الظروف الاستثنائية، والتركة الثقيلة التي ورثها عن مرحلة ممتدة من التخبط والفوضى لا بد أن تكون حاضرة لدينا جمعياً في تقييم أداء رئيس الوزراء عون الخصاونة، بعد مرور قرابة أربعة أشهر على تشكيله الحكومة.
بالضرورة، هنالك هنات وأخطاء متعددة من ناحية وأداء جيّد من ناحية أخرى. لكن الموضوعية تقتضي أن ننصف الرجل على الأقل في أدائه إلى اليوم، بخاصة أنّ سهام النقد الموجهة إليه في أغلبها ليست موضوعية ولا منطقية.
الدعاية السياسية الأكثر انتشاراً في أوساط سياسية معينة تتمثّل بمؤامرة ينفّذها الخصاونة، وفق أجندة دولية، بالتواطؤ مع تركيا والأميركان والإخوان المسلمين (تصوّروا!) لإقامة "الوطن البديل في الأردن"! فالأتراك والأميركان والتنظيم العالمي للإخوان مشغولون جميعاً اليوم في ترتيب إقامة الوطن البديل هنا في عمان، فنحن مركز الكون والتاريخ، أو ربما أنّهم أنهوا مشكلاتهم الداخلية والعالمية، وتفرّغوا حالياً لإقامة حلم إسرائيل بتفريغ فلسطين من الفلسطينيين، ووجدوا الخصاونة لتنفيذ هذا "المخطط الجهنمي"!
هل مثل هذا "السيناريو" يستحق النقاش والنقد؟! المشكلة الوحيدة التي أجّجت هذه الدعايات ضد الرجل أنّه متصالح مع نفسه، وتحدّث بصراحة أنّه ضد تجريم المعارضة وتخوينها و"شيطنتها"، وأنّ جماعة الإخوان تمثّل اليوم القوة الرئيسة في المعارضة الحزبية، ما يعني ضرورة التفاهم معها على ترسيم المرحلة المقبلة، حتى لا نكرر ما حدث في الانتخابات النيابية 2007 و2010.
في الوقت نفسه، لم ينس الخصاونة أن يتحدّث مع الحراك السياسي والشعبي، وقد التقى باليساريين واليسار الاجتماعي وحراك الطفيلة، ولم نسمع منه كلمة واحدة في تخوين الحراك أو التشكيك فيه واتهامه بأجندات خارجية أو مؤامرة على الوطن، كما فعل غيره.
بالطبع، رئيس الوزراء صاحب الولاية العامة، وفقاً للدستور، فهو المسؤول عن السياسة الرسمية وأدوات السلطة التنفيذية. لكنّنا نتحدث عن الأصل والنظرية، وليس الواقع. فالرجل يتعامل مع ميراث حقبة كاملة من التخبط والارتجال والخطايا من ناحية، ولم يأت بانتخابات شعبية ولا تحمله قوى سياسية من ناحية أخرى؛ لكنّه بالرغم من ذلك يعلن رأيه بشجاعة وبوضوح، كما حدث في انتقاده للفساد الذي واكب الخصخصة أو إخراج قادة حماس من الأردن، أو حتى أحداث المفرق، إذ أكّد أنّه لم يكن راضياً عنها، و"لم يركب الموجة" ويهدد ويتوعد المعارضة في أيّ وقت كان.
من المآخذ الموضوعية عليه اختيار الفريق الوزاري، ويرد هو بأنّ الشرط هو النزاهة وعدم الفساد. مع ذلك فمن الواضح افتقار الحكومة إلى مطبخين سياسي واقتصادي، وتبدّت هذه الفجوة في الارتباك بالتعامل مع أزمة المعلمين وغيرها.
ويؤخذ عليه أنّه ليس سياسياً، بالمعنى البراغماتي. على السطح يبدو هذا المأخذ منطقيا، لكن في العمق قليلاً، قد يكون ما نحتاج إليه اليوم هو رجل من خارج الطبقة السياسية البراغماتية، يردّ المجتمع والدولة إلى المبادئ والقيم الحاكمة الصحيحة، متصالح مع نفسه، يتحدّث بصراحة وبلغة غير ملوّنة، فمثل هذا الطراز من الشخصيات يفترض أن يكون مفتاحاً للتعامل مع مرحلة مسكونة بمنطق الصراعات وتصفية الحسابات بين السياسيين.
بالرغم مما يقال، فالرئيس إلى اليوم ما يزال محافظاً على مواقفه ومتصالحاً مع نفسه. إلاّ أنّ التحدي الحقيقي له في المرحلة المقبلة، عندما يواجه الاستحقاق الاقتصادي، وما يترتب عليه من تداعيات كبيرة، فهذا هو "عنق الزجاجة" الحقيقي له وللدولة معاً!
m.aburumman@alghad.jo
مؤامرات الخصاونة وصفقاته...
أخبار البلد -
اخبار البلد_ د. محمد أبو رمان