أخبار البلد - بدأت بريطانيا، الثلاثاء، تعدّ العدّة لاحتجاز لاجئين في خلال أيّام قبل ترحيلهم إلى رواندا، بموجب خطّة مثيرة للجدل اعتمدها البرلمان ليل الاثنين - الثلاثاء، وقوبلت بانتقادات لاذعة من الأمم المتحدة ومجموعات حقوقية.
وبعد نزاع حاد بين غرفتي البرلمان البريطاني استمرّ حتى ساعة متأخّرة من ليل الاثنين، أُقرّ القانون الجديد الذي يعدّ من المشاريع الرئيسية للحكومة المحافظة في سعيها إلى احتواء الهجرة غير النظامية.
سوناك في مؤتمر صحافي مؤكداً نية حكومته تنفيذ خطة الترحيل إلى رواندا الاثنين (أ.ب)
وينصّ التشريع على إرسال طالبي اللجوء الوافدين إلى بريطانيا من دون وثائق الدخول اللازمة إلى رواندا، حيث من المرتقب النظر في طلباتهم والسماح لهم، في حال حصلوا على الموافقة، بالبقاء في رواندا.
وكشف رئيس الوزراء البريطاني، ريشي سوناك، أنه من المرتقب أن تبدأ عمليات الترحيل في خلال 10 إلى 12 أسبوعاً مع احتجاز المهاجرين المقرّر إرسالهم في الرحلة الأولى اعتباراً من هذا الأسبوع. وقال الاثنين: «حالما يتمّ تمرير القانون... سوف نباشر بإجلاء هؤلاء الذين اختيروا للرحلة الأولى». أضاف: «حضّرنا لاحتجاز الأشخاص خلال الاستعداد لترحيلهم. وزدنا قدرتنا على استيعاب المحتجزين».
وأشادت رواندا باعتماد الخطّة، مؤكّدة أنها تتطلّع «لاستقبال من سيعاد توطينهم» في أراضيها.
إعادة النظر غير أن الأمم المتحدة دعت بريطانيا إلى إعادة النظر في خطّتها التي من شأنها أن تهدّد سيادة القانون، وتشكّل «سابقة خطرة في العالم».
وحضّ المفوض السامي لحقوق الإنسان، فولكر تورك، والمفوض السامي لشؤون اللاجئين، فيليبو غراندي، حكومة بريطانيا على «اتخاذ إجراءات عملية لمواجهة التدفقات غير النظامية للاجئين والمهاجرين، تقوم على التعاون الدولي واحترام القانون الإنساني الدولي».
وقال فولكر تورك إن «هذا التشريع الجديد يقوّض بدرجة كبيرة سيادة القانون في بريطانيا ويشكّل سابقة خطرة في العالم»، مشيراً إلى أنه ينقل المسؤولية الواجبة إزاء اللاجئين، ويضيّق صلاحيات المحاكم البريطانية، ويخفّض من فرص اللجوء إلى الطعون القضائية، ويحدّ من نطاق الحمايات الوطنية والدولية لحقوق الإنسان.
أشخاص يُعتقد أنهم مهاجرون ينزلون من زورق لقوة الحدود البريطانية في ميناء دوفر الثلاثاء (رويترز)
وصرّح فيليبو غراندي في البيان أن «حماية اللاجئين تقتضي أن تلتزم كلّ البلدان - وليس فحسب تلك المجاورة لمناطق الأزمات - باحترام واجباتها. ويرمي هذا التدبير إلى نقل واجب المسؤولية عن حماية اللاجئين، مقوّضاً بذلك التعاون الدولي، ومحدثاً سابقة عالمية مقلقة».
ومن شأن هذا النصّ القانوني، في حال «تنفيذه» أن «يفسح المجال أمام إرسال طالبي اللجوء، بمن فيهم العائلات مع أولاد، بإجراءات موجزة إلى رواندا لتقديم طلبات اللجوء، مع انعدام آفاق العودة إلى بريطانيا».
ودعا مجلس أوروبا بدوره الحكومة البريطانية إلى العدول عن قرارها، علماً أن البلد عضو في المجلس الذي يضم 46 دولة، ويسهر على حُسن تطبيق الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان.
وطالب مفوض حقوق الإنسان في مجلس أوروبا، مايكل أوفلارتي، بـ«الامتناع عن الترحيل بموجب خطّة رواندا، والعدول عن انتهاك استقلالية القضاء الذي يشكّله مشروع القانون هذا».
أشخاص يُعتقد أنهم مهاجرون على رصيف ميناء دوفر الثلاثاء (رويترز)
وذكّر أوفلارتي أنه لا يحقّ لبريطانيا، بموجب المادة الثالثة من الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان، ردّ طالبي لجوء إلى بلدانهم الأصلية، حتّى بطريقة غير مباشرة عبر بلد ثالث.
غير أن النصّ «يحرم الأفراد من فرصة اللجوء إلى المحاكم البريطانية بشأن مسألة إعادتهم»، بحسب المفوض الأوروبي الذي عدّ أنه «يحظر صراحة على المحاكم البريطانية تقييم مدى خطورة قيام رواندا بترحيل الأشخاص إلى بلدان أخرى وتقويم إجراءات اللجوء في رواندا من حيث الإنصاف وأصول العمل».
في يونيو (حزيران) 2022 أوقفت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان في اللحظة الأخيرة الرحلة الأولى المقرّرة من لندن إلى رواندا.
وفي أواخر 2023، قال سوناك إنه لن يدع «محكمة أجنبية» تمنع الرحلات إلى رواندا.
خطّة مكلفة تخضع حكومة سوناك الذي من المُتوقّع أن يهزم حزبه في الانتخابات العامة المقرّرة بنهاية السنة، لضغوط متزايدة للحدّ من الأعداد القياسية للمهاجرين الذين يعبرون المانش بزوارق صغيرة من فرنسا، لا سيّما بعدما تعهّد «حزب المحافظين» بالصرامة إثر الانسحاب من الاتحاد الأوروبي.
وتفيد تقديرات المكتب الوطني لمراجعة الحسابات بأنّ ترحيل أول 300 مهاجر سيكلّف المملكة المتحدة 540 مليون جنيه إسترليني (665 مليون دولار) أي ما يعادل حوالي مليوني جنيه إسترليني لكل شخص.
ولم يُرسل أي مهاجر إلى رواندا حتى اللحظة بموجب الخطّة التي ما زال ينبغي لرئيس الدولة الملك تشارلز الثالث أن يصدّق عليها لتدخل حيّز التنفيذ.
وبينما تعد رواندا التي تضم 13 مليون نسمة من البلدان الأفريقية الأكثر استقراراً، إلا أن مجموعات حقوقية تتهم رئيسها بول كاغامي بالحكم في ظل مناخ من الترهيب والقمع.
وما زال من الممكن الطعن في هذه الخطّة أمام القضاء. وحذّر خبراء حقوقيون من ارتداداتها السلبية على الخطوط الجوية والهيئات الناظمة للطيران التي قد تعدّ مقصّرة في واجب حماية حقوق الإنسان في حال شاركت في عمليات الترحيل.