اندمجت القيادة الفلسطينية ورئاستها بالكامل مع النظام العربي، الذي يدعمها، بينما هي توفر له غطاء لتقصيره وعجزه عن تقديم الدعم والإسناد لنضال الشعب العربي الفلسطيني، في مواجهة المشروع التوسعي الاستعماري الإسرائيلي، وقد فرض هذا الإندماج، تخلي القيادة الفلسطينية عن دورها الكفاحي غير الدبلوماسي وغير السياسي، وعدم رغبتها في شحن الشارع الفلسطيني لتأدية دوره الكفاحي ضد إسرائيل، ورهانها الوحيد، هو خيار النظام العربي، خيار المفاوضات والعمل الدبلوماسي على المستوى الدولي، وتحقيق مكاسب سياسية ومواقع تمثيلية تدريجية متقدمة، كما حصل في اليونسكو، ولدى الجمعية العامة للأمم المتحدة، والاتحاد البرلماني الدولي.
وبتخليها عن إدارتها المنفردة لقطاع غزة، وتراجعها عن الانقلاب الذي نفذته في حزيران 2007، واستقالة حكومة إسماعيل هنية الحزبية لصالح حكومة الوفاق الوطني في 2 حزيران 2014، على أثر اتفاق 23 نيسان 2014، تحولت حركة حماس من سلطة حاكمة تتحمل مسؤولية إدارة قطاع غزة إلى فصيل فلسطيني، مقاتل ومعارض، رفضت ما سبق وإن وافقت عليه، من شروط مجحفة لوقف إطلاق النار مع العدو الإسرائيلي عام 2012، في عهد الرئيس المصري الإخواني السابق محمد مرسي، رغم أن المبادرة المصرية الآن، في عهد الرئيس السيسي، تحمل نفس المضمون ونفس النص، الذي سبق وإن وافقت عليه حركة حماس، وأرغمت الآخرين ليس فقط على قبوله، بل والالتزام بمضامينه وردع كل من حاول خرقه، في أي عمل كفاحي ضد الاحتلال، من قطاع غزة الذي كانت تحكمه وتنفرد في إدارته.
حركة حماس التي تعاني من حصارات متعددة، دخلت في مغامرة رفض المبادرة المصرية، التي وافق عليها وزراء الخارجية العرب، ووضعت نفسها في تصادم مباشر مع القاهرة، ومع أغلبية بلدان النظام العربي، وهي مغامرة تستهدف فك الحصار عنها، وقد تفلح في ذلك، وقد تخفق، ولكنها لن تخسر في هذه المغامرة شيئاً جديداً كانت تملكه، إن لم تحقق مكاسب جماهيرية، تُعيد لها مكانتها التي فقدتها على أثر الانقلاب عام 2007.
صحيح أن حركة حماس، تعرف أن حكومة العدو الإسرائيلي لديها خيار وقرار، بعدم اجتياح قطاع غزة، وهو قرار معروف وشبه معلن، وهو سبب انفكاك التحالف بين حزب وزير الخارجية ليبرمان، عن الليكود، وسبب قرار نتنياهو فصل نائب وزير الدفاع عضو الكنيست داني دانون عضو قيادة حزب الليكود، وأحد صقوره، وتم ذلك على خلفية انتقاد دانون لموقف نتنياهو المتحفظ من اجتياح قطاع غزة، فالقرار الإسرائيلي هو معاقبة "حماس" فقط، وتدمير قدراتها الهجومية العسكرية، وخاصة الصواريخ ومنشآتها وقواعدها، وليس اجتثاثها، إضافة إلى أن الهجوم الجوي الإسرائيلي، وتوجيه ضربات عقارية موجعة للشعب الفلسطيني وإيذاء متعمد للمدنيين يستهدف الاستجابة لأكثرية الإسرائيليين وعدوانيتهم الزائدة على أثر اختطاف وقتل المستوطنين الثلاثة، مثلما كانت حاجة حكومة نتنياهو في الإسراع لقلب صفحة اختطاف الفتى الفلسطيني محمد أبو خضير وحرقه، وهو فعل لم يحصل في تاريخ الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وسبّب الأذى لمكانة إسرائيل والحرج لحكومة نتنياهو، فأراد الدفع باتجاه فعل، يُنهي التركيز على حرق الفتى الفلسطيني حياً، وإيذاء ابن عمه طارق أبو خضير الأميركي الجنسية، نحو فعل يجذب الاهتمام الإعلامي، وينقل المشهد لصورة أخرى غير صورة الفتى المحروق، وكان له ذلك، من خلال التركيز اليوم على فعل الطائرات الإسرائيلية، وما يوازيها من فعل الصواريخ الفلسطينية، وهو فعل يستهدف المدنيين لدى الطرفين، والغلبة فيه للتفوق الإسرائيلي.
