لطالما كانت الحجاز مهوى فؤاد الشيخ المؤسس لجماعة الإخوان المسلمين حسن البنا ، ولطالما حلم بأن تكون أرض الحجاز ، حيث ملتقى الحجيج مكانا لانطلاق دعوته ، لكن أسبابا إدارية بحت حالت دون ذلك ، وذلك عندما تدخل الشيخ حافظ وهبه مستشار الملك عبد العزيز المؤسس ، لنقل حسن البنا مدرسا في الحجاز ، لكن الحكومة المصرية رفضت ذلك ، ونظرا للعلاقة المميزة بين الشيخ البنا وحكومة الحجاز ، فقد حافظ على حضور مواسم الحج ، للالتقاء مع الوفود الاسلامية المشاركة لنشر دعوته ، وأيضا لتدعيم علاقاته مع السعودية التي باتت الأكثر دعما وعونا للجماعة ، واستمرت هذه العلاقة بالتطور برغم اعتذار السعوديين لعدم موافقتهم على فتح فرع للجماعة في السعودية.
بعد حادثة المنشية التي اتهم فيها الاخوان بمحاولة اغتيال عبد الناصر، وحملة الاعدامات والاعتقالات التي رافقتها ، اصبحت السعودية المكان الآمن لقيادات وكوادر الإخوان ، لا بل فان السعودية منحت جنسيتها لقيادات إخوانية كالشيخ مناع القطان ومصطفى العالم ، ثم للقيادي البارز سعيد رمضان زوج ابنة حسن البنا ، وفي ستينيات القرن الماضي، وفي لحظة اشتداد الصراع السعودي مع مصر، بدأت محاولات السعوديين بتوظيف الجماعة ورقة ضغط على النظام المصري، لكن العلاقة السعودية المصرية تحسنت بعد وصول السادات الى الحكم ومشاركته للسعوديين في التصدي لمحاولات التغلغل السوفييتي في المنطقة ثم افراجه عن معتقلي الاخوان وعلى رأسهم حسن الهضيبي.
بداية الشرخ في العلاقة بين السعودية والاخوان كانت بعد نجاح الثورة الاسلامية في ايران ، وهرولة الجماعة الى طهران للتهنئة بالنصر وتوثيق العلاقات مع الثورة الجديدة ، وهذا ما اثار حفيظة السعوديين الذين رأوا في الثورة خطرا استراتيجيا على أمنهم ، وجاءت الحملة الدولية للتصدي للسوفييت في افغانستان ، لتعيد الاعتبار للتحالف السعودي الاخواني ، حين أطلقت السعودية ايدي الاخوان والجماعات الاسلامية الأخرى ، وقدمت لهم الدعم من اجل التحشيد والدعوة للجهاد في افغانستان ، جاء الاجتياح العراقي للكويت ليشكل ضربة موجعة للعلاقات السعودية الاخوانية بالرغم من رفض الجماعة لاجتياح الكويت، فهي رفضت الاستعانة بالاجنبي ، ونددت بالوجود العسكري الامريكي على ارض المملكة ، لا بل فان بعض فروع الجماعة وقفت مع العراق ، وقام بعض قياداتهم بزيارة بغداد دليلا على تاييدهم للعراق ، بعد احداث 11 سبتمبر عمدت حكومة الرياض الى تقليص علاقاتها مع الجماعات الاسلامية وعلى راسها الاخوان المسلمون ، وجاء دعم الاخوان المطلق للبرنامج النووي الايراني ، ووقوف الاخوان الى جانب المحور الايراني السوري ، بعد حرب تموز 2006 ، وتعاظم النفوذ الايراني في قطاع غزة على حساب النفوذين المصري والسعودي ، لتزداد الامور تعقيدا بين الجانبين .
في مرحلة ما قبل الربيع العربي ، لم يكن هناك أمل للجماعة بالوصول للسلطة ، وبالتالي كان بوسع السعوديين استخدامهم ورقة ضغط ضد خصومهم ، لكن بعد انطلاق شرارة الحراك الجماهيري ، تولى الاخوان (ولو متاخرين) القيادة بصفتهم الجماعة الأكثر تنظيما ، ووصلوا الى الحكم في اكثر من دولة وعلى رأسها مصر ، ولم يكن هذا ليحدث لولا مراجعات تمثلت في قبول الاخوان (ولو نظريا) بمبدأ قيام الدولة المدنية واحترام المعاهدات الدولية ، وفي مقدمتها اتفاقية كامب ديفيد ، مقابل تسهيلات او غض طرف غربي (وتحديدا واشنطن) لتسهيل وصولهم الى الحكم .
التغييرات التي طرأت في طبيعة الأنظمة الحاكمة في دول الاقليم ، سببت قلقا للسعودية ، التي طالما اعتبرت مصر حليفا لها في مواجهة النفوذين ، الايراني والتركي في المنطقة ، فإخراج مصر من هذا ، وعلى ايدي الاخوان المسلمين ، أضعف النفوذ السعودي في ساحاتهم التاريخية كتونس ولبنان ، وهدد أمنهم الاستراتيجي من البوابتين البحرانية واليمنية، من هنا فان خروج السياسة السعودية عن طابعها المالوف مرده الى حالة الغضب السعودي من التداعيات السياسية في المنطقة ، وتخوفها من المساس بمصالحها وامنها الاستراتيجي ، وهي اذ تنظر الى جماعة الاخوان وتاريخ العلاقة الايجابي معها ، تجد نفسها امام جماعة دينية سياسية وازنة تلعب خارج منظومة المصالح والأمن الاستراتيجي السعودي ، خاصة في تهديدها للنظام السياسي الجديد في مصر ، كما ان الصدمة والاندهاش الإخواني من الغضب السعودي ووضعهم على قائمة الإرهاب له ما يبرره ، أيضا استنادا الى العلاقة الايجابية مع المملكة ، لكن الإخوان المسلمين ربما لم يقرأوا جيدا ، وفي ظل نشوتهم بالانتصارات المتتالية ، او انشغالهم بخسارة الحكم في مصر ، حجم الاضرار التي لحقت بالسعوديين من جراء سلوك الإخوان وتحالفاتهم الاقليمية والدولية .