هذا أوان السؤال الجماعي المقلق الذي نرحله من وزارة إلى أخرى ومن وزير إلى آخر ، وهو بالتأكيد السؤال الأكبر والأخطر والأكثر ضرورة ، وهو سؤال المرحلة ، يتكرر في كل موسم لامتحان الثانوية العامة ، وتجرؤ بعض الأقلام على طرح تصورات ( و لا أقول دراسات مستقبلية تحمل الحلول الجريئة ) وعندما تخمد نار الثانوية العامة بكل عيوبها ومحاسنها ، ينخرط الذين نجحوا بحمى الاستعداد للعام الجامعي الأول ، ويلملم الذين " لم يحالفهم الحظ..! " جراحهم بانتظار المجهول . نغلق الصفحة وكأن شيئا لم يكن .والمصيبة أننا نتبجح بأعداد مدارسنا وتدريب معلمينا ، ولا نجد سياسة تعليمية مستقبلية تتجاوز الراهن وتقدم خارطة الطريق لأردن المستقبل ، الذي يعتمد على رأس ماله البشري ، وتسنده مبادئ فكرية راسخة أثبتت مصداقيتها على مدى عمر الدولة منذ عام 1921 م . وما زلنا نتعامل مع امتحان الثانوية العامة بروح الفردية والقرار الرسمي ، مع أن هذا الامتحان شأن عام كبير ، يرسم مصائر الجيل وخط سير الوطن .
ما هو المطلوب الآن إذن ..؟ المكاشفة والجرأة في اتخاذ القرار ، فما يتم في الجسم التعليمي لا يمثل قرارات فردية لوزير أو مجلس ، فالوزير بكل قراراته الصائبة والفاشلة تتجسد في كل مكان أردني ، وفي كل بيت أردني ..ومع ذلك فنحن لا نجد خارطة طريق تتشارك فيها كل الخبرات التربوية والأكاديمية ، لتضع السياسة القادمة في زمن تزلزلت فيه دول الجوار ، وتعلقت مصائر الناس على أفواه البنادق وحد السكاكين .. ملاذنا هو التربية والتعليم وهو الخيار المنهجي الواعي والمنتظر ، فأين نحن من هذا ..؟ كم جامعة تدرس في كليات التربية كل هذا ..؟ كم أستاذ جامعي وكم رسالة في الدراسات العليا رسمت مثل هذه الخطوط ..؟ ولماذا تصبح قضية الثانوية العامة مسألة ( هيبة دولة ) ..؟ ماذا سيكون مصير الآلاف الذين رسبوا وصاروا مشكلة آلاف البيوت الأردنية في زمن المهجرين واندلاع النيران في الجوار كله ..؟ ماذا رسمنا لكليات المجتمع من خطط لحل مشاكل الذين لا تقبلهم الجامعات من الناجحين ..؟ ما هو وضع سوق العمل ..؟ والسؤال المقلق الكبير ، هل درسنا النتائج المحتملة على مسيرة التعليم العالي عندما خططنا لامتحانات الثانوية العامة ..؟ من يقرأ الحدث يجده في يد وزارة التربية والتعليم ، ويجد أن إعادة الهيبة للتعليم تبدأ فجأة من هنا .. من امتحان الثانوية العامة ؟، وهذا قفز على الحواجز ، وتغافل عن تسلسل الأخطاء التي تبدأ من مرحلة الروضة ، وأسأل فقط وبألم حقيقي .. هل أصلحنا التعليم عندما منعنا الغش في قاعات الامتحانات ..؟ هل تقنعنا معايير القياس العجيبة التي تتخبط فيها وزارة التربية والتعليم ليصبح العبقري الذي يجيب على أسئلة لجنة ، لا تضبطها ( معايير بنك الأسئلة ) هي المعيار النموذجي لتقييم مستقبل الجيل ..؟
لسنا على قناعة بأننا نضع العربة على السكة عندما نتشدد بإجراءات عقد الامتحان ونترك الأهم وهو صدقية المعيار ، ونترك ضبط مراحل التعليم ، ونسمح لقرارات عام واحد بأن تخلق مصائر معلقة بالهواء لآلاف الراسبين والمكملين ، ونغير بمعطيات التعليم العالي وبلا سابق إنذار ..نسأل الجميع السؤال المقلق الذي يضع كل ما جرى على المحك ، هل سيكون هذا نهج وزارة التربية والتعليم مستقبلا ، وهل سيصاحب هذا التشديد على إجراءات امتحان الثانوية العامة إصلاح جذري في مراحل التعليم لئلا يكون طالب الثانوية العامة هو الضحية ..؟ والأكثر أهمية هو معيار ومقياس الثانوية العامة ، من يضع المعيار ومن يقيمه وأين البدائل إن كنا نتباهى بأننا دولة التربية والتعليم بأعداد مدارسنا وطلبتنا ومعلمينا ..؟ الحق أقول لكم بأننا نحتاج لثورة تربوية وتعليمية تطال كل شيء ..لا نريد مؤتمرات تقليدية ، نريد خارطة طريق ذكية مستقبلية مقرونة بالإحصاء ، ونريد لوزارة التربية والتعليم أن تضعنا في عقلها المفكر وتجعل بيننا وبينها حالة عصف فكري واع .. ولا نقبل ونحن في زمن قلق تثور فيه زلازل العرب ، وفي زمن التقنيات الفائقة أن تكون معايير امتحان الجيل هكذا ، من يتخذ القرار ..؟ وهل تمت دراسة النتائج والحلول ..؟ نحن أمام حالة استنفار لا تقبل التأجيل حتى موعد الامتحان القادم .. من يبدأ ..؟