يختلف علماء الإدارة حول ما إذا كان التنبؤ بالمستقبل ممكنا في ضوء القدرة على تحليل الظواهر الحالية أو الراهنة ، فمنهم من يراه ممكنا ومنهم من يقول إن العالم لا يسير على خطوط سكة حديد متوازية أنشأها مهندسون اجتماعيون واعون ، فليس كل ما هو ممكن محتمل الحدوث !
في كل الأحوال نحن بحاجة للتفكير حتى لو لم يكن استراتيجيا ، ونحن نعيش مرحلة غير مفهومة ولا منطقية ، سكة الحديد فيها مدمرة ، والقطار واقف في محطة حوله المتقاتلون إلى متاريس في مواجهة بعضهم البعض ، والمعركة واسعة النطاق متعددة الأطراف التي « شيطنت « بعضها بعضا لتبرر موقفها وجرائمها على شكل ايدلوجيات وخطابات كريهة لا تتردد بإضفاء مسحة دينية عليها كي تكسب تأييد جمهور مسلوب العقل.
من هنا كانت نقطة الإنطلاق « استهداف العقول « لتكون جاهزة لتقبل الجريمة على هذا النحو البشع ، فتلك العقول مظلمة إلى درجة أنها لا تدرك حجم الدمار الذي تعرضت له بلاد عربية كان لها رصيد كبير في ميزان الأمة العربية ، وقضاياها القومية ، فذلك كله ليس مهما ، ولا قيمة لأي قيم أو مبادئ إنسانية ، ومشاهد الضحايا من الأطفال والنساء واللاجئين المنكوبين والأشلاء البشرية بعد عمليات التفخيخ والتفجير لم تعد تهز المشاعر !
هكذا يغيب الضمير ، ولا يحضر العقل طبعا ، فكيف يمكن تحليل الحاضر في هذه الحالة ، وأي مستقبل يمكن استطلاعه في غياب العقل والضمير ؟
الجهود السياسية ، والعمليات العسكرية الاستباقية ، وغيرها من عناصر « مشروعية الدفاع عن النفس «، أمور يفرضها الأمر الواقع ، ولكن التفكير في حجم الضرر الذي أصاب عقولنا كي تقبل أو تتفرج على هذه الحقبة الأكثر قباحة في تاريخنا الحديث ، ليس أمرا واقعا ولا قدرا مسطورا ، ذلك أن أبسط واجبات مفكري الأمة ومثقفيها هو صد العدوان عن عقولنا ، وإعادة الوعي إليها كي تقدر على تحليل الوضع الراهن وفهمه ، واستشراف المستقبل حتى لو كانت الرياح تجري بما لا تشتهي السفن.