شاكر الجوهري
"إذا عملتم بجد وشفافية ونزاهة لإنجاز القوانين الإصلاحية، فلماذا تقلقون؟!"
بهذا رد الملك عبد الله الثاني على دفاع رئيس اللجنة القانونية في مجلس النواب الأردني، عن المجلس وإرادته الإصلاحية واللجان التي تعمل دونما تباطؤ..!
جاء ذلك على هامش ما اسماه النواب بـ "الغداء الأخير" الذي اقامه الملك على شرفه ظهر الأحد..!
حديث الملك انصب على محورين رئيسين:
المحور الأول: تطمين النواب الذين انتخبوا في التاسع من تشرين ثاني/نوفمبر 2010، إلى أن مجلسهم باق حتى نهاية العام الحالي.
المحور الثاني: تحفيز النواب على تسريع تشريع القوانين الضرورية لإنجاز الإصلاح السياسي.
وقد جاء حديث الملك التطميني التحفيزي وسط ترويج غلاة الوطنيين إلى محاذير الخطوات الإصلاحية المقبلة، باعتبارها تحمل بين ثناياها مخاطر "التوطين السياسي"..!
في معرض التطمين، وهو تطمين على محورين داخلي، وآخر خارجي، قال الملك مطمئنا النواب والأميركان، المعنيون بالإصلاحات السياسية الأردنية:
"إن خارطة الإصلاح السياسي لهذا العام يجب أن تؤدي إلى إجراء إنتخابات نيابية نزيهة وفق قانون انتخاب يضمن أعلى درجات التمثيل، وصولا إلى تشكيل حكومات برلمانية".
المجلس باق إذا حتى نهاية العام..
والحكومة المقبلة ستشكل على قاعدة برلمانية، ذات درجات تمثيل عال..!
والمقصود بالتمثيل العالي هو زيادة التمثيل السياسي للأردنيين من أصول فلسطينية..!
وواصل الملك في هذا السياق طمأنة الخارج:
"إننا قطعنا خطوات مهمة على طريق الإصـلاح، ولن نتوقف ولن نتراجع ولن نسمح لأي أحد، أو أية جهه أن تعيق هذه المسيرة أو أن تـنحرف بها عن مسارها الصحيح وأهدافها الوطنيه النبيلة".
وتابع محفزا النواب، مؤكدا لهم: "إن إجراء الإنتخابات هي مصلحة وطنية عليا لا تحتمـل التأخير ولا التأجيـل، ويجب أن تكون فوق كل المصالح والإعتبارات".. مركزا على ضرورة تسريع تشريع قانوني الإنتخاب والأحزاب، باعتبارهما المدخل الرئيس للإصلاح..
معيقات الإصلاح
ولكن، من الذي يعطل الإصلاح..؟
زكي بني ارشيد رئيس الدائرة السياسية لحزب جبهة العمل الإسلامي سبق له القول إن حكومة معروف البخيت التي عادت الإسلاميين، وناكفتهم، هي الحكومة الأكثر انجازا على طريق الإصلاح، في حين أن حكومة عون الخصاونة، الأكثر تقربا من الإسلاميين، لم تنجز أي خطوة على طريق الإصلاح..!
لماذا..؟
لأن تأخير اجراء الإنتخابات المقبلة من شأنه أن يطيل عمر الحكومة الراهنة برئاسة الخصاونة..!
يلتقي مع هذا الطرح الإسلامي، خصم كبير للحركة الإسلامية، هو عبد الكريم الدغمي رئيس مجلس النواب، الذي يدرك أن الإسلاميين، لئن حصلوا على الأغلبية البرلمانية في الإنتخابات المقبلة، فهم لن يتركوا له رئاسة مجلس النواب، إن عاد نائبا في المجلس المقبل.
