هل ينسى المُشرع الذي يسنُ لنا القوانين المُنظمة لحياتنا ومماتنا، مثلنا نحن المواطنين العاديين المطحونين بمعاجن المسؤوليات والنفقات وارتفاع تكاليف الحياة والموت.
وهل يكون المُشرع مُشرعاً اذا غفل عن مواد في القانون يمكن لنسيانها أن ينسف القانون برمته وأن يدخل تشريعات منظمة للعلاقات في أزمة لا خروج منها.
هذا ما حصل بالفعل حين لجأ مواطن من لواء بني عبيد في إربد للسؤال حول قانون الانتخاب والمادة الخاصة باستقالة الموظف الحكومي من وظيفته، وحين تحدد آخر موعد لتقديم طلبات الترشح للانتخابات النيابية الفرعية في الدائرة الثانية، في 29 تشرين الأول (أكتوبر) الحالي بما يعني أن الموظف المذكور كان عليه أن يستقيل قبل شهرين من ذلك التاريخ، أي قبل وفاة عضو مجلس النواب المرحوم محمد فؤاد خصاونة.
كيف كان يمكنني أن أستقيل وأن أتكهن لما سيكون من قضاء الله وقدره تحسباً للانتخابات التكميلية.. يسأل المواطن المعني ومثله كثر بألم واستهجان، فيما الإجابة المتسمرة على الوجه ممزوجة بضحكة مجلجلة على نكتة الموسم التي وقع بها المشرعون.
الحادثة تقول بأكثر من ذلك، بل تشي بأن من يُخطط ويُشرع، والمأمول منه الحكمة وسعة الاطلاع والرؤية والمعرفة والدقة ودراسة كل الخيارات والبدائل، نسي أن حالة ما يمكن أن تضرب التشريع إذا سقطت من الذاكرة.
ذاكرة شخص في لجنة أم ذاكرة لجنة كاملة ومجلس بكامله ضاعت وقتها.
الحكاية تذكرنا بواحدة من اللجان الاقتصادية في واحد من المجالس في أحد العهود البرلمانية التي كان جل أعضائها من رجال الأعمال والمتنفذين اقتصاديا وماليا، فكانت التجاذبات نحو تشريع القوانين ضمن المواءمات المعتادة إحدى أهم سمات هذه اللجنة، ومن يدفع الثمن المواطن.
في لجنة أخرى كان تشريع قانون المالكين والمستأجرين يشهد حالة مد وجزر طوال سنوات.. ليخرج على أيدي مشرعين أبرزهم من كبار المالكين في عمان وأهم أحيائها التجارية، ولولا تدخل جلالة الملك لإنقاذ آلاف الأردنيين المهددين بطردهم آنذاك لكنا الآن بدون قانون حاكم.
تأخذنا الحادثة للجان الترخيص في أمانة عمان والبلديات والتي تأتي على قرارات تكاد أي منها تدخل في خانة (نكتة الموسم).. فترى أن فندقاً كبيرا يرخص له على أطراف أحد الدواوير الرئيسية في عمان حتى تكاد تدخل من الرصيف إلى غرفه، بدون المرور إلى باحات وقاعات استقبال وردهات مرور.
مستشفى عملاق آخر يُرخص لبنائه على إحدى أضيق زوايا المرور في عمان، فيصبح مدخل طوارئه نقطة حوادث دهس دائمة ومخارجه سبباً لأزمة مرورية يومية عارمة أمام العيون.
حديقة حيوان قطاع خاص، مكب نفايات يمنح للقطاع الخاص في أحياء سكنية مكتظة، ملاعب رياضية للتأجير وسط المساكن والعمارات، مراكز تجارية كبيرة بدون مواقف على أبواب البيوت.
ثم واحد من أكبر المولات في عمان بين منازل المواطنين وعشرات المقاهي و(الكوفي شوب) بين البيوت التي كلفت أصحابها (تحويشة العمر) وشقاءه، ليشاركوا مدخني الشيشة نفث النكهات الدخانية من على شرفات بيوتهم بأمر الأمانة.
أزمات مرورية عارمة في الأحياء السكنية بسبب المراكز المرخصة تجارياً بدون توفر المواقف، ليس مهماً توفر المواقف بما أن أصحاب المراكز دفعوا للأمانة.
مالك أحد المولات ينال حصرياً دون أي مواطن آخر في المملكة والعالم ربما، إشارة ضوئية حصرية (خص نص) حتى يسهل على مرتاديه الدخول إليه والشراء منه، أما الآخرون من المواطنين فعليهم أن يتفهموا.
بعض المواد الخاصة بتضليل السيارات وتعديلها يُسمح لها بالدخول رسمياً عبر المنافذ الجمركية، ويُمنع استخدامها للسيارات، أتصدقون؟
ألعاب نارية ومفرقعات ومواد خطرة كلها مسموح بإدخالها للسوق وممنوع بيعها.
قرارات وتشريعات وقوانين وترخيصات، كلها تدخل في ذات التصنيف.