عندما تغيب شمسنا ونتعب من متابعة نشرات الاخبار الغارقة بالدم العربي ، او مشاهدة فيلم سينمائي اميركي ، او مسلسل تركي مفرط بالوهم الرومنسي ، نذهب الى غرف النوم .
في تلك اللحظات نسمع البحر يروي للنجوم حكاية غزة ، حكاية الريح الذي يحمل عتمة الليل الى غزة المحاصرة ، لتبدأ مأساة اهلها في مواجهة العدوان الاتي من كل الجهات وعلى كل المحاور، حيث يهدم القصف المتواصل من البحر والبر والجو الاحياء المدنية ، ويسقط المزيد من الضحايا والشهداء ومعظمهم من الاطفال والنساء .
وفي الصباح نسأل باعجاب موشح بالقلق : كيف استطاع اهل غزة ومقاومتها من الصمود في مواجهة هذا العدوان الوحشي ، وما هو سر استبسال القطاع المحاصر، ومن اين اتته هذه القدرة وهذا العزم ، وهذا العشق للحرية ، والاصرار على صياغة المستقبل رغم الحصار؟
الحقيقة ان الظلام لم ينجح في اخفاء الظلم ، كما العتمة لم تستطع حجب صرخة الدم ، ولم يعد امام شعبنا في القطاع اي موقع آخر سوى الوطن ، وهذا هو الواقع الذي فرضته قسوة العالم الذي ما زالت تقوده قوة ظالمة واهمة ، وعدو يلعب على حبل الواقع والخرافة ، ويؤمن بان العملية التاريخية لا يحركها العدل ولا الحق بل القوة والسلاح .
هذا العدو يحتاج الى مزيد من العتمة والظلام والظلم لسفك المزيد من الدم . ولكن اهل غزة يعرفون ان الافكار القديمة لم تعد قادرة على التعامل مع الواقع الجديد ، كما لم تعد قادرة على فهم لغة الاسرائيليين او معرفة مقاصدهم . وهذه الافكار هي التي تضع الامن الاسرائيلي في موازاة دم الشعب الفلسطيني وحقوقه في مشهد كوميدي ساخر .
امام هذا الواقع ادركت غزة ان الحرية ليست قرص عسل ، ولا باقة من ورد ، فقاومت واستبسلت وابهرت العالم بغزارة دمها وصلابة ارادتها ، في واقع يقول ان العدو من امامكم والبحر من ورائكم ولا مفر من المقاومة. اطلقت المقاومة صواريخها لتوقظ الوعي العالمي والضمير العربي على صوت وصورة الشعب المحاصر بواقعه الجديد الذي يحرره من عمليات التشويه المتراكمة.
كذلك حفرت غزة انفاقها باظافرها ، مستفيدة من تجربة ثوار الفيتكونغ في فييتنام ، وهي الانفاق التي فتحت لها الافاق ، ومنحتها الفرصة على الصمود ، والقدرة على الحركة في فتح جبهة ثانية من تحت الارض ، بعدما انزلق الجيش الاسرائيلي الى حرب برية واسعة ، لم تعد محدودة كما اعلن نتنياهو ، ووافقه وزير الخارجية الاميركية جون كيري .
الحقيقة ان الاهداف الاسرائيلية تتجاوز المعلن ، فالجيش الاسرائيلي لم يدخل الى اراضي القطاع ، او يقصف الاحياء السكنية ، او يقتل هذا الكم من الشهداء والاطفال والنساء ، من اجل هدم الانفاق او منع اطلاق الصواريخ ، بل دخل لضرب المصالحة الفلسطينية ، كي يثبت ديمومة نظيرته الكاذبة انه لا يوجد شريك فلسطيني يتفاوض معه ، كما اراد ضرب خيار المقاومة بعد وقف التفاوض ، لابقاء الفلسطينيين في حالة اللا سلم واللا حرب ، الى ان يتم القضاء نهائيا على فكرة اقامة الدولة الفلسطينية ، واتمام مشروع التهويد باكمال الخطة الاستيطانية ، وبالتالي اعلان اسرائيل دولة يهودية لكل اليهود .
ولكن الثابت ان رياح غزة اتت بما لا تشتهي سفن نتنياهو ، لأن صواريخ المقاومة دقت على جدران الوعي العالمي والضمير العربي ، واعادت القضية الفلسطينية الى الذاكرة العربية ، بل استطيع القول ، بعد الذي حدث في الناصرة وحيفا ، انها اعادت الصراع مع الحركة الصهيونية الى جذوره التاريخية ، واعني ارض فلسطين التاريخيه