السنــديـــانــة

السنــديـــانــة
أخبار البلد -  
تقع مدينة عكا في الجليل الغربي من فلسطين وتحيط بها أراضي قريتي معليا وترشيحا اللتين يفصل بينهما سهل صغير. اشتهرت القريتان بسكانهما المسلمين والمسيحيين المتعايشين بكل حب واحترام متبادل والذين قاوموا الاحتلال اليهودي الذي قصف قراهم وقتل أقاربهم ونهب أراضيهم وبيوتهم وأعطاها لليهود القادمين من رومانيا وألمانيا.
في معليا كما في ترشيحا وعكا هناك طبيعة خلابة وهضاب خضراء وفيها أشجار الزيتون والأشجار المثمرة وفيها هواء يشفي العليل. في تلك البقعة من الجليل كانت الأعراس المسلمة لا تختلف أبداً عن الأفراح المسيحية حيث تشترك القرية كلها في تحضير العجين والخبز وطبخ الطعام وزفة العريس والرقص والغناء في شوارع القرية على أنغام المزمار والدربكة.
في تلك البقعة من الجليل عاشت نخب مثقفة متعلمة لعبت دورها في كل المجالات الإنسانية ومن تلك النخب كانت هناك عائلة مسيحية باسم عائلة ليوس. في العام 1920 وفي قرية معليا ولد ميشيل ليوس ابناً بكراً لأبيه نجيب وأمه مريم وقد درس ميشيل الصغير في ترشيحا وعكا ثم سافر إلى القدس حيث حصل على شهادة الثانوية (مترك لندن حينذاك) ومن هناك سافر لدراسة الطب في الجامعة الأمريكية في بيروت. أثناء الدراسة حدثت نكبة عام 1948 فانقطع اتصاله مع أهله ونفذت موارده المادية فاضطر للسفر إلى دمشق حيث عمل كمدرس للغة الانجليزية حتى يعيل نفسه ويكمل دراسته في كلية الطب - جامعة دمشق والتي تخرج منها في العام 1951. عينته وكالة الغوث للاجئين التابعة للأمم المتحدة طبيباً لها في القدس ثم في أريحا حيث التقى هناك بزوجته وشريكة عمره نادرة دعدوش. استقر الدكتور ميشيل في مدينة الزرقاء حيث افتتح عيادته الخاصة في شارع السعادة في العام 1953.
أصبحت عيادته ملاذاً يجد فيها المرضى الرعاية والعناية واليد الحانية ففي وقت عز فيه القرش وانتشر الفقر المدقع، لم يتردد الدكتور ميشيل عن قبول البيض والسمن والزبده والخبز من مرضاه بدلاً عن الكشفية النقدية. أما إذا كان المريض معدماً فقد كان يرد له الزيتون والخبز ويعالجه مجاناً بعد أن يعطيه الدواء من عنده أو على حسابه من الصيدليات المجاورة.
كان لا يتردد في نجدة مريض أينما مكان فكان يقوم بالإشراف على علاج سيدة في مخيم ثم يقوم بخياطة جروح مصاب أو العناية بمريض أصابته جلطة قلبية في عيادته. كان يمشي في طرقات مظلمة في البرد القارس والمطر ينهمر فوق رأسه والطين يعيق تقدمه في الطرقات الضيقة لكي يصل إلى سيل الزرقاء الذي يقطعه على ظهر إحدى الدواب حتى يصل إلى الجبل الأبيض لكي يقوم بالإشراف على ولادة إحدى السيدات في خيمة يعصف فيها الهواء.
نظراً لإنسانيته ومهارته فقد لمع نجمه حيث كان يزور عيادته مرضى من السعودية وسوريا والعراق بالإضافة إلى مرضاه من الزرقاء والرصيفة ومعسكر خو ومصفاة البترول ومخيم الزرقاء والسخنة وقرية الهاشمية حيث ارتبط بعلاقة وثيقة بعشيرة بني حسن الذين أحبهم وأحبوه واحتضنهم واحتضنوه. أصبح المرضى يتداولون جملة شهيرة عنه «تدخل على عيادته كأنك ميت وتخرج من عنده ماشياً على قدميك».
