بقلم : صابرين فرعون
شدني العنوان .. فضول العاشقة لجنائن اللغة واستكشافها والبحث في مكامن أسرارها.. ارتحلت بين ثنايا التصوير وميتافيزيقيا النص أبحث في رسائل الحرف ووجدتني على شاطئٍ تداعب أمواج أبجديته الإدراك الحسي والفكري مانحة للذات هويتها , حقيقة اللاحقيقة في فضاءات الأزمنة التي تخبئ مخاوفنا ..
يترك عماد الدين موسى أبواب حدائقه مشرعة ومرحبة بكل من يبحثون عن إجابات لشتات الروح الذي يعصف بمن نجا من مصير محتم : اليد التي تمتد لحصاد كل ما هو مزهر ومثمر ويانع ...
بالمجمل , التجربة الشعرية هي عبارة عن محاكاة تصويرية ببعد إنساني يفيض شاعرية , تسمو بالجرح وتجسد أماكن - في الغالب من الطبيعة الأم - تُبرئ العليل من سقمه , ولكن في هذه المجموعة الشاعر يوسع الإطار المكاني لدرجة أنه يمسح الحدود بين العوالم الحقيقية والمتخيلة في لاوعيه عن خارطة اللغة المفعمة لونياً وشكلياً ويترك لها رحابة التصوير والسرد كما في الأجناس الأدبية النثرية من رواية وقصة وبالتالي جعل الفكرة تنافس اللغة عمقاً وقوة لتتفوق على اللغة في بعض المقاطع الشعرية التي تُحدث خلافاً بين مؤيد ومخالف في صفوف اللغويين في استخدام الاسم الموصول "التي , الذي" كما في نصيّ "لا بد من مرآة" , و "كسماء أخيرة" ..
في المقابل , نوّع في أساليبه واعتمد الرمزية والتشخيص والاستعارة بشكل كبير في التصوير وهذا لافت وجذاب في نص "ريح مالحة" :
الرصاصة , التي , تدخل شهرها العاشر , الرصاصة الحبلى , بماء الحقد .. غمرت حياتنا...
راوح بين أسلوب النفي وأسلوب النهي وجمع التضاد والمواربة وأسلوب التشبيه والنداء والاستفهام والعنصر اللوني , كذلك كانت صياغته الشعرية تعتمد المقاطع في غالبية النصوص بحيث تنسجم كلها في السرد الانسيابي والمتسلسل لشعر النثر ..
تظهر ثقافته العالية وتأثره بالشاعر محمود درويش في نصوص "كمن يصطاد السماء" , "كيفما شاءت السنونوات" , "الغابة لا تحتمل الغابة" , والتأثر بأسلوب الروائية الجميلة أحلام موستغانمي وهي تبث حقيقة الأشياء في عبارتها " ليس هناك من حقيقة واحدة , الحقيقة ليست نقطة ثابتة , إنها تتغير فينا وتتغير معنا " بحيث جاءت نصوصه توضح جدلية : الذات تتبع الفكر والفكر ركيزة الماديات والحسيات, فالعلاقة في انبثاق ذواتنا للطبيعة ومنها للمجتمعات بأدواتها المادية ,التي تكرر دورة المدخلات والمخرجات العقلية والحسية من وإلى الفرد الواحد , تبادلية..
واحدٌ وعشرون نصاً نسيح فيها ليس لقراءة التاريخ أو الدين أو العروبة وإنما لنبحث عن ذواتنا وأحلامنا من خلال تأويل التجربة الأدبية للرمزية اللفظية .. كل نصوص المجموعة تشكل امتداداً لعقيدة التحرر من شروخ الفعلين "كان , ما زال" ومشتقاتها على أرض الواقع والتي كلها تغلف الطفل داخلنا وتمنعه من الخروج وإلا ستبتلعه عاصفة الدموية والألم ويحتضر بفعل استنشاق أنفاس "نحن نريد الحرية" ..
عماد الدين موسى شاعر وكاتب سوري , رئيس تحرير مجلة أبابيل , صدرت له مجموعتان شعريتان : "طائر القصيدة يرفرف في دمي" و "كسماء أخيرة" , وله تحت الطبع "حياتي زورقٌ مثقوب" ..
"كسماء أخيرة" مجموعة صادرة حديثاً عن دار فضاءات للنشر والتوزيع الأردن ..