د.تيسير الغول
ثمة تشابه بين عصير التفاح والخمر، فكلاهما يميل إلى الحمرة الفاتحة النقيّة وكلاهما جذاب مميز يعبّأ في زجاجة شفافة ذات رأس جميل وعنق طويل, إلاّ أنّ عصير التفاح لذيذ ومنعش للبدن والخمر، على ذمّة من شربوه وخبروه، منعش للروح مهدئ للرأس.
لا يُلام الشعب الأردني إذا غم عليه الأمر فلم يستطع أن يفرّق بين عصير التفاح وخلاصة الخمر، وهو لا يلام أيضاً إذا لم يستطع أن يفرّق لجهله وقلّة خبرته بين القمار والاستثمار لأن هناك شعرة صغيرة تفصل بينهما، فهذا يجلب المال على خطورة وخوف وحرص وذاك يجلب المال على سهولة دون عناء أو مشقة. ولا يلام الأردني أيضاً إذا لم يكتشف الفرق في الأداء بين مجلس النواب الحالي والسابق وبين الحكومة الحالية والسابقة, فهذه أشياء ومسميات متكررة متشابهة عاشها المواطن وبلغ بها سن اليأس، فلا لوم عليه في جهله لها ولا مؤاخذة.
الفتوى الشرعية تقول إنّ الذي يشرب الخمر يحسبه عصيراً فلا يقام عليه الحدّ ولا إثم عليه. والذكي هو الذي يبرر المواقف التي يتعرّض لها ويصنع منها أكذوبة يصدّقها الناس, فيجعل من القمار استثماراً ومن التصوير الحيّ سرابا وفبركة وتحايلا.
هنيئاً للحكومة بهكذا شعب فهو يصدِّق كل ما يقال له, بل إنّه يعتقد أنّه يعيش حياة ديمقراطية سعيدة, وأنّ الإصلاح في ذروة سنامه ونجاحه وأنّ مجلس النواب الأردني شرعي المولد والنسب، وأنّ الحكومة خرجت من رحم طاهر معقود عليه عقداً شرعياً لا سفاح فيه ولا «لغوصة» وأنّ قضايا الفساد قد حوكم رؤوسها ولم يعد هناك أحد إلاّ ونال جزاءه. وأنّ الولاية العامة عادت إلى أصحابها الشرعيين، فلم يعد هناك أيدٍ خفية تتحكم بسير الانتخابات ونتائجها أو تتحكم بنوع الجنين الذي ترتضيه لنفسها فتُجري عليه التجارب والمآرب, والكل ولله الحمد يعيش في أمن وأمان ورضى واطمئنان.
أيها الحاكمون والمسؤولون الطيبون، أعياناً ونواباً ووزراء، نحن نثق بكم ولا نظنّ فيكم السوء ونفترض فيكم الإخلاص والمحبة لهذا الوطن, ولكن احذروا من تلك المتشابهات التي غمّت علينا, فإنّ البرلمان والحكومة وعصير التفاح والخمر إضافة إلى الميسر والقمار كلها أسماء لأشياء مختلفة في الظاهر ولكنها متشابهة في الباطن. إنّها تحوي رابط عجيب وقاسم مشترك، فهي كلها تجلب الدوار والدوخة والحيرة والاندهاش، فهل أنتم عنها منتهون؟