الرقم: ٧٢٩/ ٢٢ / ٢٠٢٣
التاريخ: ٧/ ١٢ / ١٤٤٤هـ
الموافق: ٢٦ / ٦ / ٢٠٢٣م
ورد إلينا من: أحد الإخوة السؤال الآتي:
ما الحكم الشرعي في منتجات التمويل الشخصي المعتمدة على شراء أسهم أو زيوت أو معادن أو غيرها، ثم إعادة بيعها من العميل (التورق)؟
فأجابوا بما يلي:
بسم الله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله
إذا كان المقصود من هذه البضائع - كعقد التخييل في الأسهم أو المعادن مثلا - هو الحصول على النقد فقط، ولم تكن البضاعة نفسها هي المقصودة بالشراء، وإنما كانت وسيلة للحصول على النقد؛ فإن هذه المعاملة تعرف في المصطلح الفقهي والشرعي بـ "التورق".
ومصطلح التورق - مأخوذ من الورق، أي: طلب النقد أو التكسُّب. وهذا التورق نوعان:
الأول: أن يقوم التورق الحقيقي (الشرعي)، وهو شراء العميل البضاعة ثم يبيعها لذلك دون تواطؤ مسبق بين المشتري والبائع، فهذا جائز بالتورق الفردي، وهو مشروع شرعا إلا إذا اقتضت الحاجة منع اللجوء إليه.
الثاني: أن تتفق المؤسسة المفرِّضة مع العميل التورق المنظَّم، ويتم البيع بسبب توكيل من وتواطؤ وتفاهم مسبق على ذلك، إذا كان المرفق قاصدًا إلى هذه الصناعة مدة أصلاً زيادة ثمن البضاعة والعميلة المنفَّذة، وكانت هي كذلك، لا تجري أصلًا لإجبار العميل على شراء المعروض وبيعها، فتكون حيلة للحصول على النقود، لأن الغرض هو النقد لا البضاعة، وهذه حيلة على الربا، ويترتب عليها ما يترتب على الربا من المفاسد الشرعية والاقتصادية والاجتماعية.
أولاً: المخالفات الشرعية: بما لا يتفق التورق المنظَّم مع المقاصد الشرعية للمعاملات، إذ هو بمثابة التحايل على الربا، والتفصيل يهدف إلى الحصول على تكرار حاضر مقابل زيادة مؤجلة، والعميلة المنفَّذة قد لا تدخل في ضمان العميل، بل تقوم المؤسسة أو شركة الوساطة بإعادة بيعها، وعادة ما تلتزم المؤسسة البائعة بشرائها، خصوصًا أن بعض السلع التي يجري التورق المنظَّم فيها تدور عدة مرات في الوقت ذاته.
ثانياً: الأثر السلبي على الاقتصاد: بسبب صورية المعاملة وعدم تحقيقها للمقصد الشرعية من رواج المال؛ فالحاصل يلجأ للمؤسسة المالية الإسلامية من أجل الحصول على النقد، فيوقع على عقد شراء أسلمة – غالباً ما لا يعلم تفاصيله- ويقوم بتوكيل تلك المؤسسة أو الوسيط التابع له ببيع السلعة التي اشتراها في السوق، وتحصل المؤسسة على نسبة من المبلغ المسلَّم وقد تُدخل المبلغ الناتج إلى المبلغ القائم للتمويل، ليتم ترحيله، بمبلغ أكثر منه، لتصدر بيانات المعاملة بصورة مختلفة للعقد في السوق بـ "عقود بيع وشراء"، وهذا يؤدي إلى نظام تمويلي على حساب الإنتاج الحقيقي، وينشأ عنه التضخم ومنع تحريك القطاعات المؤثرة على الاقتصاد إنتاجيًا.
ثالثاً: الأثر السلبي على منظومة التمويل الإسلامي: في قيام عقود وشمولها للأنشطة الاقتصادية والتمويلية ضمن دائرة التوافق بالشريعة، ومن هنا فإن العقود الربوية الأخرى، مثل: عقود القروض البنكية، تبقى في ذهن المؤسسات المالية الإسلامية كخلفية تطبيقية فيتم تقليدها من غير وعي أحياناً.
رابعاً: مخالفة البنية الثلاثية: من خلال تعهد المؤسسة المالية ببيع السلعة، وهذا من التحايل على الربا.
وقد بيَّن مجلس الإفتاء الأردني في قرار رقم (ق ٢٠٢) في حرمة التورق المصرفي "التمويل الشخصي"، وقرر أن التعامل بذلك التورق المنظَّم محرم شرعًا، لما أشرنا إليه من كونه تحايلاً على الربا، وحذرًا من جعل الفرق بين البنوك الإسلامية والبنوك التقليدية فرقًا شكليًا.
وعليه: فإذا انطبقت على المعاملة المذكورة أوصاف التورق المنظَّم، فيحرُم التعامل بها، وأما إذا انتفت تلك الأوصاف وكانت من قبيل التورق الفردي، فيجوز عند وجود الحاجة. والله تعالى أعلم.
دائرة الإفتاء العام
٢ جمادى الآخرة ١٤٤٥هـ
الموافق ١٦ / ١٢ / ٢٠٢٤م