اخبار البلد - كتب أ.د. محمود الكوفحي
بدأ بعض الاصلاحيين يروجون لمقترحات بحصر المناصب السيادية بالشرق اردنيين ..
,يطعنون في شرعية الوحدة الاندماجية التي تمت بين الضفتين سنة 1950 بذريعة انها كانت مفروضة من قبل النظام في سعيه لتوسيع اركان حكمه ومملكته...
كما يشككون في اخلاص الاردنيين من اصل فلسطيني للاردن ويبدون مخاوف من ان يؤدي تولي رئيس وزراء منتخب من اصل فلسطيني الى ضياع الاردن وتحوله الى وطن بديل... وردا على هؤلاء اقول:
ليس صحيحا ان قرار الوحدة بين الضفتين كان قرارا مفروضا من النظام او قرارا احاديا من جانب سكان الضفة الغربية...
ولكنه كان قرارا اتخذه ممثلوا شعبنا الواحد في ظل المصلحة العليا للجميع جاء تجسيدا لواقع عاشه شعبنا غربي النهر وشرقيه خلال الاف السنين ...
والدليل حالة الانتشار والتزاوج ووجود نفس العشائر غربي النهر وشرقيه... فكان من البديهي ان تلملم الجراح بعد فقدان جزء عزيز من ارضنا غربي النهر وتعلن الوحدة الاندماجية رسميا بين الضفتين...
والدليل الاخر انه لم يتحرك اي اردني ولا اي فلسطيني ضد الوحدة خلال اكثر من ستين سنة... هذا هو التاريخ الحقيقي لما حصل ....
لذلك علينا جميعا ان نحترم هذه الوحدة ولا نلتفت لاي دعوى للفرقة مهما كانت المسوغات... هذا لايعني اننا نقبل بتفريغ فلسطين من مواطن واحد وانما يعني التوقف عن شق الصف ...
اما التجنس والجنسية فلا تمنح لاي شخص كان الا بموجب استيفائه لشروطها...
لقد كانت المناصب السيادية في الاردن المتمثلة بمنصب مدير المخابرات وكذلك رئيس الوراء ووزير الداخلية خلال الستين سنة الماضية محصورة بالشرق اردنيين في معظم الاحيان...
ولم يؤدي ذلك الى حماية الاردن من السرقة والضياع... ان الفساد اصله نظام الحكم المطلق وليس سببه مكان ولادة من يحمل المسؤولية... لذلك اقول ان هذه لعبة خطيرة والانسياق في دهاليزها يحمل في طياته من الشر اكثر ما يمكن ان يحمله من خير...
ان نقبل بحصر منصب سيادي واحد بالشرق اردنيين نكون قد سحبنا الاعتراف رسميا من الوحدة الاندماجية التي تمت بين الضفتين سنة 1950 ...
وهذا امر غير مقبول لما يترتب عليه من آثار سلبية على الكيان الاردني وطنا وشعبا ونظاما... حيث سيؤدي الى تكريس فكر الاقليمية البغيضة والمحاصصة والى حرمان الاردن من العطاء الحقيقي لنصف سكانه...ان التاكيد على الوحدة وتفعيلها وتحقيق المساواة بين الجميع من اصول شرقية وغربية هو عنصر قوة هام لنا... والتفريط به لطمأنة تلك الفئة من الاردنيين سيكون ذا اثار سلبية كثيرة بالنسبة للوحدة وبالنسبة للاردنيين جميعا... ولذلك علينا ان لانقع في المطبات التي تنصبها لنا منظومة الفساد لتكريس هيمنتها علينا وعلى الوطن من خلال تكريس المحاصصة والتجزأة وسياسات فرق تسد...
لقد كانت الضفة الغربية جزءا من المملكة الاردنية الهاشمية قبل حرب 1967 ... خسرها الاردن في الحرب واصبحت محتلة من قبل اسرائيل...
