ما بعد غزة، ليس كما قبلها، فحسابات المعادلة تغيّرت، وتبدّلت موازين القوى، ولم يعد الخبر الفلسطيني منسياً يُدرج على خجل في آخر النشرات، وعادت القضية التاريخية الى موقعها الصحيح على كل لسان، وتذكّر العالم أن هناك شعباً لم يترك ارضه، ويطالب بحقه في السياسة وفي السلاح أيضاً.
مشهد احتفالات غزة يغيظ الدولة العبرية، فكل تلك الضربات الهمجية المجنونة لم تنل من همّة الناس، وبدلاً من ذهاب الغزيون فور وقف اطلاق النيران الى ركام منازلهم؛ للبحث عن أشلاء أهلهم، انتشروا في الشوارع معلنين وقوفهم مع المقاومة، مؤكدين نصرهم التاريخي الكبير.
«إسرائيل» تعرف أن الزمن الماضي لم يعد ممكناً له أن يستمر بعد الآن، وأن المبدأ الذي قامت عليه حيث التوسع، والتوسع أصبح في خبر كان، وأن عليها أن تتصرف بعد غزة باعتبارها كياناً محدود القوة، منعزلاً، بلا حول ولا قوة إلاّ بالدعم الخارجي، والحقن المتواصل لمجرد البقاء على قيد الحياة.
«إسرائيل» تغرق في الجدل حول أسباب الهزيمة، وتحميل المسؤوليات، ولكنها في دواخل نفسها تُدرك أن الامر لا يتعلق بالقيادة إن كانت لنتنياهو أو غيره، بل بتركيبة الكيان من أصله، فمنحنى القوة في نزول، وأسباب الوجود في نقصان، وهي حرب أخرى أو اثنتان أو ثلاث لتمتلئ الطائرات والسفن بالاسرائيليين الراحلين في هجرة عكسية.