الحوار والعصف الذهني الذي تابعه الاردنيون بين رأس الدولة والفعاليات الاقتصادية لبحث الخطة العشرية، وبثه التلفزيون الاردني مساء الخميس، كان فرصة حقيقية لفهم خيوط المرحلة المقبلة وما بين السطور وما سوف يستجد في حياة الاردنيين ومستقبلهم.
حديث الملك، الواضح، والصريح، والشفاف، اظهر قراءة دقيقة للمرحلة المقبلة، معتمدة على المعلومة والتحليل، خاصة حول مستقبل الاطراف المحيطة بالاردن، وما قد يستجد في حياتهم، وما لهم لحماية الجانب الانساني والحياتي سوى الاردن "الجزيرة" في محيط ملتهب.
عبارة ملكية لم تطلق على هامش الحوار، بل في عمقه، سبقها تأكيد وثقة بالجوانب الامنية والعسكرية.
تبقى القضية الاساس، وهي المشكلة الرئيسية التي يمر بها الاردن، فهي "ليست امنية ولا عسكرية، بل اقتصادية"، ولهذا كان العصف الذهني المفتوح امام النخب الاقتصادية.
لكن هذه النخب، تشرفت بلقاء الملك في حوارات مماثلة عشرات المرات، واستمع الملك لملحوظاتها، وانتقاداتها، في كل مراحل وجودها، إن كان من خلال وجودها في القطاع الخاص، ام عندما تنتقل للقطاع العام، تبقى الملحوظات والانتقادات ذاتها، حيث تنقل معها الذهنية التي تعمل بها، خاصة إن كانت خريجة بروقراطية القطاع العام.
فكيف ستساهم هذه النخب المجربة في تقديم رؤى اصلاحية وتقدمية للخطة العشرية المقبلة، وهي لا تزال مسكونة بالدفاع عن تموضعها، إن كان في الحرس القديم ام الجديد، الذي لفت الملك النظر له اكثر من مرة، والى الاجندات التي تحكم عقلية بعض السياسيين والاقتصاديين و"علية القوم".
هي اذا محاولة للتأثير وتعديل مزاج الذهنيات التي قامت عليها هذه النخب الاقتصادية، والتركيز على البعد الاقتصادي الذي يشكل العامل الاصعب في حياة الاردنيين، التي تتأثر بشدة بلغة الخطاب الرسمي الذي يوجه لها.
فالباب الثاني في دعم موازنة الدولة بعد الضرائب من الاردنيين، هي تحويلات المغتربين، وهذه تحديدا تتأثر كثيرا بكل تصريح لمسؤول خاصة إن كان في المواقع المتقدمة، فتنتعش عندما يقول رئيس الوزراء مثلا: إن قصة الاردن نباهي بها العالم، وبعد اسبوع يصرح ان اوضاعنا المالية بائسة.!
بين سطور الحوار والعصف يمكن استنتاج ان بوادر ارتياح مالي واقتصادي مقبلان على الاردن، من خلال القيام بالواجب الانساني المتعلق بشعوب الدول التي تحيط بنا، ومن خلال التفاهمات الاممية على دور الاردن "الجزيرة" في ذلك، وهذه لا يمكن ان تنجح الا اذا كان القطاعان العام والخاص على قلب رجل واحد، في الاداء والاهداف.
تأخرنا كثيرا الى ان نصل الى مرحلة حماية الاستثمار والمستثمرين في الاردن، وما زلنا نتحدث عن مرحلة الشبّاك الواحد، الذي تبدأ منه معاملة المستثمر وتنتهي، لكن يحتاج الاستثمار الى اجواء اطمئنان اخرى، اهمها التشريع المستقر، وغياب الارتجالية في الخطاب، والخلاص نهائيا من عقلية الشريك الخفي للمستثمر.
نحتاج اكثر في المرحلة المقبلة ان نرى حول طاولة الملك نخبا اقتصادية جديدة، (مع كل الاحترام والتقدير للنخب الحالية) تفكر بشكل اكثر عصرية وانفتاحا، وغير أسيرة لذهنية رجل القطاع الخاص الذي تخرج من مدرسة القطاع العام.