تستطيع حكومة المشروع الإستعماري التوسعي الإسرائيلية ، فعل ما تشاء ضد الشعب العربي الفلسطيني ، سواء في مناطق 48 ، أو مناطق 67 ، فهي تعتمد على تصويت الأغلبية البرلمانية لصالح مشاريعها وقراراتها ، ولا تستطيع أي معارضة عقلانية الوقوف أمام جموح ما تُود الوصول إليه ، في قرارات ومشاريع عنصرية ضد الوسط العربي الفلسطيني في مناطق الجليل والمثلث والنقب ومدن الساحل الفلسطيني المختلطة ، وهي محصنة أمنياً وسياسياً من أحزاب الإستيطان ، وتجد الغطاء الحامي لقراراتها الإستعمارية في مناطق الإحتلال الثانية عام 1967 ، في الضفة والقدس والقطاع ، فقد خلصت إلى أن الثمن الأفضل لحياة المستوطنين الثلاثة ، هو الإستيطان ، والمزيد من الإستيطان ، أي نهب أرض الفلسطينيين وجعلها طاردة لأهلها وأصحابها .
وهي تجد الحماية الكاملة من قبل الولايات المتحدة الأميركية لمنع أي قرارات عقابية قد تتخذ ضدها ، في مجلس الأمن ، ولدى غيرها من المؤسسات الدولية ، تحول دون عزلها أو تقويض مكانتها ، أمام المجتمع الدولي ، فالكونغرس ، والبيت الأبيض ، والخارجية الأميركية ، وسي . أي . إيه ، والإعلام المسخر المسيطر عليه موظفاً لخدمة سياسات إسرائيل التوسعية الإستعمارية ، وتوفير الذرائع لكل ما تعمله من تجاوزات وخروقات وأفعال مشينة ضد حقوق الإنسان .
وهي متفوقة عسكرياً وتكنولوجياً وإستخبارياً وسياسياً وإقتصادياً على إمكانات الشعب العربي الفلسطيني ، وعلى محدودية قدراته ، وهو المستعمر ، المحاصر ، المشرد ، الممزق جغرافياً ، ما بين مناطق 48 ، ومناطق 67 ، وما بين الضفة والقدس والقطاع حيث يفتقد سكانها للتواصل الطبيعي ، وكذلك بينهم وبين شعبهم في مخيمات المنافي والشتات ، والذين يُعانون مثل الليبيين والسوريين والعراقيين من هجمات الموت والتفجيرات والجوع وفقدان الحق في العودة إلى بيوتهم في فلسطين ، وإلى تقرير مصيرهم وحياتهم وشكل معيشتهم .
ومع ذلك ، ورغم أن هذا الشعب المبلي بالإحتلال الأجنبي المتطرف ، الأحلالي الأقصائي الذي يستهدف التشرد والضياع للفلسطينيين عن وطنهم ، ولا يجد أشقاء وأصدقاء أقوياء على مستوى التحدي ، وبحجم معاناته وقسوة عدوه ، يمتلك من المبادرات المتقطعة الموجعة لمفاصل عدوه المتفوق ، في محطات متفرقة تعيد التأكيد أن الأستكانة والرضوخ للواقع ليس سمة ثابتة في حياته ، فالنهوض والنضال والإنتفاضة والإختراقات السياسية والدبلوماسية والصمود على الأرض ، وعلى طاولة الإهتمامات الدولية ، والتكيف مع عوامل الظلم لمواجهته ، هي الأساس المادي الذي يطبع حياته ، دائماً وبإستمرار ، وإلا لما بقي للأن على الأرض ، وعلى الطاولة الدولية ، شعباً وقضية عنوانها فلسطين ، نقيض إسرائيل ، ومشروعاً وطنياً ديمقراطياً في مواجهة مشروع إستعماري توسعي عنصري ، سواء في منطقة 48 أو منطقة 67 .
إختطاف المستوطنين الثلاثة يوم الخميس 12/ حزيران /2014 ، من منطقة مسيطر عليها أمنياً وعسكرياً إسرائيلياً ، عمل غير عادي ، وإختفائهم وإكتشاف جثثهم يوم الإثنين 30/حزيران/2014 ، مع معرفة هوية الخاطفين ، عمل خارق ، يتفوق على قدرات جيش الإحتلال وأجهزته الأمنية ، وصفعة قوية لكل سياسات حكومة المستوطنين ، وهي دلالة إضافية تراكمية على فشل مشروع الإحتلال برمته ، مما يستوجب التوقف ليس للبحث عن وسائل أقسى للتنكيل بالشعب العربي الفلسطيني ، وتخريب حياته وتدمير ممتلكاته ، بل هي حصيلة تستوجب لأن يقفز العقلاء – إن كان ثمة عقلاء – لدى الإسرائيليين ليرفعوا الصوت ، وإعلاء معايير المنطق والبحث عن القواسم المشتركة للحياة بندية وكرامة بين الفلسطينيين والإسرائيليين ، لا أن يبقى الفلسطيني ، دافعاً في الحالتين في حالة ضعفه ، وفي حالة مقاومته ، ثمن مشروع الإحتلال الأجنبي الإسرائيلي لوطنه .
لقد دفع الفلسطينييون ثمن إختطاف الثلاثة ، بعدد مضاعف ممن سقطوا ضحايا نيران جيش الإحتلال والمستوطنين ، والذين قتلوا من الفلسطينيين ، شباناً صغار ، لديهم عائلات تحزن ، وستبقى تفتقد لأولادها الذين حرموا منهم إلى الأبد ، ولذلك سيبقى الموت والعذاب والتنكيل وردات الفعل ، المشروعة وغير المشروعة ، قائمة ومتواصلة من الطرفين ، ضد الطرفين ، وسيبقى الإسرائيلي متفوقاً على الفلسطيني ، بحجم ما يسببه له من معاناة وقتل وإعتقال وعذاب ، لأن إمكاناته أقوى ، وفرص التفوق لديه متوفرة ، والدعم الدولي متواصل ، بينما يفتقد الفلسطيني للحد الأدنى من فرص الحياة والمقاومة والصمود ، ولذلك لا يتوفر لديه سوى لحمه ودمه يقدمهما قرباناً لكرامته ، ولحقه في الحياة في بيته ، وعلى أرضه ، ولكنه لن يستسلم ولن يخضع ، مهما تعاظمت التضحيات وإشتدت وسائل البطش ، لأنه بلا بديل وبلا خيار ، فالخيار الوحيد المتوفر لديه أن يبقى في فلسطين ، فوق الأرض حراً كريماً ، أو تحتها هادئاً بلا ضجيج .
h.faraneh@yahoo.com