قضايا جدلية في التمويل الإسلاميموجهة للباحثين(5)
(قضايا جدلية في التمويل الإسلامية) هذا عنوان الجلسة النقاشية التي عقدت مع طلبة الدراسات العليا في قسم الفقه وأصوله في رحاب الجامعة الإسلامية العالمية في ماليزيا بتاريخ 22/5/2014. وقد تناولت الجلسة المشكلات البحثية في خمسة موضوعات اقترحت تعميق البحث فيها من قبل طلبة الدراسات العليا. وسأعرض في هذا المقال لتحرير المشكلة البحثية في الجزء الثاني من الموضوع الرابع وهو ضمان الودائع المصرفية:
لا يخفى أن الودائع الجارية وتحت الطلب مضمونة على البنك بصفته مقترضًا حسب التكييف الفقهي، ويفرض عليها البنك المركزي احتياطيًا إجباريًا يُودَع لدى المركزي، ويجوز للبنك استعمال الجزء الباقي في استثمارات قصيرة الأجل مع الاحتفاظ بجزء سائل منها لمراعاة طلبات السحب الفورية. وبالتالي فإن ضمان هذه الودائع يقع على مساهمي البنك، ويتحملونه في رأس مال البنك، ولا يمكن للمساهمين تحقيق أي أرباح عند التصفية، ما لم تسلم هذه الودائع من الخسارة.
البنوك التقليدية تعامل الودائع الاستثمارية لأجل كمعاملة الودائع الجارية في الضمان لأنها قرض أيضًا، بينما تقوم الودائع لأجل في البنوك الإسلامية على أساس المضاربة والوكالة، وتكون غير مضمونة على البنك، لأن البنك أمين في التصرف فيها كمضارب أو وكيل. وقد طرحت وسائل داخلية وأخرى خارجية لتخفيف المخاطر وضمان الودائع الاستثمارية، ولا تزال بحاجة لمزيد من البحث والتحليل.
أما الوسائل الداخلية فتتمثل في تكوين مخصص مخاطر استثمار من حصة المودعين من أرباح المضاربة والوكالة، وتكون وظيفته ضمان الخسارة في رأس المال إن حدثت، على أن يؤول رصيد هذا المخصص للأعمال الخيرية عند إقفال الحسابات أو تصفية البنك ولا يؤول للبنك. ومن ثم يكون بمثابة المال الذي تبرع به المودعون الذي أسهموا في تكوينه. وذلك طبقًا لما انتهت إليه «أيوفي».
وأما الوسائل الخارجية فتتمثل في مؤسسة ضمان الودائع، وهي مطبقة في أكثر من دولة، منها الأردن، وحسب علمي سورية كانت تتجه لاستحداث هذه الآلية، كما اطلعت على مناقشات الزملاء في ماليزيا حول وجود مؤسسة مشابهة. وهي مؤسسة ذات طابع سيادي يؤسسها البنك المركزي ويساهم فيها منفرداً، أو تساهم فيها البنوك تبعاً لاختلاف التطبيقات. وسنتناول فيما يلي الحالتين. وفي أغلب الحالات تقوم هذه المؤسسة بتأسيس صندوق برأس مال معين لضمان الودائع.
الحالة الأولى: إذا كان رأس مال الصندوق من المركزي فقط، فإنه لا مانع شرعًا أن يضمن الصندوق الودائع الاستثمارية، لأن المركزي بمثابة الطرف الثالث المتبرع بالضمان، ولا مانع أن يعود رأس مال الصندوق إلى المركزي عند تصفيته. والأجر على الضمان يأخذ في الجملة الأحكام الشرعية التي سبق مناقشتها في المقال السابق غير أن هناك خصوصية لهذه الحالة تجعل الأمر أكثر سعة كما سيأتي.
فلو تحملت البنوك المصاريف الإدارية والعمومية التي تتطلبها إدارة أعمال الصندوق وأدائه لأعماله، فإنه لا يظهر للوهلة الأولى أي شبهة في ذلك، ويُعدُّ تغطية للمصاريف الفعلية للضمان التي يتكبدها الصندوق؛ بل إن ما يؤخذ من أجر على الضمان على شكل رسوم إذا لم يُغطِّ المصاريف الإدارية والعمومية للصندوق فإنه يُعدُّ تغطية لجزءِ من التكاليف المتكبدة. وهذه نقطة جديرة بالفحص والتحليل الفقهي وجوازها سيفتح آفاقًا واسعة لإنشاء مثل هذه المؤسسات تحت مظلة البنوك المركزية.
الحالة الثانية: إذا أسهمت البنوك في رأس مال الصندوق الضامن، فإن كان مآل حصة البنوك عند تصفية الصندوق إلى الأعمال الخيرية أو إلى البنك المركزي فلا شبهة في الضمان، ويعد الصندوق بمثابة الطرف الثالث. والأجر على الضمان يخضع للتفصيل الذي ذكر في الفقرة السابقة.
أما إذا كان شرط تصفية الصندوق أن تعود مساهمات البنوك إلى البنوك، فإن الشبهة قوية في ضمان البنوك للودائع الاستثمارية، وتقوى الشُّبهة لو كان هذا الضمان منصوصًا عليه في عقد الوديعة مع البنك، أو مقررًا بموجب القانون.
لو فرضنا أن الصندوق مكون من مساهمات البنوك (أ) و(ب) و(ج)، وتقوم هيكلته على أن مساهمات الصندوق عدا حصة البنك (أ) ضامنة لودائع البنك (أ)، ومساهمات الصندوق عدا حصة البنك (ب) ضامنة لودائع البنك (ب) ومساهمات الصندوق عدا حصة البنك (ج) ضامنة لودائع البنك (ج) فهل توجد شبهة في هذا الضمان؟ الشبهة الوحيدة هي «اضمني أضمنك»، وهي من نوع شبهة أقرضني أقرضك. إن قضايا ضمان الودائع من خلال مؤسسة ضمان الودائع التي يؤسسها المركزي تختلف عن حالات الضمان المباشر، وهناك فرصة لتقديم حلول إبداعية لضمان الودائع في البنوك الإسلامية، من خلال تعميق التصورات عن هذه المؤسسات وهيكلها المالي، وآليات ضمانها، وفي كل الأحوال يجب إخضاع هذه الحلول للمناقشة والتحليل من خلال الأبحاث المتخصصة.