ربطني بالدكتور ميشيل وعائلته علاقة وثيقة فقد كان طبيب العائلة وكان يعرف أفراد عائلتي فرداً فرداً. أما زوجته السيدة الفاضلة نادرة دعدوش رحمها الله فقد كانت قدوة لزوجات الأطباء حيث تفهمت طبيعة عمل زوجها الذي كان يضحي بوقته وبوقت عائلته في سبيل رعاية مرضاه.
تزاملت أنا مع الدكتور ميشيل وأفراد عائلته: نجيب طبيب النسائية ونبيل طبيب تقويم الأسنان والدكتورة مي والمهندسة مها وأخصائية المختبرات منى وعائلاتهم.
لم ينس الدكتور ميشيل خدمة مهنته وخدمة نقابته حيث قام هو وثلة من زملائه الأطباء والصيادلة بإنشاء النادي الثقافي في الزرقاء وبعدها تأسيس اللجنة الفرعية لنقابة الأطباء في العام 1971 وهي اللجنة التي ترأسها فيما بعد.
كان أردنياً حتى النخاع وكان فلسطينياً يعتز بجذوره فكان من مؤسسي المجلس الوطني الفلسطيني عام 1964 وقدم كل ما يستطيع في سبيل قضيته. بقي بعد تقاعده متيقظ الفكر، حاد الذاكرة، مرحاً، متدفقاً، حنوناً تفيض عيونه بالدموع كلما عادت به الذاكرة إلى الوراء. أريد أن أقتبس هنا ما قالته زوجة د. يحيى الطريفي، رفيق درب الدكتور ميشيل في الزرقاء. قالت: «كان كالأب لنا جميعاً. كان كالسنديانة التي جذورها في معليا وترشيحا وعكا وظلالها فوق الزرقاء والرصيفة وعمان».
بالأمس فقدنا السنديانة، فقدنا الطبيب الإنسان ميشيل ليوس. « الرب أعطى والرب اخذ فليكن اسم الرب مباركاً». رحمك الله يا أبا نجيب.
Email: ibrahimsbeihaz@gmail.com
 
شريط الأخبار صحفيون يفوزون بجائزة الحسين للإبداع الصحفي شركة غاز الأردن: وزارة الطاقة عينت مستشارا لوضع تسعيرة لغاز حقل الريشة وستراجع شهريا الجيش يحبط محاولة تهريب مخدرات عبر درون اتحاد عمال الأردن: رفع الحد الأدنى للأجور لـ300 دينار على الأقل "أصبح حقا وجوبيا" الحنيطي يشدد على أهمية استمرار التأهيل لضمان جاهزية القوات المسلحة العملياتية وزير الخارجية: وقف التصعيد يبدأ بوقف العدوان الإسرائيلي على غزة ولبنان جيش الاحتلال يُقرّ بمقتل 7 ضباط وجنود في معارك جنوب لبنان ما قصة صواريخ الكنافة التي أطلقها النائب الظهراوي في الزرقاء؟.. فيديو افتتاح أول مشروع لتوليد الكهربـاء باستخدام الغاز الأردنـي غدا الخميس حزب الله: فجرنا عبوة ناسفة في قوة للاحتلال وأوقعناها بين قتيل وجريح الشرق الأوسط للتأمين تقر بياناتها وتوزع أرباحاً نقدية على مساهميها بنسبة (7%) القدس للتأمين تعقد اجتماعها العمومي وتوزع أرباح بنسبة 10% على المساهمين ذياب: الضربة الإيرانية أصابت إسرائيل في مقتل وأعادت الاعتبار لمحور المقاومة وأخرجت الناس على الشوارع فرحًا النمري: الضربة الإيرانية على إسرائيل "مجرد رفع عتب" ولم تحقق أي أهداف حقيقية "الثأر لدماء الحبيب هنية".. ما كُتب على الصواريخ الإيرانية قبل انطلاقها نحو مدن الاحتلال - فيديو آفاق للطاقة تعيد تشكيل لجانها الداخلية .. اسماء العبادي: "إيران تصفع نتنياهو بـ 180 صفعة وترفع معنويات الناس" الجيش الإسرائيلي يعترف: قواعدنا العسكرية والجوية تضررت جراء الهجوم الإيراني إسرائيل تعلن الأمين العام للأمم المتحدة "شخصا غير مرغوب فيه" حزب الله: نخوض اشتباكات ضارية مع جنود متسللين لمارون الراس وأوقعنا بهم اصابات محققة