حملة إعلامية ضخمة رافقت انطلاق الهجمة العسكرية الامريكية على تنظيم ما يسمى الدولة الاسلامية. أهم معالم هذه البروباغندا الاعلامية هو تسويقها امريكيًا على انها تمثل استعادة الولايات المتحدة الامريكية لحلفائها او لما كان يسمى المحور الامريكي.
الصحافة الامريكية كانت سعيدة وهي تسوق ان هذا الحلف الامريكي هو فعليًا حلف السنة في المنطقة الذي يعود للتناغم الكامل مع الولايات المتحدة بعد ان تعرض هذا الحلف لضربات موجعة في السنوات الاخيرة من قبل ادارة اوباما. اما نقطة التسويق الامريكي الثانية فتمثلت بالحديث عن ان الولايات المتحدة استطاعت ان تبني تحالفًا من دول عربية يقوم بتوجيه ضربات الى دولة عربية أخرى وكأن الضربات توجه الى الدولة السورية لا الى تنظيم داعش، فهي حرب يخوضها حلفاء الولايات المتحدة العرب ضد دولة عربية أخرى. وفقًا لكثير من الخبراء، هذا الخلط الواضح، هو امر طبيعي خصوصًا ان من يخوض هذه الحرب على داعش تتوافق مواقفه تجاه النظام في سورية.
وحتى لا يتم الخلط أكثر، فمن الضروري ايضًا التذكير ان هذا الحلف هو حلف صنعته الولايات المتحدة عن سبق إصرار، فهو ليس حلف الناتو الذي يتفق مع ضرورة مواجهة داعش في العراق ويتحفظ على استراتيجية الولايات المتحدة بضرب التنظيم في سورية، كما بدا واضحًا في مواقف كل من بريطانيا وفرنسا والمانيا.
الحقيقة ان مجرد دخول الولايات المتحدة على خط الحرب في سورية يعني ان الولايات المتحدة باتت قادرة على تحديد كثير من الامور في الداخل السوري في ظل غياب معادلة توازن ايرانية روسية فهي اصبحت قادرة على توجيه ضربات في اماكن متعددة ولاهداف مختلفة تحت ذريعة ضرب داعش. المعلومات المؤكدة تشير الى ان القصف الامريكي في الرقة بدأ قبل اكثر من اسبوع من اعلان انطلاق العمليات، لهذا فان الاعلان الذي تم اطلاقه اليوم عن هجمات امريكية على ما يسمى معاقل الدولة الاسلامية في الرقة ما هو الا اعلان سياسي وليس عسكريا.
بالعودة الى رواية التسويق الامريكي المتعلقة بالمحور السني الداعم للولايات المتحدة في حرب عسكرية هي رواية امريكية غير دقيقة تهدف الى تجاوز اخطاء ادارة اوباما التي بات ينتقدها الجميع في اميركا لدورها في شق صف حلفاء الولايات المتحدة. الكل يعلمون ان تنظيم داعش ليس عدوا للدول المشاركة في الحلف الامريكي فقط، بل هو عدو رئيسي ايضا لايران وسورية وروسيا وبالتالي فان الحديث عن ان هذه الحرب تمثل عودة محور اصدقاء اميركا الى الولايات المتحدة هو كذبة كبرى، لان الجميع يعلمون ان الولايات المتحدة تسعى لاستعادة محور حلفائها عبر تفهم الرغبات السياسية لبعض هؤلاء الحلفاء خصوصًا فيما يتعلق بالملف السوري الذي يرى بعض المطلعين انه بات يتمثل بخروج بشار الاسد لا اكثر. اما مرحلة ما بعد الاسد فبعض دول التحالف الامريكي لديها تحفظات مباشرة على الاقدام على مثل هذه الخطوة من دون وجود بديل مقنع، والجميع باتوا يدركون ان لا احد يملك تصورا لمرحلة ما بعد الحرب. هذا ما يفسر ايضًا التحفظ البريطاني والالماني والفرنسي وعدم رغبة هذه الدول -الى الآن- الانخراط في هذه المواجهة بهذه الصورة، ما يعني ان مخطط الولايات المتحدة في سورية لا يحتوي على تصور او استراتيجية حقيقية لمواجهة التنظيم في سورية بل قد ينطوي على اهداف لا تتفق مصالح هذه الدول معها او على الاقل ليس لها بها اي مكسب مباشر كما هي الحال مع واشنطن.
استراتيجية هذه الحرب يبدو انها تسعى لخلق مناطق عازلة جديدة في الشمال والجنوب وحتى الشرق السوري وزرع ما يسمى الجيش الحر او تشكيل حكومات في هذه المناطق العازلة، الامر الذي يمثل عودة الى اول سيناريوهات الحرب في سورية.
في النهاية، اساليب مواجهة هذه الخطوة الامريكية لا يبدو انها ستكون تقليدية، فمثلا قد يهدف التصعيد الحاصل في اليمن الى وضع اوراق ضغط مباشرة على السعودية وثنيها عن الاستمرار في الدفع باتجاه الحرب في سورية، الامر الذي يعني ان رقعة المواجهة قد تتسع، وان وسائل الضغط قد تتعدد لهذا فان القابل قد يحمل في طياته مفاجآت للجميع.