مؤلمة جدا صورة الرئيس الفلسطيني محمود عباس وهو يفتح كفاه قارئا الفاتحة على ارواح شهداء غزة، فإذا كان الرئيس الفلسطيني يكتفي بالفاتحة تلاوة وتجويداً، فلماذا نلوم بقية العرب هنا؟!.
للمشهد جذور، اذ ان غزة في حربها السابقة، لم تسمع من الضفة الغربية، الا القليل من الهتافات، بلا فعل على الارض، بعد ان تم خلع اظافر المقاومة في الضفة الغربية، وهي الضفة الحاضرة بقوة تاريخيا في مقاومة الاحتلال ومؤازرة كل فلسطين المحتلة.
كان مثيرا، ان نرى عشرات الفتية والفتيات يشعلون الشموع في رام الله تضامنا مع اقاربهم في غزة، في الحرب السابقة، وهي ظاهرة لم نر مثلها لا في بيروت، ولا في الرباط البعيدة، ولاحتى جزر القمر.
من ناحية سياسية فالتبرير معروف، لان جماعة «سكن تسلم» سيردون ان الرئيس غير قادر على التصعيد، ولايريد اي تصعيد اساسا، وضد انفجار انتفاضة ثالثة.
هو ايضا غير قادر لاعتبارات لوجستية وسياسية وجغرافية، على ان يفعل اي شيء آخر سوى الفاتحة، ويريد تعميم الفاتحة في كل الضفة الغربية، وقد ينجح، وقد يرد آخرون عليه بقراءة الزلزلة.
ذات مرة قبل شهرين، وفي مكالمة اجريتها مع خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، واستمرت لما يزيد عن اربعين دقيقة، قال فيما قال ان حماس لايمكن عزلها ولا اضعافها، وان بيد حماس ماهو اهم اي الميدان.
وقتها قلت لابي الوليد ان الميدان غير متاح ربما، لغياب الظهير المصري من جهة، ولحالة القطاع، ولانسداد الافق في وجه اي مقاومة عربية، فوق تعب الفلسطينيين ذاتهم من كلفة الميدان.
أصرّ مشعل يومها على ان الميدان هو الاهم، وان الذين يظنون انهم حاصروا حماس جغرافيا وسياسيا، عليهم ان يحتملوا ايضا كلفة الميدان، والمقاومة، وهي كلفة لاتحتملها اسرائيل، ولا دول الاقليم.
هي هنا ليست ورقة وظيفية، بقدر كونها عدة المقاومة وغزة، وعلى الجميع ان يتذكروا هذه الحقيقة، وفقا لمنطوقه، وهي حقيقة سبق ان ثبتت اكثر من مرة، غير اننا هذه المرة امام مواجهة فاصلة في الاغلب، ولن تكون لها فصول مجدولة.
لم تمر اسابيع على هذه المكالمة وإلماحاته حول الميدان حتى تدهورت الحالة الفلسطينية، فوق ما فيها من سوء، وخراب، والمشهد اليوم مفتوح على كل النتائج من حقن الدماء عبر الوسطاء، وصولا الى اجتياح غزة.
في المشهد الاجمالي هناك اختلال، مابين فاتحة الرئيس، ومغزاها، ومانراه في غزة اليوم، والضفة الغربية التي استيقظت من غفوتها، مشكورة، مع القدس، ومناطق فلسطين الثمانية والاربعين.
إسرائيل والرسميون العرب، لا يمانعون ان نواصل قراءة الفواتح، وذرف الدموع، وهم يريدون معادلة معقدة جدا، هذه الايام، يريدون تحطيم بنى غزة العسكرية والاجتماعية، وتصفية حماس كليا.
لكنهم في ذات الوقت لا يريدون لعملية الكي هذه ان تتسبب بانفجار شامل وكامل في كل فلسطين، على شكل انتفاضة ثالثة .
قد ينجحون وقد لا ينجحون، غير ان علينا ان نعرف ان مشهد غزة، ليس مشهدا محليا فلسطينيا، وتوظيفاته الاقليمية تشتد ساعة بعد اخرى، من اطرف عديدة لها حساباتها.
هذه هي كارثة اسرائيل الحقيقية، وهي ستسعى لتجنبها بكل الوسائل، عبر قتل القتيل، ثم اقناع اهله، بقبول تهدئة، تمنع فعليا، مابعد هذه الهجمة الوحشية، من تداعيات واسعة تهدد كل التحالف المقام اليوم في المنطقة، وتعيد انتاج المشهد على اكثر من مستوى.
maherabutair@gmail.com