم منزلي ، والغموض الذي سيطر على سكنات زوجي ، حتى فقدت القدرة على فهم ماجد ، وتفسير ما يدور بخلده .*"

هذه الرواية لا تحتمل الموضوعية بحد ذاتها وإنما جاءت مزيجاً من الانطباعية والعقلانية كونها تجمع بين العاطفة والفكر وتُغيّب الصراع المغلق وتتركه مفتوحاً لأنه يمثل الواقع بكل تجلياته من خلال ارتكازها على المشهد الوصفي وتعبيرها عن شعور شخوصها "الذي يعكس شعور الكاتبة" إزاء الموقف وبوتيرة لا تقل عن فعل الشاشة ثلاثية الأبعاد بما فيها من عناصر الطبيعة .. الموضوع طبيعة العمل الأدبي ولكن طريقة الانفعال بها تحدده* وتؤكد ذلك من خلال المونولوج الداخلي واعتماد أسلوب الحوار كما ص 26 على لسان ثريا" : أحببته وأنتشي حين أذكره ، فتتعطر حنايا أوصالي بزكاء بخور "قادي" ، وتُزهر رياحين أوردتي بشذى عطره ... بت أتوجس عليه من محبوبته قادي .. تمنى لو انصهر في أحشائها ، وذوى كما تذوي الشمعة حين تحترق ، لتنير من حولها بشعاع نورها ، ودفء ضيائها .  أراد أن يسقي ترابها بنبض روحه ودم قلبه ، وحين كان ينجرح جزء من أطرافه صدفة ،فيسيل دمه يسرع لإراقته أو غمسه في تراب "قادي ... "أنتِ حبكِ شيءٌ آخر ، ولولا أني أشتم فيك رائحة "قادي" لما أحببتك ..." يأتي التوصيف الشاعري مكثفاً في العبارة السردية الواحدة ، مختزلاً كماً لا يحصى من الاعتزاز بالتراب والانتماء ، وينعكس ذلك على الوحدة الموضوعية للنص ويكسبه تماسكاً وانسياباً ... هذا يدحض ما جاء في كتاب "الشعلة والمرآة" ص70 : "فتعاد الأحداث وتتكرر المعاني ، ولا جِدة في السرد تحث القارئ على التعلق بالشخصيات أو بما ترويه . والأشد من ذلك أن الذات الراوية تحافظ على النمط ذاته في "التدخل السافر" لإظهار الذات وبيان أحوالها في مقاطع بالسرد وسمناها بالشعرية والانتفاخ الخطابي ."

2- بالنسبة لانتفاخ ذات الراوية ، حيث أن هناك جزئية مغلوطة تم ذكرها في كتاب "الشعلة والمرآة ص70-71 : "عملت الراوية على تأثيث هذه الحكاية باختيار – أسماء قديمة لأماكن واقعة أساساً في بلاد الخليج العربي ، واختيار شخصيات أصول تؤدي هذه الأحداث وأخرى توابع تدور في فلكها وتتم مهامها " ، ردي أن المعلومة مغلوطة فهي لم تخاطب دول الخليج وإنما حددت مساحة مكانية خاصة تتمثل بسلطنة عُمان وهي موضوع ورسالة الرواية ، وكل الأسماء جاءت بالمسميات القديمة في الماضي لها معاني دلالية ورمزية تؤكد على أصالة المكان وتشير له ، فمثلاً : قادي هو الاسم القديم لعُمان ، وقد أطلقه الكلدانيون "قاديا أو أكاديا" وتعني القدرة على السيطرة وتوجيه المناطق التي تجاورها ، العامرة هي مسقط ، الفيحاء مدينة سمائل ، توام هي واحة البريمي والعين ، السهل "ولاية الباطنة" ، الجبل الظافر "صلالة" ، العفية "الساحل الشرقي" ، الجزيرة السمراء "زنجبار" ..

