لم يكد الأردنيون يخرجون بعد من ورطة الآثار الخطيرة الناجمة عن حجم اللجوء السوري في الأردن، والذي جاوز في تدفقه اليومي كل حدود قدرة الدولة الأردنية على الاحتمال، وجاء في إطار تفاهمات اقليمية خطرة تتعلق بالدور الأردني المرسوم وهو يأتي في سياق إبرام الصفقات مقبوضة الثمن لقاء تقديم الخدمات اللوجستية التي تحتاجها السياسة الامريكية في المنطقة ، وذلك بند اخر غير المساعدات الامريكية المعلنة فيما يبدو .
وليس بعيدا عن الاذهان كيف ادير الجانب الانساني المتفرع عن الازمة السورية بطريقة اعتباطية على حساب الشعب الاردني، وكيف فتحت البلد بهذه الصورة لموجات كبرى من اللجوء لا تتحملها امكانيات الاقتصاد الاردني، وادت الى تضرر البنية التحتية ، والخدمات العامة في محافظات الشمال، وكانت كلفتها باهضة على الاقتصاد الاردني الهش، ناهيك عن الاثار الاجتماعية المدمرة في النسيج الاجتماعي الاردني، والاحتمالات الامنية غير المحسوبة، وهي قطعا لا تأتي لاعتبارات انسانية، او قومية او اسلامية، وقد نأت عنها حتى الدولة التركية، وانما في اطار الترتيبات الاقليمية التي تدار بعقلية الصفقات مدفوعة الاجر.
واليوم يخطط لنقل مهمات القوات المسلحة الاردنية الى خارج حدود الوطن، وليكون الجيش الاردني هو عماد القوات البرية التي ستندفع لمواجهة ما يسمى بتنظيم الدولة الاسلامية " داعش"، وهو ما يفضي الى خوض الحرب الامريكية بالجندي الاردني، وان يدفع الاردنيون ثمن السياسات الامريكية الرعناء في المنطقة، والتي افشلت دولها، وجعلتها مسرحا للميليشيات، والفوضى والاضطرابات.
وهي حرب اقليمية فرضتها الاجندة الامريكية ، والاردنيون لا ناقة لهم فيها ولا جمل، وان ادخال الجيش الاردني كطرف فيها سيؤدي الى نقل الصراع الى الداخل الاردني، وربما يتعرض الاردنيون الى موجة قادمة من العنف، وتهديد الامن الوطني من خلال زج البلاد في حرب غير لازمة، ويكون القرار الحصيف والذي لا يخفى على ساسة البلد بابقاء مهام القوات المسلحة الاردنية محصورة في الدفاع عن حدود الوطن، ولحماية امنه الداخلي، والحفاظ على السلم الاهلي، وكي لا تسيل دماء الاردنيين خارج الحدود ، وفي مهمات امريكية قذرة نحن ابعد ما نكون عنها. وهذا الدفع باتجاه مشاركة القوات المسلحة الاردنية بعمليات عسكرية خارج حدود الوطن لا يمكن فهمه الا في سياق الصفقات الاقليمية الكبرى، وتأجير المواقف لصالح جهات لا تتورع عن ان توظف الانسان الاردني في اهداف وغايات الاخرين.
ويدرك السياسيون ان مواجهة داعش تكون بحماية الديموقراطية، وترك الاسلام السياسي يملئ الفراغ، وهو الذي يعتمد على الوسائل الديموقراطية، ويشكل حاضنة طبيعية للاستقرار وترسيخ العملية الديموقراطية من خلال اعتماد صناديق الاقتراع كوسيلة شرعية في انتاج السلطة، وتحقيق مبدأ المشاركة الشعبية، واقامة مشروع الدولة الوطنية ذات البعد الاقتصادي الشعبي، وبما يمنع من تنامي مشاعر التطرف والغلو في القاعدة الشعبية.
وان افراغ الساحة العربية من الاسلام السياسي المنضوي في اطار العملية الديموقراطية واقصائه كان سيعزز تولد المليشيات الخطرة التي اصبحت تطفو على السطح السياسي العربي، وهي مؤهلة لان تدمر استقرار الدول العربية، وتحولها الى دول فاشلة.
والجيش الاردني مصمم لحماية حدود الوطن، والحفاظ على الامن الداخلي، ويمكن له ان يقدم قوافل الشهداء، وان تسيل دماء ابنائه في سبيل حماية الوطن، واستقراره، وسيكون من الخرق جعل ابنائه عرضة لنيران داعش نيابة عن الامريكان الذين يحضرون لحرب اقليمية نكون نحن وقودها، وهنالك من يقبض الثمن.
وليعلم القاصي والداني اننا لسنا جيشا تحت الطلب، وانما شعب تماهى مع الكرامة رغم فقره.