يحاول الملك مجدداً ما استطاع اطفاء الحريق السوري بعد أن حاول قبل سنتين ومنذ بدء تفجر الوضع فهو الأقدر على الحركة والأكثر تمتعاً بالمرونة والأكثر مصلحة في اطفاء الحريق السوري من بين القادة العرب الذين اجتاحت بلدانهم الربيع العربي أو أقعدتهم أسباب أخرى.
والملك الذي رفض تصورات سابقة واشتراطات خارجية ينهض الآن برؤية أردنية وعربية ودولية متكاملة.
يحمل الملك عبد الله الثاني في مهمته قلق الأردنيين من الوضع السوري وأوضاع المنطقة كما يحمل قلق العرب الذين يتابعون ما أصاب البلد الشقيق من دمار لكل نواحي الحياة.
سوريا وقعت في فخ صراع القوى الدولية التي رهنت وضعها وعكست خلافاتها وصراعاتها وعليها، ولما كان الحريق السوري قابلاً للتصدير مع هبوب المزيد من رياح التغيير في سوريا فإن ذلك يدعو إلى القلق طالما لم يستجب النظام السوري في الأصل لدعوات الاصلاح ولم يستجب لاحقاً لدعوات المصالحة وقد اختار الحل الأمني وظل يراوح فيه بحثاً عن حلول لن يجدها..
يحمل الملك الان إلى أنقرة أسئلة حيث الأتراك معنيون بالحالة السورية كون سوريا جارة لتركيا وكونها تؤوي مئات الآلاف من اللاجئين السوريين كما أن أمنها يؤثر على الأمن السوري وتحتضن قيادات سورية معارضة وفصائل للجيش الحر.
الملك عبدالله الثاني في حصاد زياراته الخليجية أواخر الشهر الماضي حمل العديد من الأسئلة وتوفرت له عديد الاجابات وقد نقل الكثير منها إلى روسيا التي حاورها الملك في الحالة السورية ضمن معطيات جديدة تدعو لضرورة الخروج إلى حل يحقن دماء السوريين حتى لا يظل «الفيتو» الدولي يضع سوريا على الصليب ويديم نزف جرحها الذي يتسع وتختبئ وراءه قوى دولية .
في جولته الخليجية كوّن الملك تصورات لما يجب أن يكون عليه موقف دول الخليج عبر الجامعة العربية ومبعوثها وحتى خارجها ومن كل دولة خليجية حيث لم يعد الموقف الخليجي الذي يمكن قراءته على مستويات مختلفة يمتلك نفس الدافعية للتغيير في سوريا بكل الوسائل وخاصة المتعلقة بتسليح الجيش السوري الحر والفصائل الأخرى المشاركة في مقاونة النظام والدعوة للتغيير.
ولعل تغير المواقف العربية والدولية بما فيها الموقف التركي لصالح اعطاء المزيد من الوقت لفرصة مصالحة مع مختلف القوى السورية من جهة والنظام من جهة أخرى جاء متأثراً بالموقف الأمريكي غير الحاسم والذي يستهدف «دوزنة» نتائج الحالة السورية أكثر من الحرص على حقن دماء السوريين ووحدة سوريا شعباً وأرضاً.
ولأن الأردن يعتبر أمنه الوطني متأثراً بما يجري في سوريا وكذلك استقراره وحتى الكثير من الجوانب الاقتصادية حيث يتعطل انسياب البضائع والتبادل التجاري وخط الترانزيت عبر الأردن وكذلك تعطل النقل من الموانئ السورية، كل ذلك يدفع الأردن لسرعة التحرك الذي أخذ الملك يترجمه الآن وبتأييد دولي يتسع وخاصة قبيل وصول الرئيس الأمريكي أوباما للمنطقة مع نهاية الشهر الحالي مما انعكس في لقاءات وزير الخارجية الأمريكية في زيارته للقاهرة واطلاعه على الموقف المصري من الأزمة السورية وكما كان التحرك الاردني الذي مثله الملك الراحل الحسين من اجل حل عربي لأزمة العراق لم ينجح نتاج عوامل عديدة لا مجال لذكرها فإن الملك عبدالله الثاني يتحرك قبل فوات الأوان، او نقع في ربع الساعة الأخير حيث يتواصل تدمير سوريا ومقدراتها وحيث تبدأ ملامح الحرب الأهلية والتقسيم وجعل الدولة فاشلة ونقلها إلى تجربة الصوملة وهذا ما يقلق الاردن ويجعل مخاطر الوضع السوري تبدو أمامه مثل الكارثة .. مما يدفعه إلى تحرك شريك مع المجتمع الدولي..
تدرك أطراف دولية نافذة أن النظام السوري لن يعمر ولن يتجاوز صيف هذا العام والمطلوب هو محاصرة الاعراض الناتجة عن سقوط النظام المحتوم واحتواء المرحلة التي تلي ذلك لما تشكله من مخاطر ليس على سوريا فقط وانما على مختلف دول الجوار والاقليم كله.
الملك يستنهض الدور التركي ليظل متطابقا مع بقية المواقف العربية والدولية حيث ينتظم الاتراك مع العرب في رؤية متقاربة من الحالة السورية وحيث يجب الضغط على روسيا وأطراف أخرى دولية للاقتراب من الحل الذي يسمح بنجاة سوريا من الدمار الكامل وفي اقرب وقت.
ويبدو أن الموقف الاوروبي وهو اكثر اقترابا للموقف التركي من سوريا سيؤسس لثقل لاحق قد يجنب السوريين كوارث استعمال الأسلحة غير التقليدية حيث يمتلك المجتمع الدولي الان تصورات وخططاً لانقاذ هذه الاسلحة مع الاستعمال المفاجئ أو التسرب، ولذا فإن تركيا لا بد أن تكون مستعدة أيضا لذلك وهي تستمع إلى وجهة النظر الاردنية في زيارة الملك حيث يتشاطر البلدان مسؤولية ايواء أكبر عدد من اللاجئين السوريين في أزمة ما زالت .تتفاقم
بقلم: سلطان الحطاب