ربطت الراوية بعض أسماء الشخوص بالأرض ووضحت نقائض التكوين الفكري والشعوري كمواطن الضعف والقوة وطموحاتهم ومخاوفهم ، فمثلاً : ماجد الفيحائي هو لقب لسمائل الفيحاء ، وناصر السهلي نسبة لسهل الباطنة .. تراهن د. عزيزة الطائي على الوقت من خلال شخوصها في حيثيات وتفاصيل وصفية تؤكد على أن نهضة الفكر تتوارثها أجيال تحمل نفس الجين ، وتؤكد على ذلك ص 187 : "أكلنا الوقت ، وجلنا في ذكرياتنا ، ولم نغفل شقاوة خالد وحبور عمر ، نربطهما تارةً بجديهما ، وتارةً بعميهما وتارة بخالهما ، وأخرى بصغار الأسرتين ..." أما عن دلالة الشخوص فالجيل القديم يمثل المعاناة والجيل الثاني يحاكي الصراع النفسي بين ماضٍ مؤلم وطموح بالتغيير والجيل الثالث هو بداية القادم بما يحمله من إنهاء للصراعات .. ماجد وثريا وناصر ونورة كلا الزوجين يمثلان الجيل الأول وهم ذات شخصية ثابتة لا تغيير يطرأ عليها ، تتطور حبكة الرواية وتصل الذروة في عهد الجيل الثاني "بثينة وهيثم" اللذين يمثلان عُمان في الوقت الحاضر وإعادة بناء وتشكيل المجتمع العًماني ، والجيل الثالث يتمثل بأطفالهم "خالد وعمر ورؤى ونور" .

هذا تعقيبي على ما وُرد في كتاب "الشعلة والمرآة" بخصوص الشخصيات واللغة الشعرية في رواية أرض الغياب ، ص 72 : "قراءتنا للعمل تجعلنا نتعدى هذا الفصل الطبقي للرواية ، إلى توحيد هذه المستويات في رؤية واحدة ورواية واحدة ، تعود إلى الذات الكاتبة ، التي لم تفصل صوتها عن أصوات كائناتها ، ولم تعطهم مجال التفرد والاختلاف ، وإنما كانت مهيمنة على كامل مراحل الخطاب ، مؤسسة لوتيرة في الخطاب واحدة ، ولزاوية نظر تعود إليها وإن أسندتها شكلاً إلى غيرها ." تمنح الراوية مصداقية للحكاية من خلال إحكامها وإلمامها بالموروث الثقافي وعادات وتقاليد وطعام أهل عُمان موثقة علاقة التواصل السردي مع القارئ ، داعمة هذا المضمون من خلال التوثيق في الحاشية بما يُعصى على القارئ غير الملم بثقافة أهل المكان الذي ارتأته للرواية ..

المراجع :
*تزفتان تودوروف، "مقولات السرد الأدبي"، ت/ الحسين سحبان وفؤاد صفا، طرائق تحليل السرد الأدبي، منشورات إتحاد كتاب المغرب، الرباط، ط1 ،1992، ص 61 .
*إحسان عباس، فن الشعر، (دن)، بيروت 1959 ،ص210. *شكري عزيز الماضي، في نظرية الأدب ،دار الحداثة بيروت ،1986،ط1 ص33.
*سيد قطب ، النقد الأدبي – أصوله ومناهجه ، ط 6 ، ص12.

شريط الأخبار العثور على جثة شخص مفقود بمنطقة اللجون في الكرك كييف تنقل معركة المسيرات إلى البحر المتوسط وتستهدف ناقلة للنفط الروسي أعمال تعبيد في عمان بمساحة 500 ألف متر مربع وبكلفة 3 ملايين دينار إعلان أمريكي مرتقب بشأن "الإخوان المسلمين" الأرصاد: طقس بارد نسبيا وتحذيرات من الضباب والصقيع خلال الأيام المقبلة الأردن يرحب بتعيين برهم صالح مفوضا ساميا للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين تأخير بدء امتحانات الطلبة في لواء البترا السبت الشرق الأوسط للتأمين راعٍ ذهبي للمعرض والمؤتمر الأردني الدولي للشحن والتخليص والخدمات اللوجستية وتشارك بخبرتها الريادية في التأمين البحري الملك للنشامى.. " حظ الأردن بكم كبير يا نشامى، وكلنا فخورون بكم وبما حققتم" لجنة التأمين البحري في الاتحاد الأردني لشركات التامين تشارك في مؤتمر ومعرض JIFEX 2025 في العقبة ولي العهد يبارك للمغرب بطولة كأس العرب ويشكر قطر على حسن التنظيم النشامى يصلون إلى أرض الوطن بعد تحقيقهم الوصافة في بطولة كأس العرب مذكرة احتجاج بشأن الأداء التحكيمي في مباراة الأردن والمغرب من هو رئيس محكمة استئناف عمان الجديد الأردن يرحب بقرار إلغاء العقوبات المفروضة على سوريا بموجب قانون قيصر وفيات الجمعة 19 - 12 - 2025 الاتحاد الأردني لكرة القدم يعلن موعد عودة النشامى إلى عمان الذهب يسجّل أعلى مستوى له في التاريخ الأمن العام: خذوا تحذيراتنا على محمل الجد... الشموسة أداة قتل أجواء باردة في أغلب المناطق.. وتحذيرات من تدني مدى الرؤية الأفقية