وبغض النظر عن الاسباب والمبررات... لايهمني التفاصيل ولايعنيني من قاد الجيش ولا يعنيني من حارب ومن لم يحارب... كل هذه القصص وكل هذه التفاصيل لاتغير من الحقيقة المرة شيئا...
كانت المملكة ضفتان وبعد الحرب اصبحت واحدة... البحث عن اعذار لايقلل من حجم الخسارة وخاصة لاهل الضفة الغربية الذين دفعوا ولازالوا يدفعون الثمن لسقوط الصفة الغربية تحت الاحتلال من دمائهم ومن الذل والقهر الذي يعيشونه كل يوم ونحن مشغولون بالكلام عن الهوية وما ادراك ما الهوية... انا لا اتحدث عاطفيا... وانما اتحدث عن الحقوق والواجبات...
انا اتحدث عن المسؤولية الحقيقية عن ضياع الضفة ولايهمني كيف ضاعت وهل السبب قيادة مصر ام قيادة غير مصر... سئمنا هروبا وتذرعا وتحميلا للمسؤولية للطرف الاضعف...
لذلك فان محاولات البعض تبرئة الدولة الاردنية من المسؤولية في ظل ماحدث سنة 1988 من فك للارتباط مع الضفة الغرببة من قبل الملك حسين (رحمه الله) استجابة لطلب موتمر القمة العربية ومنظمة التحرير ليست مقنعة في ظل الوقائع وفي ظل ماحصل فعلا...... وان وحدة شعبنا في الاردن اقوى من ان يلغيها اي قرار من اي شخص كان... ان المساواة بين المواطنين مصدر قوة لاي دولة... أما التمييز بينهم على اساس الاصل والفصل فهو مصدر ضعف... وهو ايضا مصدر للفتنة والتناحر والظلم...
ولتحقيق المساواة والعدالة فانه يلزم اعتبار جميع الاردنيين ممن حصلوا على الجنسية الاردنية في ظل قرار الوحدة الاندماجية بين الضفتين سنة 1950 وقبل فك الارتباط سنة 1988 اردنيون متساوون في الحقوق والواجبات 100% وان كان اصل نصفهم من امارة شرق الاردن بينما اصل النصف الاخر من الضفة الغربية...
هؤلاء هم شعبنا من المهاجرين والانصار وهم الذين بنوا معا الاردن خلال الستين سنة الماضية.. اما من حصل على الجنسية الاردنية من سكان الضفة الغربية وقطاع غزة بعد فك الارتباط فهم مقيمون اقامة دائمة في الاردن حتى تتحرر فلسطين... ويتمتعون بكامل الحقوق باستثناء الحقوق السياسية... وتشبه حالهم حال حاملي البطاقة الخضراء في امريكا... حيث يتمتعون بحق التملك والعمل ويدفعون الضرائب ولكنهم لايستطيعون الترشح للانتخابات ولا المشاركة بها...
وتجدد اقامتهم مرة كل عشر سنوات... ويمكن للمتضررين من هذا الحل اللجوء الى القضاء الذي يمكنه البت في شرعية الطريقة التي حصلوا بها على الجنسية ... فاذا كانت سليمة وفقا لقانون الجنسية وليس بالرشوة او البيع/شراء يمكن ان يتحولوا الى اردنيين بحقوق سياسية كاملة...
اوباما اصله من اب مسلم كيني اتى للدراسة في امريكا وعاد الى كينيا بعد ان طلق والدته... واصبح رئيس امريكا... كل من يولد على الارض الامريكية يصبح امريكي وله الحق في الترشح لجميع المناصب السيادية في امريكا وعمله هو الذي يقنع الناس بصدق دعواه ويجعلهم ينتخبونه وليس فصله واصله...
لايوجد في العالم كله دولة واحدة غير الاردن لازال البعض فيها ينظر باقليمية بغيضة الى اردنيين اخرين لان جذورهم بعد الجد الرابع موجودة في فلسطين ...