قال الدغمي تعقيبا على كلام الملك، محاولا تبرئة المجلس من بطئ التشريع، ملقيا اللوم على رئيس الحكومة:
"إن لدى المجلس الآن مشروع قانون الهيئة المستقلة للإنتخابات وادارتها، حيث يتم الآن مناقشته من لجنة مشتركة من اللجنتين القانونية والإدارية، بعد ان أجرت حوارات مع الأحزاب السياسية والنقابات وجميع قوى المجتمع ومؤسسات المجتمع المدني ومؤسسات المرأة لهذه الغاية".
ولكن ماذا عن مشروعي قانوني الأحزاب والإنتخابات..؟
يقول الدغمي إن الحكومة التزمت بإحالة قانون الإنتخاب للمجلس في النصف الأول من شهر آذار/مارس، مشيرا إلى أن المجلس سيفتح حوارا مع جميع قوى المجتمع "لأننا نرغب ان يكون القانون كما أراد جلالتكم يحظى بأكبر قدر من الإتفاق وأقل قدر من الإختلاف".. أي أنه سيعرض القانون لأطول فترة من التعطيل..!!
وقال "لا يوجد نظام انتخابي يرضي كل الفئات لكننا سنحاول جهدنا والحكومة تحاول أن يكون قانونا انتخابيا يضمن أكثر تمثيلا ويرضى عنه أغلبية من الشعب الأردني".
أما قانون الأحزاب، فقال "لا خلاف على هذا القانون وسيتم إقراره ضمن الفترة الزمنية المحددة، طالبا من الملك أن يأذن بعقد دورة استثنائية للمجلس في الصيف لاستكمال المطلوب في حال احتجنا إلى مزيد من الوقت".
وبهذا يكون قد ضمن اطالة عمر مجلس النواب حتى الخريف المقبل، ليكمل سنتين من عمره، ويسامح العملية الإصلاحية بالسنتين الأخريين..!!
دور وأسباب الحكومة في التعطيل
الإتهامات بالعمل على تأجيل تشريع قانوني الإنتخاب والأحزاب تشمل الحكومة كذلك، ويسجل عليها، كما أوضح الدغمي تأخير احالة مشاريع القوانين لمجلس النواب.
الخصاونة هو الآخر صاحب مصلحة في التأخير، وهي مصلحة تلتقي مع مصلحة النواب، ذلك أن الإنتهاء من تشريع قوانين الإصلاح لن يعني حل مجلس النواب فقط، وإنما كذلك تشكيل الحكومة البرلمانية الأولى في الأردن، منذ حكومة سليمان النابلسي 1956..!
الرئيس يعمل على اطالة عمر حكومته على أكثر من محور:
المحور الأول: تأخير قوانين الإصلاح.
المحور الثاني: توظيف الوقت من أجل توطيد علاقاته مع الحركة الإسلامية، صاحبة الأغلبية البرلمانية المقبلة.
في هذا السياق يجري الحديث عن صفقتين أنجز الخصاونة احداهما، وهي التفاهم مع مجلس النواب على تأخير التشريعات الإصلاحية لإطالة عمري الحكومة والمجلس.
والأخرى قيد الإنجاز، وتتمثل في العمل على التفاهم مع الحركة الإسلامية على أن تسميه كتلتها البرلمانية رئيسا لحكومة ما بعد الإنتخابات.
وهذا يعني امرين:
الأول: أن الخصاونة يعتزم خوض الإنتخابات البرلمانية المقبلة. وفي هذا السياق فهو يعمل بجد ونشاط على تعيين أكبر عدد ممكن من شخصيات منطقته الشمالية (اربد، جرش، وعجلون) في مناصب رفيعة كي يلقى دعمهم انتخابيا إلى جانب دعم الحركة الإسلامية، الذي يعمل على الحصول عليه.
الثاني: عدم عودته إلى محكمة العدل العليا.. حيث كان قاضيا، ونائبا لرئيس المحكمة، موعودا بتولي رئاستها في آذار/ممارس المقبل.
