لا يكفي القول بأني لست ((قانونيا)) كي أتجنب التصدي لموضوع هام كموضوع المحكمة الدستورية، فهناك – بالنسبة لي – اسباب عديدة لهذا التصدي في مقدمتها انه لا يتعلق بأمر قانوني بحت فضلا عن أني حتى في هذا المجال تحديداً قد راكمت بعض خبرة في التعامل مع القوانين المتنوعة قراءةً واستخداماً واحيانا اقتراحَ بعض مشاريعها وكنت أجد المتعة في اعتمادها على المنطق في صياغتها واحترامها الضمني لروح النص عند تطبيقها وكنت اطرب للغة التي تُسبك في تحليل حيثياتها وللشروح التي ترافق موادها ناهيك عن تقديري لدورها الكبير في حياة البشر وتنظيم العلاقة بينهم في كل شؤون الدنيا.. وفي يقيني أن ((المحكمة الدستورية)) تتربع على القمة في كل ذلك فهي الحارسة والحامية للدستور نفسه ولكل القوانين خاصة ما يتعلق منها بالحقوق والحريات.. ومن حيث المبدأ ازداد وعي المواطنين لأهميتها في السنوات الأخيرة وهم يتابعون المواقف الصلبة للمحكمة الدستورية في مصر والمكانة العالية التي حققتها عبر تاريخها الحافل بالأمجاد وكيف دافع عنها الجسم القضائي والحقوقي بأسره يوم حاول الطغاة القدامى والجدد الاعتداء عليها وعلى حصانة قراراتها..
أما قصة المحكمة الدستورية عندنا فقد كانت محفوفة بالجدل والتساؤل ومحاطة بالآمال والاوهام في آن معاً، حتى أنشئت قبل عامين استناداً الى المادة 58 من الدستور بعد التعديلات التي ادخلت عليه في 1/ 10/ 2011 ولقد سعد بمقدمها المواطنون بعد ان انتظروها زماناً طويلاً، على الأقل منذ عام 1990 حين طالب ((الميثاق الوطني)) بأنشائها، وبعد أن افتقدوها بشدة في مفاصل حساسة وحرجة من حياة هذا البلد، وبعد أن صدموا لاكثر من مرة بمن يقلل من اهميتها ويقول لهم إنها غير ضرورية وان في القوانين المتوفرة والمحاكم العادية ما يسد فراغها ويقوم بوظيفتها، وآخر تلك الصدمات التقرير الذي طلعت به لجنة من كبار القانونيين شكلت قبل بضع سنوات ودرست الامر من جميع جوانبه – كما قال التقرير – وخلصت في النهاية الى عدم حاجة الدولة الاردنية لهذه المحكمة ! والمفارقة الساخرة أن بعض واضعي هذا التقرير كانوا من اوائل الذين عُينّوا اعضاء في هيئتها الموقرة عند تأسيسها بموجب القانون رقم 15 لسنة 2012.
صحيح أن من المبكر اصدار الآراء حولها الآن فهي مازالت حديثة العهد وعمرها لم يتجاوز بعد السنتين لكن الامانة تقتضيني أن أذكر أن ملاحظات عديدة عليها وعلى طريقة تشكيلها وعلى أدائها قد ظهرت منذ اليوم الاول لأنشائها ولم تكن كلها بالضرورة سلبية فمنها ما كانت ايجابية تحمل للمحكمة الاحترام الجديرة به وتتمني عليها احتلال موقعها الجليل المرجو في حياتنا التشريعية والسياسية وفي خدمة الديمقراطية والعدالة والرقابة القضائية، لكن منها ما يصفها بالجهاز البيروقراطي الفضفاض وبأنها مجرد مظهر خال من الجوهر وأنها لم تقم حتى الآن بعمل واحد بارز يذكر مع أن ملفاً ضخماً من القضايا كان ينتظرها وفيه كثير من القوانين التي مُررت في الماضي ويقول عنها بعض الدستوريين أنها لو عرضت الآن على المحكمة لثبت أنها غير دستورية !.. ولذلك كله وجلاءً للحقيقة المُقْسطة أحيل الأمر لأصحاب الاختصاص واهل الخبرة من القانونيين وقادة الرأي ورجال الدولة (السابقين) واتقدم باقتراح محدد هو إقامة ندوة (أو ندوات) يتحدثون فيها من على منابر متعددة ويناقشون قانون هذه المحكمة وعملها والآمال المعلقة عليها، ويطلعون الجمهور على مالديهم من معلومات عنها ويبدون آراءهم في ادائها وما يرون أنه يمكّن من اصلاح مسيرتها الآن بدل انتظار سنوات أخرى فيها ما فيها من احتمالات الخطأ.. و الفشل.
وبعد.. هل اقتراحي صعب التنفيذ ما دام لا يمس مقدساً؟!
عن المحكمة الدستورية !
أخبار البلد -