في الاردن ملايين من امثال هؤلاء لم يعرفوا غير الاردن وطنا لهم... لماذا يريدنا هؤلاء الزملاء ان نستخف بالحقوق الوطنية لملايين الاردنيين من اصل فلسطيني التي كفلها الدستور الاردني من اجل ارضاء النزعة العنصرية الموجودة لدى بعض الاردنيين؟ انني اؤمن ان الفلسطيني اخ للاردني 100% واحرص ان اعمل ما يقوي هذه العلاقة ويؤكدها وليس مايهددها... اذا قبلنا مبدأ المحاصصة فان الامر سوف لن يقف عند المناصب السيادية لان هناك عنصريين يريدون تجريد الاردني من اصل فلسطيني من كل شيء حتى البيت الذي بناه بعرق جبينه... العنصرية داء خطير جدا وليس لها علاج الا الاستئصال والرفض الكلي جملة وتفصيلا... نحن دعاة اصلاح وحملة مشاعل الحرية لشعبنا كل شعبنا...
ارجو ان لاننحني ولانضعف تحت ضغط اطراف عنصرية ... لانه لن يصح الا الصحيح في النهاية...
والى الذين يتباكون على ضياع الهوية الاردنية والهوية الفلسطينية اقول: دعونا من الانشغال بهويات سايكس بيكو واحتمال ضياعها... فما قيمة ضياع الهوية اذا ما قورنت بضياع الاوطان؟؟؟؟
ان الاردن وطن لكل الاردنيين ...ليس وطنا بديلا لاحد... هو ارض الرباط والحشد... وموئلا لكل الاحرار عبر التاريخ... منه انطلقت جيوش الامة التي قادها خالد بن الوليد ودحرت الروم في معركة اليرموك ...
ومنه انطلقت جيوش الامة التي قادها قطز لدحر التتار في معركة عين جالوت ... ومنه انطلقت جيوش الامة التي قادها صلاح الدين ودحرت الصليبيين في معركة حطين... ومنه انطلقت جيوش الفتح الاسلامي التي ارسلها عمر بن الخطاب وقادها عمرو بن العاص لفتح فلسطين اول مرة بعد ان اكمل شرحبيل بن حسنة فتح الاردن قبل ذلك... ومنه سوف تنطلق الجيوش التي ستحرر فلسطين باذن الله...
(انتم شرقي النهر وهم غربيه)... كلنا اردنيون من اجل نهضة الاردن وتحرره من الفساد والظلم....
وكلنا فلسطينيون من اجل تحرير فلسطين كل فلسطين من لاحتلال الصهيوني...
كانت فرنسا هي من اخترع نظام المحاصصة في لبنان...
والنتيجة تكريس الفئوية والطائفية في المجتمع اللبناني بحيث صار الانتماء الاعمى والولاء لتلك الطائفة او تلك الفئة بدلا من ان يكون للبنان...
فكان الخاسر الاكبر من تلك المحاصصة هو الوطن... وتكرر نفس النموذج في العراق على يد قوات الاحتلال الامريكي... فاصبح ولاء العراقيين وانتمائهم للطوائف والفئات التي ينتمون اليها بدلا من الانتماء الى العراق... فكان الوطن هو الخاسر الاكبر...
من هنا اقول لدعاة المحاصصة: اليس حصر المناصب السيادية بالشرق اردنيين تكريس للفئوية والاقليمية البغيضة؟ الا تخافون ان يخسر الاردن ولاء وانتماء نصف سكانه الذين سيشعرون انهم مواطنون درجة ثانية في بلد ولدوا هم وابائهم واجدادهم فيه؟ اتقوا الله في الاردن والامة... ودعوكم من دعوى العنصرية والمحاصصة فانها منتنة... هدانا الله جميعا سواء السبيل... والله من وراء القصد...