في هذا السياق يلفت مراقبون إلى أن الخصاونة، زار لاهاي قبيل مشاركته في مؤتمر دافوس الإقتصادي، حيث أقامت المحكمة حفل وداع على شرف الرئيس، ما يعني أنه عمل على تغيير وضعه القانوني في المحكمة، من قاض حاصل على اجازة لمدة سنة بلا راتب، كي يعمل رئيس وزراء "بارت تايم"، إلى مستقيل، يجرى له وداع تكريمي، ليصبح رئيس وزراء متفرغ..!
لكنها استقالة حرص الخصاونة على أن تكون سرية غير معلنة..!
التكتيكات الأميركية
الملك يدرك هذا جيدا، ولذلك عمل على دعوة النواب ورئيس الحكومة، كي يتحدث معهما كليهما وجها لوجه، موصلا رسالته بأوضح الكلمات والعبارات.. بما مؤداه أن لا يصدقوا كل من يقول لهم إن الملك ليس متعجلا الإصلاح..!
لقد أصبح الملك متعجلا الإصلاح في ضوء مخاطر التأجيل، التي لا تقتصر فقط على الداخل الأردني، إنما تتجاوزه كذلك إلى الخارج الأميركي، الذي يريد أن يزاوج ما بين الإصلاح السياسي في الأردن، وما يريد أن يرتبه على هذا الإصلاح من نتائج أهمها:
أولا: اطالة عمر النظام وتحصينه من نتائج الربيع العربي المتواصل، والمؤهل للإتساع فور سقوط النظام السوري.
ثانيا: تيسير الحل النهائي للقضية الفلسطينية، عبر احتواء الأردن لآخر مخرجات القضية الفلسطينية، وهذه مهمة رئيسة للدولة الأردنية، أقيمت على اساسها، وفي إطار ذات المشروع الذي أقام اسرائيل..!
ولكن، ماذا عن موقف الفلسطينيين أنفسهم، فضلا عن الرفض الشعبي الأردني لـ "التوطين السياسي"..؟
اطمئنان غلاة الوطنيين
حتى ناهض حتر، المنظر الأول لغلاة الوطنيين الأردنيين، أصبح يرى أن الفلسطينيين ليسوا في هذا الوارد..!!
يقول حتر في مقال أخير له:
"لقد أعطتني سنتا الغليان 2010 و2011 القناعة بأن مواطنينا من أصول فلسطينية, يتمتعون بأعلى مشاعر المسؤولية إزاء التركيبة الوطنية الأردنية, وأنهم جمهور قائم ومحتمل للحركة الوطنية، وليس للكمبرادور أو "الإخوان", والإتجاهات الغالبة عندهم هي إتجاهات الإندماج الفردي والمجتمعي والسياسي والفكري والمهني.. الخ وليس إتجاهات المحاصصة ككتلة تريد انتزاع كوتا".
بطيعة الحال، فإن نتائج الإنتخابات البرلمانية الأخيرة (2010) قدمت أبلغ دليل على صحة هذا الإستنتاج..
لقد أجريت تلك الإنتخابات على قاعدة زيادة التمثيل الفلسطيني، فكان أن ارتفع التمثيل الفلسطيني في مجلس النواب الأردني من 18 نائبا إلى فقط 12 نائبا..!
لقد تخلف الفلسطينيون عن صناديق الإقتراع..
وهذا من شأنه أن يثير اطمئنان من يبحث عن الإطمئنان في أن تغييرات وتعديلات قانون الإنتخاب، بهدف زيادة نسبة تمثيل الفلسطينيين، ليست مضمونة النتائج..!
في ضوء ذلك، يرى المراقبون أن المدخل الوحيد لطمأنة واشنطن هو مواصلة الإلتزام بوقف سحب الجنسية الأردنية من فلسطينيي الجذور، وهو القرار الذي بدأ تنفيذه منذ مطلع 2010، مع ملاحظة وجود بعض الخروقات الفردية، غير المقرة حكوميا.