في الديموقراطية ليست هناك خلافات دائمة، وفي السياسة ثمة مصالح لكل طرف، يحاول أن يحققها بأقل قدر من الخسائر، إذا لم يكن رابحاً.. وفي العمل العام، والسياسي بشكل خاص، ثمة أعراف عمل وأخلاقيات عمل، لا يجوز، تجاوزها، ومع أن كثيرين يسمون العمل السياسي بـ « اللعبة السياسية « إلا أنني لا أميل إلى ذلك لأنها عملية مركبة، وتحتاج إلى وعي وإدراك وصبر ومثابرة، وخبرات تراكمية لا يحسنها أي شخص، حتى وإن ظنّ أنه قادر عليها !
انها ليست « لعبة» على الاطلاق !
ما يحدث في بلدنا، داخل أروقة مجلس الامة، ومجلس النواب بشكل خاص، وتحت القبّة أحياناً، لا يختلف عمّا يحدث في دول أخرى بعضها عربية ومنها أجنبية ومتقدمة، غير أن ممارساتنا توضع تحت « المجهر « أكثر من غيرها، وتصبح نوعاً من الفضائح السياسية التي لا تغتفر.
لستُ في معرض التَّسْويغ أوإيجاد الاعذار، لكن التجاوزات التي وقعت مؤخراً كانت فعلاً كبيرة، ولعلنا نذكّر الجميع بأخلاقيات مجتمعنا التي تقوم على الاحترام المتبادل، وتقدير المسؤوليات، والقبول بالرأي الآخر، واحتمال النقد والابتعاد عن والاتهامات المزاجية والمعارك الكلامية والعنف اللفظي، وأحسب أن هذه من البديهيات التي لا خلاف حولها.
وفي الوقت الذي نتمسّك فيه بحرية التعبير والرأي، ونصرّ على النقد البنّاء، ندرك أن حساسية المرحلة التي نعيش فيها لا تسمح بالشطط، ولعلّها تستوجب الحلم، والسموّ والصدر الرّحب والعقل المنفتح والتسامح، بما في كل تلك الكلمات من معانِ سامية.
أما ونحن أمام استحقاقات تشكيل الحكومة الجديدة فإن سيناريوهات ذلك لم تتضح بعد، إلا أننا نتوقع أن توضحها طبيعة المشاورات وأطرافها ونتائجها، وهناك تساؤلات كثيرة حول طبيعة التشكيل الوزاري مثل :
هل ستكون الحكومة من أعضاء مجلس النواب بالكامل ؟ وهنا يجري التساؤل عن كيفية التعامل مع الكتل النيابية ومع النواب المستقلين ومع الجغرافيا.
أم هل ستكون الحكومة من خارج مجلس النواب بالكامل ؟ وهنا يكون التساؤل عن دور النواب في اختيار أعضائها أو ترشيحهم للرئيس، وهل هو على أساس الكتل، أم المحافظات، أم الاحتياجات الحقيقية ؟!
وثمة تساؤل مهم عن دور الاحزاب السياسية ما كان منها ممثلاً في مجلس النواب، وما كان غير ممثل فيه، فهناك أحزاب شاركت ولم تًفُزْ بمقاعد نيابية، وهناك أحزاب وقوى سياسية قاطعت، ولم تشارك، ونعتقد أن الرئيس لن يغفلها من حسابه في المشاورات، أو المشاركة في الحكومة، إن هي رغبت فيها !! وهذا ليس أمراً شكلياً أبداً.
ويبقى التساؤل الاخير عن طبيعة التشكيلة الوزارية بأشخاصها، أو برامجهم، أو برامج الحكومة ككل، وهل سيكونون من الوجوه المعروفة التي سبق أن تولت المناصب الوزارية، أم من الوجوه الجديدة، وهل هم من المنتمين للأحزاب، أم من النواب، أم هم من التكنوقراطيين والبيروقراطيين أم من كل ذلك، كما كان يحدث في السابق.
ليست هناك مؤشرات تُرَجّح لنا أياً من هذه المعالم التي ستحدد شكل الحكومة المقبلة، ومستوى الرضى الشعبي ثم النيابي عنها، لتحوز الثقة المطلوبة. نسأل الله أن يعين الرئيس المكلف على مسؤولياته وأن يسدّد خطاه لما فيه خير الوطن والمواطن.
بقلم:د. محمد ناجي عمايرة