الشيء المتفق عليه بين الجميع موالاة ومعارضة بخصوص تشكيلة حكومة الدكتور عبدالله النسور أن أبا زهير أثبت أنه سياسي ذكي ومحنك، وان النواب يفتقدون الحد الأدنى لفهم قواعد اللعبة السياسية، فقد تلاعب النسور بالنواب في جلسات مفاوضات ماراثونية، كما يحب بعضهم وصفها، والواقع أنها لم تكن سوى مضيعة للوقت.
ومنذ البداية أوصل لهم رسالة أن «توزير» النواب غير وارد في هذه الحكومة، لكن الكتل النيابية التي شكلت على عجل وبسرعة فاقت سرعة الصوت دون قواسم مشتركة بين أعضائها، وبضغط وإيحاء من جهات صاحبة قرار واصلت الضغط باتجاه «توزير» النواب. وكان واضحا أن النسور اصطاد النواب وجرهم إلى «بيت الضبع»، إلى حضن الحكومة البارد كليلة كانونية، بسهولة وبذكاء ليحول أنظارهم جملة وتفصيلا إلى قضية واحدة وهي«توزير» أو عدم «توزير» النواب.
ولم نسمع حديثا واحدا يتعلق بالبرامج أو بخطط الحكومة للمرحلة المقبلة، أو ما هي القوانين التي يجب أن تأخذ صفة الاستعجال لإقرارها دون إبطاء، أو محاول طرح مبادرة وطنية لإنهاء حالة الاحتقان الداخلي التي خلفها قانون الانتخاب والتقدم السلحفائي بالإصلاح، والحديث الوحيد الذي حمل مؤشرات بدت إيجابية في البداية كان حول الأسعار، وبأن الرئيس النسور وعد النواب أنه لن يرفع أسعار الكهرباء، وبأنه لن يرفع الأسعار إلا بالتشاور مع النواب وإذا رفضوا فهو سيأخذ هذا القرار دون الرجوع إلى أحد.
لن نقول كلاما من شأنه أن يفهم أننا نحرض النواب على الثورة على الرئيس، لأن مثل هذا التحريض سيكون مضيعة للوقت، فتركيبة المجلس والطريقة التي وصل بها بعضهم إلى القبة، ودور بعض الجهات في إيصال نواب بعينهم الى المجلس، تقول إن «قد أسمعت لو ناديت حيا».
النسور وبجرأة تحسب له لا عليه، قال إنه لم «يوزّر» بعض النواب لأنه لا يعرف معظمهم، كما أنه لم يرغب في «توزير» النواب حتى لا يحكم على التجربة في الفشل وهي في بداياتها، وبأن «توزير» النواب سيكون ممكنا في التعديل الوزاري المقبل بعد أن يتعرف على النواب، وذكر أن هناك نحو 91 نائبا جديدا لا يعرف عنهم الكثير، لكنه لم يذكر النواب الــ49 الذين يعرفهم جيدا وبعضهم كانوا زملاء له، وكان بإمكانه « توزير» بعضهم لو وجدت النية والرغبة من الأساس.
وكان واضحا أنه ضمن أي سيناريو مستقبلي لــ»توزير» النواب فإن الحقائب الوزارية التي ستعطى لهم ستكون عبارة عن جوائز ترضية، فهي وزارت غير سيادية، ويمكن القول إنها برتوكولية في بعضها مثل وزير دولة أو ما شابه ذلك، لذلك أسند الرئيس إلى بعض الوزراء أكثر من حقيبة تمهيدا للفصل في المستقبل ترضية للنواب أو ربما جهات أخرى مثل وزارات: السياحة والبلديات والاتصالات والتموين والنقل والمياه والزراعة.
وحين يترك النسور الباب مواربا أمام «توزير» النواب فهو في الواقع يبقيهم ضمن قبضة يده ورهن إشارته للحصول على ثقة غير مسبوقة، يلقي الطعم ولا يستعجل اصطياد السمكة الكبيرة، فهي لا محالة ستأتي إلى الطعم وستقع في النهاية في سلة النسور قبل غروب شمس ذلك اليوم الذي لا ريب فيه.
بقلم: علي سعادة