هل سينضم العقيد القذافي إلى قائمة الزعماء "المخلوعين"؟ لا نستبعد ذلك بالطبع ، فقد انطلقت شرارة "الثورة" من بنغازي والمناطق الشرقية ووصلت إلى طرابلس ، واضطر النظام بعد أيام طويلة من الانكار والمراوغة ان يعترف "بقيامة" الشعب وان يتنازل لتلبية مطالبه ، ولكن يبدو ان الزمان قد فات ، وان "غضب" الناس قد انفجر بحيث لا يمكن وقفه الا "باسقاط" النظام ، هذا الذي ظل يردد "قائده" بان ليبيا ليست مثل تونس ومصر ، وبان "الدهماء" الذي وضعهم على الكراسي لاقناعهم "بالديمقراطية" على مقاس "تعليمات" الكتاب الاخضر ، والميثاق الشعبي ، قد تحرروا من هذه الاكاذيب وكسروا حاجز الخوف من "الزعيم الاوحد" ونظامه الذي اطبق على رقابهم 42 عاما فانطلقوا لصناعة "ثورتهم" بارادتهم وتقرير مصيرهم الذي اختطفه "القائد" الملهم.
لم يفاجئنا احفاد عمر المختار بهذه الثورة ، فقد تحولت ليبيا في عهد القذافي الى "معسكر" فقير ، تحرسه مافيات الفساد ، وتعبث به اللجان الثورية ، وتحول "النفط" الى نقمة على الشعب ، فملياراته توزع على المقربين وعلى "مشروعات" النضال التي تستهوي القائد خارج البلاد ، ولا احد يستطيع ان يقول: لا لما يقرره العقيد المطلق الصلاحيات ، فهو يحكم باسم الشعب الذي لا يعترف به اصلا ، وهو يؤمن بان الديمقراطية وصفة غربية مغشوشة ، ولهذا فهي "تسقط شرعا" لانها تخالف "تعاليم" الكتاب الاخضر ، وهو لا يريد ان يتحول الشعب الليبي العظيم الى شعب "ديمقراطي" لان الديمقراطيات الغربية حوّلت شعوبها الى مجرد "كلاب تنبح".
هل يستحق هذا الرجل ان يقود الشعب الليبي الى "الاصلاح"؟ وهل يمكن ان يثق اخواننا الليبيون الذين جربوا "العقيد" بما يطرحه عليهم نجله المهندس من وعود؟ وهل يستطيع هذا المجتمع القبلي ان يتجاوز امتحان "الدم" والمجازر التي ارتكبت بحقه في الايام الاخيرة ليصالح النظام؟ اعتقد ان المشهد الليبي مفتوح على كل الاحتمالات: احتمال نجاح الثورة وهروب القذافي كما سبق في مصر وتونس ، واحتمال الحرب الاهلية التي هدد بها سيف الاسلام في خطابه الاخير ، واحتمال اجهاض الثورة بالقمع ، هذا الذي ما زال متواصلا وراح ضحيته آلاف الشهداء والجرحى حتى الآن.
ومهما يكن الاحتمال المرجّح فان ثمة ما يمكن ان نطمئن اليه وهو ان "شرعية" النظام "القذافي" قد سقطت تماما ، وان استمراره - ان حدث - سيظل "ملطخا" بدماء شعبه الذي اجهز عليه بالدبابات والطائرات وان هذه "الثورة" الشعبية العفوية التي هزّت عرش "القائد" وانتصرت لارادة الشعب قد كشفت بؤس "النظام" وتعاليمه وممارساته "الدموية" وكشفت شجاعة الشعب واستعداده للتضحية من اجل استقلاله وكرامته ، كما كشفت ايضا علاقة "التواطؤ" بين العقيد وكثير من الدول الغربية التي كان "يشتمها" حين لم تحرك ساكنا لدعم "احتجاجات الناس" وثورتهم العادلة.
قد يبدو نموذج "الثورة" الليبية مختلفا عن النموذجين المصري والتونسي وقد تكون تكلفة "التغيير" باهضة وثقيلة ، وقد تكون الاحتمالات مفتوحة على اكثر من نتيجة ، لكن المؤكد ان الشعب الذي صمت اكثر من اربعين عاما قد خرج وقال كلمته وضحّى من اجل مستقبلة بدمائه وارواحه ، والمؤكد ايضا ان النظام الذي باعنا "الثورة" قد سقط ايضا على يد "ثورة" جديدة.. ارادها الشعب بيضاء لكن القائد اصرّ على ان يلوّنها بدم شعبه ، هذا الذي لم يكن يوما يقيم له وزنا او اعتبارا.