ولهذا لا تخشى حركة حماس، من ضربات العدو، الذي لم يمسسها بأذى غير قادرة على تحمله، بل هي تسبب له مع باقي الفصائل الفلسطينية أذى معنوياً، بضرباتها الصاروخية، وهي تعرف أن قراره المسبق هو عدم الاجتياح، ولذلك غامرت بقرار رفض المبادرة المصرية، بهدف تغيير قواعد اللعبة ما أمكنها ذلك، ومدركة أن ذلك سيعيد لها، وضعاً جماهيرياً، فقدته طوال السنين السبع الماضية، بسبب فشلها المزدوج حيث فشلت في إدارة قطاع غزة كسلطة، وفشلت في الحفاظ على مكانتها كفصيل كفاحي مقاوم.
طرفا المعادلة الفلسطينية، بخياراتهما الأحادية، سبّبا الفشل لتطلعات الشعب العربي الفلسطيني، برمته، فلا طريق المفاوضات والعمل الدبلوماسي حقق إنجازاً يُقرب الشعب العربي الفلسطيني، من استعادة حقوقه الثنائية في العودة والاستقلال، ولا طريق الانقلاب والأحادية وكلمات المقاومة بلا مضمون، أحرج العدو واستنزفه وأجبرته على التراجع والرحيل، بل كان خيار حركة حماس وتوقيعها على تفاهمات القاهرة، حلقة مذلة، ها هي تنقلب عليها وترفضها، مع أنها كانت في وضع أقوى في عهد الرئيس مرسي، وانتقلت إلى وضع أضعف في عهد السيسي.
مطالب حركة حماس مشروعة، والنضال الدبلوماسي والسياسي للقيادة الفلسطينية مطلوب، ولكنهما يحتاجان لعمل مشترك، بين طرفي المعادلة الفلسطينية، لا أن يبقى كل منهما يُغني بمفرده، بعد أن أخفقا طوال السنوات الماضية في التقدم خطوات حقيقية ملموسة تُضعف الاحتلال، وتجعله مكلفاً، وتفرض عليه التفكير الجدي بالرحيل، لا أن يفكر بدفع شعبنا نحو الرحيل كما حصل في عامي النكبة عام 48 والنكسة عام 67.
فشل طرفي المعادلة الفلسطينية ، دفع بالعاقل المتزن ، نايف حواتمة كي يقدم برنامجه ، القائم على الشراكة وعلى دمج العمل الدبلوماسي مع العمل الكفاحي على الأرض في وجه الإحتلال ، ومطالبته في إنهاء فترة الإنقسام الأسود ، وإستعادة الوحدة الضرورية ، كي ينهض الشعب الفلسطيني مرة أخرى على طريق إستعادة حقوقه الكاملة غير المنقوصة ، والحالة نفسها دفعت النائب محمد دحلان القيادي الفلسطيني ليقول : لو كنت أملك قدرات حماس ونفوذها وإمكانياتها ، لحققت نتائج أفضل من نتائج الأزمة التي نواجهها ونعاني منها وسببها لنا ليس فقط الإحتلال المتفوق ، بل سببها لنا ، التفرد الأحادي للقيادة الفلسطينية وإدارة حماس الأحادية .
h.faraneh@yahoo.com