حارث عواد
في زيارة قمت بها إلى اسطنبول الأسبوع الماضي، شاهدت المشاريع التي تعمل الحكومة والبلدية على انجازها، رأيت مشروع الاسكانات، ومشروع الباص السريع، ومشاريع تجميل الأرصفة والطرقات، ومشاريع المترو، ورأيت مدى التقدم الذي أنجزته الحكومة وبلدية اسطنبول في تلك الملفات، وحجم الفائدة المتحققة من وراء انجاز تلك المشاريع لعامة الناس.
وشرعت في الوقت ذاته في مقارنة حجم الانجاز في تلك المشروعات في تركيا، وحجم التعطل في تلك المشروعات في الأردن.
وأخذت أقارن ما بين عمان واسطنبول، وأتساءل: لماذا أنجز مشروع الاسكان ونجح في تركيا، واستفادت منه آلاف الأسر، ولم ينجح مشروع «سكن كريم لعيش كريم» في الأردن، وتحول إلى قضية فساد كبيرة منظورة في هيئة مكافحة الفساد، تقدر قيمتها بأكثر من 400 مليون دينار؟
الحكومة والبلدية في تركيا تعاونتا وهَيَّأتا سبل نجاح «مشرع سكن كريم» في اسطنبول؛ حيث اختيار المكان المناسب، ومَدَّته بكل البنى التحتية اللازمة من: مراكز صحية ومدارس ومساجد وملاعب ومتنزهات، لقد رأيت في كل مشروع حديقة، وفي كل حديقة نادياً رياضياً مجانياً «GM» لسكان المشروع يحتوي على معدات رياضية، ناهيك عن مصفات السيارات، وأخرى للزوار.
الحقيقة الدقيقة هنا أن «نظافة اليد» والرقابة الحكومية جعلت تلك المشاريع ترى النور، وفي أبهى صورة.
بينما لك أن تتصور مشروع «سكن كريم لعيش كريم» في ماركا أو في الخشافية على طريق سحاب، ولك أن تقارن المكان بذلك المكان، والبنى التحتية وغيرها، حيث رفض الكثير من المواطنين -رغم الحاجة الماسة إلى سكن يؤويهم- التسجيل للحصول على شقة في تلك الإسكانات. ولا نريد أن نخوض في التشققات التي ظهرت في تلك المشاريع بعيد استلام المواطنين لها في العقبة وغيرها.
ضعف الرقابة الحكومية، والتطاول على المال العام، و»قذارة اليد» أبرز سمات مشروع «سكن كريم لعيش كريم» في الأردن.
وأيضا، لماذا نجح مشروع الباص السريع في تركيا، ويستفيد منه مئات الآلاف من المواطنين في اسطنبول الان؟ وفي الوقت ذات فشل مشروع الباص السريع في عمان، وتحول إلى قضية رأي عام بين مدعٍ أن المشروع شابه الفساد، وبين من يرى عدم جدوى المشروع، على الرغم من الفائدة العظيمة المرجوة من المشروع في حال تم انجازه والانتهاء منه؟
لماذا لم تستطع الحكومات المتعاقبة إنجاز مشروع القطار السريع، أو على الأقل قطع بعض الخطوات فيه، بينما مشاريع المترو في تركيا تعد العصب الرئيس للنقل في اسطنبول وتركيا على وجه العموم، وتنقل ملايين الموظفين والعمال يوميا إلى أماكن عملهم؟!
التساؤل الذي دار في ذهني انتقل من عالم المال والاعمال إلى السياسة، وأخذت أقارن ما بين النظام السياسي في الأردن وتركيا، وهل هناك علاقة ما بين الاقتصاد والسياسة، وهل الإصلاح السياسي مقدمة للإصلاح الاقتصادي أم إنه لا يجوز الربط بينهما.
وهل النجاح التركي في سداد الديون ورفع معدلات النمو، ورفع نصيب الفرد من 3300 دولار سنويا إلى 11000 دولار، وتقدم الاقتصاد التركي إلى المرتبة 16 عالميا، وإلى المرتبة السادسة على مستوى اوروبا، بعد أن كان متخلفاً إلى الوراء، وهل ازدياد عدد المستشفيات والمدارس والجامعات إلى أضعاف ما كانت عليه، سببه الرئيس الديمقراطية الحقيقية، وأن الشعب انتخب من يحكمه، أم إنه لاعلاقة للاقتصاد بالسياسة البتة.
عندما سئل رئيس الوزراء التركي عن الانجازات الكبيرة لحكومته؟ قال: «أنا لا أسرق».
تلك هي باختصار أهم المفاتيح لتحقيق الانجازات: «عدم السرقة» والتطاول على المال العام وغياب المساءلة الحقيقية.
ولماذا لم تستطع الحكومات المتعاقبة النجاح في أحد المشاريع المشار إليها، أو أي من المشاريع الكبرى التي يحتاجها الوطن والمواطن؟ هل لأنها حكومات غير منتخبة؛ وبالتالي لا تخضع لمحاسبة الشعب، ولا يَمثُل أمامها أي تحد للنجاح والتقدم، هذا إن فرضنا «نظافة اليد» واستبعدنا عامل «السرقة» في المعادلة.
لم أصل إلى نتيجة: هل الإصلاح السياسي مقدمة للنجاح الاقتصادي، أم العكس، أم لا رابط بينهما.
وبقي السؤال لماذا نجحت تركيا وفشل الأردن؟