محمد خروب
ما ذهب اليه رئيس الدبلوماسية الاميركية جون كيري في «طلبه» من فخامة الرئيس احمد عوينان الجربا رئيس إئتلاف اسطنبول خلال اللقاء الذي جمعهما قبل يومين، بأن تساهم «قوات» المعارضة السورية «المعتدلة» في محاربة تنظيم داعش في «العراق» نظراً للامتداد «العشائري» لقبيلة الجربا في كل من سوريا والعراق، لا يعدو كونه «استغباء» لكل من يحمل عقلاً او يسعى لتوظيفه في اطفاء الحرائق المشتعلة في المنطقة، والتي لا يستطيع احد مهما بلغ من حسن نية او ثقة بالدولة التي «لا غنى» للبشرية عنها كونها، ورهط مواطنيها «استثناء» في التاريخ الحديث، ونقصد الولايات المتحدة الاميركية، ان يعفيها من مسؤولية الكوارث التي لحقت بالشعوب العربية وعلى رأسها الشعب الفلسطيني ثم العراقي ولاحقاً السوري دون اهمال الكارثة الليبية والمأساة اليمنية وما الحقه الاخوان المسلمون من خراب وسفك للدماء في مصر.
وإذا كان حامل جائزة نوبل «للسلام» قد تراجع في اقل من اسبوع واحد عن موقفه من المعارضة السورية «المعتدلة» ليطلب من الكونغرس تخصيص نصف مليار دولار كي يتولى تأهيل وتدريب مقاتليها، بعد ان كان اعتبر ان الرهان على امكانية هزيمة النظام السوري من قِبَل هذه المعارضة، لا يعدو كونه «فانتازيا».. فإن من السذاجة الاعتقاد ان الدولة التي ما تزال ترى في نفسها القوة الاعظم، لديها استراتيجية او رؤية واضحة، بعد ان فاجأها الحدث العراقي وأربك خططها (المرتبكة اصلاً) استحواذ قوات البيشمركة الكردية على مدينة كركوك، ثم إعلان مسعود برزاني ان المادة 140 سقطت (نصّت على اجراء استفتاء شعبي لسكان المدينة، بهدف تقرير مستقبلها في ما إذا كانت ستبقى في اطار المركز أم تتبع لاقليم كردستان على ان يتم الاستفتاء في العام 2007، لكن المسألة خضعت لمساومات وحسابات وتجاذبات لم تسفر عن تطبيقها).
ثمة، إذا خطوتان اميركيتان يصعب على أحد التكهن بالمدى الذي ستصلانه، إن على مستوى المضي قدماً في اعادة تأهيل المعارضة السورية المعتدلة، بمعنى العودة الى «حلم» اسقاط النظام السوري واطلاق رصاصة الرحمة على اي محاولات لايجاد حل سياسي للازمة المتمادية. وما يمكن تفسيره بأنه محاولة لمنع قيام اي تنسيق «عسكري» بين بغداد ودمشق, أقلّه في توجيه ضربات جويّة لقطع طرق الامداد والحد من حرية الحركة لمسلحي داعش الذين استطاعوا ايجاد نقطة التقاء بين المراكز الحدودية الواقعة بين محافظة الرقة ومحافظات الشمال الغربي العراقي بعد سقوط الموصل في أيدي داعش..
اللافت بل وربما المثير للسخرية, هو هذه الاستدارة الاميركية، التي بعد ان كادت تغسل يديها من ائتلاف الجربا الممزق والمتصدع وتواصل الاستقالات وتبادل الاتهامات بسرقة الاموال وغيرها مما تحفل به اوساط هذا الائتلاف وحكومته الشبحية, فاذا بها تبعث الى الحياة جثة سياسية عفنة, ما عاد الرهان عليها مجدياً، وكل ما بقي منه، لا يعدو كونه ديكوراً دبلوماسياً, يسعى مشغلوه وممولوه للإبقاء عليه كحصان طروادة، لابتزاز النظام السوري, الذي لم تعد مسألة اسقاطه موجودة اصلاً على جدول اعمال اصدقاء سوريا, بل ثمة منهم وخصوصاً اوروبياً, مَنْ يُنسّق معه «أمنياً» ويتبادل معه المعلومات حول «إرهابيّيه» الذين يخشى عودتهم كانتحاريين أو قنابل متكتكة..
اياً كانت الخطوة الاميركية التالية, فإن الواضح حتى الان هو غياب اي قرار اميركي حاسم، ازاء افرازات الحدث العراقي الدراماتيكي, الذي أعاد خلط الاوراق، وربما أسهم في نسف كل التحالفات والاصطفافات, التي كانت قيد البروز والتشكّل, بعد أن بدا وكأن اتفاقاً «نهائياً» بين مجموعة 5 + 1 وايران على وشك الانجاز, وبعد أن نجح نوري المالكي في الظهور كرجل يحظى بشعبية داخلية، اشّرت عليها نتائج انتخابات 30 نيسان الماضي (95 مقعداً من اصل 328 فيما الكتلة التي تليه لم تحصل سوى على 34 مقعداً).. واقترب النظام السوري من انهاء التمرد المسلّح، الذي تقلصت هوامش مناورته بازدياد عمليات المصالحة وتسارع وتيرة تسوية اوضاع المسلحين, بعد أن تيقّنوا انه جرى تضليلهم واستُخدموا لتدمير وطنهم ودولتهم وتحويلهم الى كمّ من اللاجئين.
هل قلتم حكومة احمد طعمة والمجلس العسكري ورئيس الاركان عبدالاله البشير؟
لا داعي لإجهاد أنفسكم في التساؤل عن سرّ هذا «الانفجار» في اوضاع الجثة المسماة حكومة المعارضة, أوالإتكاء على الفشل المتواصل الذي «سجّله» البشير ومجلسه العسكري’ فالصراع المندلع انما حول «المصاري» فهناك نصف مليار دولار سيتفضل بها السيد الاميركي، على «المعتدلين» من الثوار, فمن الذي سيقبضها؟ والى أي بنك وجهتها؟.
لهذا انحاز الجربا لرئيس أركانه، وربما «ينتصر» أحمد طعمة لكرامته ويستقيل.. ربما.