ما يحدث من تطهير ممنهج للمسيحيين العرب في العراق وسورية، وغيرها من مناطق الشرق العربي، يشكل مثلبة في تاريخ هذه الأمة التي يشكل المسيحيون فيها مكونا رئيسا من مكوناتها الثقافية واللغوية والدينية.
فما حدث على مر عقود الاستعمار، وما سبقه من الاحتلال العثماني والمملوكي والسلجوقي، أسس لهذا الشرخ بين مختلف التنوعات الدينية والطائفية التي هي بنية الاجتماع العربي، وبدا أن هذه القوى غير العربية التي حكمتنا، قد تسلل في مكوناتها زرع الفتنة في هذا الكل العربي، بغض النظر عن بنيته الدينية أو الطائفية.
ولذلك كان العثمانيون الأكثر تطرفاً في هذا السياق، ومن خلال ما عرف بنظام "الملة"، تمكنوا من تقسيم المجتمعات المحلية وزرعت فيها عبر سياسة الرعب بذور التفكك، وأفسحت المجال فيما بعد لدخول الغرب للعالم العربي عبر الحديث عن حماية "الأقليات الدينية"، وتم تناهشها من قبل الغرب المدعي للمسيحية وقام بتفكيك البنية الأرثوذكسية التي ينتمي إليها غالبية المسيحيين العرب، والحجة حماية الأقليات الدينية. وهذه الحجة "الكاذبة"، كانت المدخل الرئيس للعدوان على الأمة وتفريغها من تنوعها الديني والطائفي والعرقي، والتمهيد لتأسيس دول الطوائف، والدول الدينية ذات اللون الواحد، للتمهيد لتأسيس "الدولة الدينية اليهودية" التي زاد في الآونة الأخيرة الحديث عنها، خصوصا أن القوى التكفيرية قد ساهمت بشكل كبير في تنفيذ المخطط الغربي، وإفراغ المنطقة من الوجود العربي المسيحي الذي يعتبر من أهم مكوناتها الثقافية والسياسية والتاريخية.
ما يحدث في العراق وإعادة إنتاج المنقرض والمشكوك فيه في التعامل مع العرب المسيحيين وغيرهم، من قبل القوى التكفيرية الدينية المدعومة من بعض الدول العربية، شكل منعطفا خطيراً في وجود المسيحيين في المنطقة، وأصبحت هذه التيارات رديفا أساسياً لمشاريع تفكيك المنطقة عبر التصفيات المذهبية والدينية التي تقوم بها في العراق وسورية، وبذلك أعدوا وبقوة لتقسيم المنطقة على أسس مذهبية ودينية، وأصبح المستفيد الوحيد من هذا السلوك العدواني والهمجي هو العدو الصهيوني، وأصبح حلمه التاريخي "بالدولة اليهودية"، قاب قوسين أو أدنى.
علينا كأردنيين أن نعلن موقفا موحدا وتاريخيا من قصة تهجير المسيحيين وتقتيلهم، بدعوتهم للعيش بيننا شركاء لنا في الوطن والتاريخ والعروبة، فنحن قدرنا أن نعيد التوازن لهذه الأمة من خلال تضييع الفرصة على من يحاول أن يفرغ المنطقة العربية من المسيحيين.
فالأردنيون هم وحدهم القادرون على استيعابهم من دون حسابات دينية أو مذهبية خاسرة، فالسيد المسيح عُمّد في نهرنا، ونحن أولى الناس في الحفاظ على مسيحيي العرب، وشكل العلاقات بين الأردنيين مسيحيين ومسلمين، قبل سيادة أنماط التكفير والتعصب، يشكل أهم أدوات التوازن الذي يستوعب شركاءنا المسيحيين في التاريخ واللغة والثقافة والدين، لذلك افتحوا بيوتكم لأهلنا من مسيحيي الشرق!