لم يجد علمانيو تركيا وأركان الجناح القومي اليميني فيها، سوى أكمل الدين إحسان أوغلو، الأمين العام السابق لمجلس التعاون الإسلامي، كي ينافس رجب طيب أردوغان في انتخابات رئاسة الجمهورية الوشيكة (10 آب القريب) في إشارة لا تخلو من «اعتراف» بأنّ المعارضة التركية بتشكيلاتها المختلفة، علمانية وقومية ويسارية، وربما كردية وأيضاً إسلامية «معتدلة» (جماعة فتح الله غولن) باتت عاجزة عن «إنتاج» شخصية من صفوفها، قادرة على مواجهة «شعبويّة» أردوغان ومنافسته وربما دحره، إذا ما استطاعت تجاوز خلافاتها والتجسير على هوة الشكوك، وانعدام الثقة بين مكوناتها والتي اسهمت في تغوّل أردوغان وتحويل تركيا إلى دولة «بوليسية» بعد أن دجّن القضاء ونجح في التنكيل برموزه الذين احترموا مهمة حراسة العدالة المنوطة بهم، واصرّوا على أداء دورهم بعيداً عن «جَزَرْ» السلطة أو الخضوع لِـ (عِصِيّها) وقمعها، ناهيك عن إطاحة أردوغان بكل من يقف في وجهه وتسخير أجهزة الأمن والاستخبارات لإسكات كل صوت معارض في طمس مقصود وغرور لا حدود له، على أبسط قواعد الديمقراطية، وهي حرية التعبير وحق التظاهر السلمي، ما بالك في تكميم أفواه الصحفيين والزجّ بمن يجرؤ منهم على قول الحقيقة، في السجون وإغلاق مواقع التواصل الاجتماعي، فيما لم تستطع المعارضة انجاز اي «نقطة» على جدول أعمالها حتى في الانتخابات البلدية الأخيرة (30 آذار الماضي) عندما اثبتت «محتويات» صناديق الاقتراع، بؤس الخطاب المعارض، والفشل في «تثمير» تداعيات عواصف الفساد التي اقتلعت جذور العفّة وطهارة الأيادي، التي حاول أردوغان وحزب العدالة والتنمية الذي يرأسه التمترس خلفها، ومواصلة ارتداء اقنعتها المزيفة.
ما علينا
أكمل-الدين إحسان أوغلو، شخصية ذات جذور إسلامية (بالمعنى السياسي) وهو من الدائرة الضيقة المحسوبة على جناح أردوغان - غُلّ، وبخاصة بعد أن قرّر هذا «الثنائي» التمرّد على «المعلم» نجم الدين أربكان، وقيادة انشقاق عنه، وصفاه بأنه خطوة نحو تجديد خطاب الحركة الإسلامية التركية، التي لم ينجح «المعلم» اربكان في مغادرة مربع خطابها «التقليدي» وغير الجماهيري.. بل ثمة من يؤشر الى حقيقة أن إحسان اوغلو في الاساس، هو مرشح حزب العدالة والتنمية لشغل هذا المنصب «الإسلامي» الرفيع, في منظمة سعت انقرة الى لعب دور مؤثر فيها، استظلالاً بالعباءة الاسلامية وترويجاً للاسلام السياسي بنسخته العثمانية، ودائماً الاختراق «الأطلسي» لهذه المنظمة التي «قامت» في الاساس لنصرة القدس ومقدساتها, لكنها وكما هو «مكتوب» لها في دفاتر الممولين والرعاة والمراقبين ومن يتولون «املاء» نصوص البيانات الختامية، لم يتعد دورها الكلام الانشائي, الذي يقول كل شيء ولا يقول شيئاً في واقع الحال, على النحو الذي اعتادت إسرائيل ان تسمعه منذ سبعة عقود تقريباً من جامعة الدول العربية ومن مؤسسة القمة العربية دع عنك بيانات منظمة المؤتمر الاسلامي, الذي لم يتغير فيها شيء، سوى اسمها، ليغدو منظمة «التعاون» الإسلامي, أما على ماذا ولماذا وكيف ولمِنْ «تتعاون»؟ فهذه أمور سريّة لا يعلمها الا الخالق جلّت قدرته والراسخون في قبض الرواتب وتلقّي الامتيازات وتدبيج البيانات وتجويد السفرات والاقامات الفندقية الفاخرة.
أفلست المعارضة التركية اذاً, فتدعثرت بإسلامي «صديق» بل مقرب لأردوغان، كي يتمترس في الخندق المقابل, علّه يَغْرِفُ من مَعين أصواته, وهو امر مشكوك فيه, إذا ما قورن الرجل الذي يسبق اسمه لقب البروفسور, بلاعب كرة القدم في أحياء اسطنبول الشعبية وبائع الكعك السميط ورئيس بلدية اسطنبول والخطيب المفوّه، سريع الغضب وصاحب اللسان السليط, الذي يخاطب غرائز الجمهور ويستدر «أصواته» وخصوصاً في مخاطبه عواطفه ومشاعره الدينية.
ثم... «قد» يوجه احسان اوغلو صفعة لزعيم حزب الشعب الجمهوري (العلماني) كمال قيلتشدار اوغلو ودولت بهشلي زعيم حزب الحركة القومية اليميني, اذا ما انسحب في النهاية وآثر التقاعد بسلام بعيداً، عن هجمات ولسعات واساءات اردوغان واتهاماته له بالخيانة أو «نقص» في اسلاميته، وأن ترشحه جاء عبر «تنسيق» مع دول اقليمية ودولية «تحسد» تركيا على نهضتها ودورها وتريد وراثة دورها الإقليمي والدولي ودحرها الى الخلف.
لافت في تطورات المنافسة على منصب رئيس الجمهورية التركية، ان «معارضات» كانت ذات حضور وادوار قويّة، غدت بلا انياب ودبّت في صفوفها الخلافات والمشاحنات، ولم تستطع طوال اثني عشر عاماً توحيد صفوفها أوالاتفاق على «قواسم» الحد الادنى وتقديم الاستراتيجي على التكتيكي والاساسي على الثانوي، لطيّ صفحة اردوغان وحزبه, أقّله في إجباره، ليس على الجلوس في مقاعد المعارضة، وإنما دفعه لتشكيل ائتلاف حكومي يقدم من خلاله التنازلات..
.. هل تنجح المعارضات التركية في «اجلاس» اكمل الدين احسان اوغلو في قصر شنقايا بأنقرة؟
- اسألوا «المعارضات» العربية اولاً، وهي التي اشهرت افلاسها منذ وقت طويل.