أخبار البلد - د. مهند مبيضين
لا تتعادل السياسة المعلنة مع الخبرات والتجارب، لكنها أزمنة الدولة التي تقتضي التجديد، وتلوح دوما بالإفادة من خبرات أبنائها كل بما وهب من قدرات وتجارب هي حصيلة المسار الطويل للتجربة التي أوجدت لهذه الدولة كيانيتها المستقرة ونظامها المتين، والذي كان قادرا دوما على إجراء كل ما يحتاجه من تحولات وتبدلات، دونما التفات للإقليم الذي يمور احداثا هي اليوم الأكثر هولا.
في هذا الصدد كانت تبدلات الأعيان وتعيين مجلس جديد، في عدد جديد، وبرئاسة جديدة، يعرف عنها أنها صناعة وطنية خالصة، تميل للواقع وتقرأ الراهن ولا تحبب الشطط في التوقعات وعقد الآمال، وما جاء بها قوة الدستور التي أعطت للملك حق الاختيار لرئيس مجلس الأعيان،والرجل الذي يتولى اليوم سدة رئاسة الأعيان صاحب رأي وتجارب وهو من أكثر المدافعين عن حضور الدولة والإبقاء عليها في حياة مجتمعها في مواجهة دعوات أخرى كانت ترى في الليبرالية السياسية والتحرر الاقتصادي سبيلا للنهوض، فعبد الرؤوف الروابدة كان دوما غير متعلق بالنظريات الطارئة لإدارة الدولة، إذ ظل يرى أن أولوية مكانة السياسي في الدولة النامية ومنها الأردن يتجلى في تدخل الدولة في الميدان الاقتصادي دونما هيمنة كاملة عليه، أي بفسح معقولة لتكوين قطاع خاص محترم ووطني، والدولة هنا ليست بصفة منشط ومخطط ومنسق فحسب، بل كذلك بصفة منتج ومدير، وهذا ما يصطلح عليه عادة بالدولتيةetatisme ، وهذا التدخل يحمل نتيجتين سياسيتين أولهما أن الدولة تغدو قوية لأنها تسيطر الآن على منظومة السلطة ومنظومة الثروة معاً، والثانية أن شرعية النظام والحكم عامة ستصبح مرتبة ارتباطا وثيقا بمنجزها وأدائها الاقتصادي وعملية التحديث السياسي التي تمر بهدوء دونما قفز مستعجل، لإصلاح يسبق تغيير العقليات وتحديث بنى المجتمع.
وفي الخبرة والتحديات الراهنة فإن الرجل حضر في الأعوام الثلاثة الأخيرة في الربيع الأردني بكل ما يقتضي الحضور من ثبات وتجلٍ وواجه الأسئلة والتهم والنقد، ولم يبخل على أي فعالية في قرية او مخيم أو نادي ليحدث الناس بشرعية الدولة وقوتها ويذكر بما انجزه الأردنيون، لقد شكل مع مجموعة كبيرة من الرجالات الوطنية صوتا منبها لمخاطر الهوى وغواية الربيع المكلفة، وكان ومعه رجالات محترمون يدعون للتعقل والتدرج والإصلاح ومحاربة الفساد.
هو من مصنع قماشة الدولة والمجتمع، وابن عائلة تشبه الكل غربا وشرقا، وفي التقييم يحسب لتجربة الصعود الذاتي حسابات تقدير وفرادة، ومن يعرفه حقا ويرقبه فهو يفتح داراته للبسطاء مثلما هي للنخب، ويقضي حاجاتهم، ويفسح لهم أداورا في الدولة والتمثيل وفي الفرص، ومن يستمع له عن قراءاته ومطالعاته في السياسية والقانون أو في مواقيت المطر والزرع يدرك أن الخبرة ليست في الدرجات العلمية وحدها او في الحياة الحزبية دون سواها، إنها في عمق الوعي والإدراك للزمان والمقاصد البشرية.
خبرتا الأعيان، المصري المغادر والذي سيظل ديمقراطيا منحازاً للإصلاح حاضراً متألقاً بين محبيه وناسه من كل أصقاع الوطن، والروابدة الفلاح القانوني والبيروقراطي وصاحب الرصيد الأيديولوجي والذي يتخذ الموقف ولا يتستر بغيره،هما رصيد اردني للجميع، والتأويل في التعيين أو اعتبار مغادرة المصري رسالة معينة أو إقصاء سياسي، هو نوع من البحث عن سراب.
وأمام الروابدة ومجلس الأعيان اختبار كبير، وهو الانحياز للحرية والإصلاح والعدالة والديمقراطية، وتطوير مسارنا السياسي الإصلاحي بشكل ينسجم ورؤى لملك وتطلعات الأردنيين.
Mohannad974@yahoo.com