على اطراف المدينة العتيقة، مرورا من شارع الاعمدة، يقع المسرح الشمالي، الذي يحمل ذاكرة الشعر، عندما تم انشاؤه في قديم الزمان لهذه الغاية، بتصميم هندسي فيه الكثير من الحميمية، الى جانب تقنية الصوت، بحيث يصل الصوت في توزيع متواز مع مختلف جوانبه، وياتي مهرجان جرش للثقافة والفنون ليجدد ذاكرة هذا المسرح بالابداعات الانسانية، ليكون فضاء ابداعيا انسانيا، احتضن شواهد ثقافات مختلفة من مختلف الحضارات، من امريكا اللاتينية الى افريقيا، ومن اوروبا الى اسيا، في اعمال ابداعية ماكان متاحا للمواطن الاردني، ان يراها لولا ادراجها في برنامج المهرجان واطلاقها عبر المسرح الشمالي.
هذا العام البرنامج يتميز بالتنوع والثراء الفني والمعرفي، تتناوب عليه العديد من الفرق العالمية والعربية والمحلية،الى جانب المطربين، وتصميم البرنامج ياتي انسجاما مع شعار المعرفة حق للجميع، في تنافس بين انواع الفنون، وحوارية الموسيقى والايقاعات، بين الموسيقى الشرقية، والخماسي الافريقي، والجاز، والبلوز، والفلامنكو، وتراث البلقان، واستحضار الشيخ امام- نجم، والدهيشة الفلسطينية، والفن الشركسي، والانشاد الديني.
وبالطبع ستكون هناك الفنانة والسياسية الموريتانية، المعلومة بنت الميداح، في اول حفل لها في منطقة الشرق العربي، حيث سيكون الجمهور على موعد مع التجديد في الموسيقى التقليدية، وابداع توظيف الالات الموسيقية الغربية لحساب الاغنية الموريتانية، فقد حافظت على المقام الموريتاني، لكنها نقلته بشكل معاصر الى العالم، ولعل تجربتها المدهشة في البوم"عدن" الذي انتجته في فرنسا، في بداية حياتها الفنية، يدل على وعي وجرأة هذه الفنانة، التي استحقت لقب" فنانة الشعب"، فهي ايضا نائب في البرلمان، واستطاعت بفنها ووعيها واقترابها من الشارع، ان تقف ضد القمع والاستبداد في بلدها، ذلك انها تؤمن بان الفن والغناء هو مساحة من الحرية للتعبير عن الناس والوطن.
على المسرح الشمالي ايضا سيكون هناك الفلكلور الفلسطيني، من خلال فرقة ابداع الفنية التي انطلقت من مخيم الدهيشة، وسط المعاناة مع الاحتلال، لتوظف التراث في نقل معاناة الانسان الفلسطيني تحت الاحتلال، وهناك من مصر فرقة "الاوله بلدي" التي تستحضر الشيخ امام، واشعار نجم، بكل ما يحمله هذا التراث من تمرد والتصاق بالناس والوطن.
فرقة الانشاد الديني التابعة لجمعية الثقافة العربية الاسلامية، ستكون حاضرة للمرة الثالثة، بما تقدمه من نوع راق من الانشاد الديني، والتنظيم المدهش، والفرقة لها جماهيريتها الكبيرة، كما سيكون التراث الشركسي حاضرا ايضا هذا العام من خلال نادي الجيل، والذي يقدم برنامجا من الفنون الشركسية التي تحكي عن الاجداد وايامهم، في لوحات تتسم بالرقة والجمال.
الاخوة جبران" تريو جبران" الذين يعرفهم جمهور جرش جيدا، قادمون هذا العام في امسية جديدة، حيث حواريات الة العود مع الايقاع، وسيكون الفنان جاسر يوسف، عازف الكمان الشهير، الذي برع بعزف المقطوعات الموسيقية العالمية، وله مشاركات في الكثير من المهرجانات، حيث يمزج بين الوان مختلفة من الموسيقى مع حضور كبير لموسيقى الجاز.
من الهند ستكون الفنانة "كاثاك" حاضرة، التي ستقدم الوانا من الفن الهندي، اما من البلقان، ستكون فرقة"حيدوتي البلقان" بما تمثلة من قيمة فنية عالية، تجمع عدد من فنون شعوب المنطقة، ولكن بروح شرقية يبدعها عازفون يستحضرون موسيقاهم من مناطق متعددة في مقدونيا والمجر وتركيا وسورية ولبنان وارمينيا.
فن الفلامنكو حاضر من خلال فرقة محترفة من اسبانيا، وهي فرقة مجددة في هذا الفن الاصيل، الذي تشكل الموسيقى العربية جزء منه، وهناك فرقة صينية، وفرقة من تركيا، وبالطبع سيكون عدد من نجوم الاغنية الاردنية على المسرح الشمالي هذا العام.
ولقد راعت ادارة المهرجان ان تكون تذاكر الدخول باسعار رمزية، برغم ان هذه الفرق تعتبر تذاكرها غالية جدا في بلادها، ولكن من باب تشجيع المواطن وزوار جرش للتعرف على هذه الفنون الابداعية، التي تعكس روح وملامح وثقافة بلادها، وفي نفس الوت تتلاقى وتتقاطع مع الابداعات الانسانية الاخرى، وسيكون المسرح الشمالي هو الحاضنة لهذا التلاقي الذي تلتغي فيه الفوارق، ويكون الحكم فيه فقط للابداع والجمال.