رُغم الحرب الاجرامية التي يشنها بنيامين نتنياهو ووزير حربه الارعن, منفلت اللسان والسلوك موشيه يعلون, صاحب مقولة «كيّ وعيّ الفلسطينيين».. يبدو الهدف السياسي من عملية «الجرف الصامد» ضبابياً والرد الاسرائيلي مرتبكاً, اكثر مما هو قائم على حرب مصغرة لتحقيق اهداف سياسية مرحلية أو بعيدة المدى, وبخاصة أن رئيس الائتلاف الحكومي الاشد تطرفاً ويمينية في تاريخ اسرائيل, قد «نجح» في فك عرى حكومة الكفاءات (...) التي وُصِفَت بأنها حكومة شراكة بين فتح وحماس, تنفيذاً لاتفاق مخيم الشاطئ, إضافة بالطبع الى «تفكيك» جيش الاحتلال البنى التحتية والمؤسسات الخدمية أو الاغاثية لحركة حماس في الضفة الغربية, على نحو اراد من خلاله نتنياهو واجهزته الاستخبارية وعلى رأسها الشاباك, اجتثاث الحركة من الضفة الغربية وعدم السماح لها بتحقيق اي انجاز او فائدة يمكن ان تجنيها من «تضحيتها» المتمثلة في التخلي عن «حكم» غزة لصالح السلطة الفلسطينية.
وبصرف النظر عن سعي وسائل الاعلام الاسرائيلية ومصادر حكومة نتنياهو, لإبعاد الانظار عمّا يجري داخل الخط الاخضر, وتوسع احتجاجات فلسطينيي الداخل وامتدادها الى المثلث والنقب, على نحو يدعم بوادر الانتفاضة «الثالثة» التي ما تزال في طور البروز والتشكّل في الضفة الغربية «والقدس», رغم البطش والاعتقالات والقمع, فإن التصدع اصاب تحالف «الليكود بيتنا» الذي نشأ قبل انتخابات الكنيست التاسع عشر (22/1/2013).
أمس, «نعى» ليبرمان التحالف وقرر فضّ الشراكة مع البقاء في الحكومة, ما يعني ان نتنياهو بدأ يتحسس رأسه من «انقلاب» يقوده ليبرمان لسحب الثقة من الحكومة, لدفعه لاجراء انتخابات مبكرة عبر تأمين اغلبية داخل الحكومة تتبنى مثل هذا الرأي, وهو «خطر» يُدرك نتنياهو انه يمكن ان ينهي مستقبله السياسي, رغم أنه حقق رقماً قياسياً في تاريخ اسرائيل عندما «شكّل» ثلاث حكومات, لم يتمكن احد من قادة اسرائيل من الوصول الى هذا الرقم, فضلاً عن ان استطلاعات الرأي لا تشير الى خطر على «زعامته» حيث لا أحد ينافسه على الموقع من بين قادة الاحزاب الاخرى, اللهم الا اذا سعى ليبرمان للاندماج في الليكود وقيادة هذا الحزب اليميني المتطرف ثم يأتلف بعدها مع نفتالي بينيت (البيت اليهودي) وباقي تشكيلات اليمين الاستيطاني الذي لا يتوقف عن الدعوة الى الثأر من الفلسطينيين بعد قتل المستوطنين الثلاثة عبر رد «صهيوني نوعي» وهم هنا يقصدون المزيد من الاستيطان بناءً جديداً او توسيعاً لمستوطنات قائمة.. واذا كان وزير الحرب يعلون قد قال: ان العملية العسكرية التي اطلقها جيش الاحتلال ضد قطاع غزة لن تنتهي في غضون ايام، فإن من الصعب على قادة اسرائيل إخفاء الانقسام الحاصل في المواقف وبروز المنافسة بين قادة الائتلاف الحكومي الحالي, على من يبدي المزيد من التشدد والدعوة الى اجتياح «برّي» للقضاء على امكانات حماس العسكرية مع التحذير في الآن ذاته من «المكوث طويلاً» في القطاع لأنه مكلف واستنزافي وعودة غزة الى مسؤولية اسرائيل..
الموقف الفلسطيني غير موحّد (كالعادة)، رغم وجود حكومة «الكفاءات» التي ولدت ميتة على ما يبدو، ولا يلوح في الأفق ان معجزة ستحدث كي تعيد اللُحمة الى الصف الفلسطيني, بعد ان اخذ التراشق الاعلامي مداه بين السلطة وحماس وراحت الاخيرة تستعيد ما كانت تخلّت عنه بعد قيام حكومة حمدالله, ثم جاء اختطاف المستوطنين الثلاثة وكلمة عباس امام وزراء الخارجية العرب في جدة, لتطيح كل «التفاهمات» التي جاءت في اتفاق «الشاطئ», وما لبث رد فعل السلطة على استشهاد الفتى محمد ابو خضير ان شكل القشة التي قصمت ظهر الاتفاق لتأتي عملية «الجرف الصامد» كي تعيد الامور الى نقطة الصفر, وتجعل من امكانية التلاقي بين فتح وحماس مرة اخرى مسألة صعبة..
ماذا عن إسرائيل؟
قد يكون نتنياهو اكبر الخاسرين مما يجري, ليس لأنه حمائمي او قرر الجنوح للسلام، بقدر ما هو مدرك بأن المضي قُدُماً في تدمير قطاع غزة وربما القيام بعملية برّية تُفضي الى خسائر بشرية وبخاصة اسرائيلية، لن يدفع ثمنها الا من رصيده السياسي المتآكل, فضلاً عن امكانية «نجاح» حماس وباقي الفضائل الفلسطينية في ضرب منطقة غوش دان (تل ابيب وضواحيها) أو القدس, كما فعلت في عملية «عامود السحاب» الامر الذي سيزيد من صعوبة الخيارات وربما يحول دون ايجاد «تفاهم ما» عبر مصر، كما حدث في العدوان السابق..
أين من هنا؟
امكانية ان تذهب اسرائيل الى انتخابات مبكرة واردة، الا انه خيار صعب بالنسبة لنتنياهو, الذي قد يضطر للتراجع ووقف عدوانه الحالي واستعادة اسطوانته بأنه أجبر حماس على الركوع, وهو «زعم» متروك لخواتيم الامور التي تزداد تعقيداً ساعة بعد ساعة.
kharroub@jpf.com.jo