الحصانة التي يلبسها بعض النواب في مجلسنا الحالي كبيرة جدا وفضفاضة جدا وواسعة جدا بحجم الوطن والشعور والدستور وكل القوانين إن لم تكن أكبر. فالأخ النائب المقصود يرى أن المجلس يشكل ساحته التي تحتوي الأسلحة الضرورية ليعبر عما في نفسه من شعور غير وطني وغير سوي تجاه المواطن خارج المجلس، وكأن هذا المواطن طاريء على الوطن، ويُنتظر قليل وقت ويذهب المواطنون إلى البحر الذي يجوع النائب الصارخ سمكه، ويبقى هو ومن مثله، ويكفي الوطن بضع مئات، في نظره، وليذهب الملايين (رحماك رباه...)!
في رسالته الماجستير التي عنوانها الحصانة البرلمانية يقول علي بن عبد المحسن التويجري: (إن الحصانة لم تقرر لمصلحة النائب, بل لمصلحة سلطة الأمة، ولحفظ كيان التمثيل النيابي، وصيانته ضد كل اعتداء ولكن ليس معنى ذلك أن يصبح أعضاء البرلمان دون بقية الأفراد، فوق القانون لا حسيب عليهم ولا رقيب. فالحصانة فـي الواقع ليست طليقة من كل قيد أو حد؛ بل هناك ضوابط وقيود عديدة تحد من نطاقها إذا ما تجاوز عضو البرلمان الحدود المسموح بها، أو الحدود المشروعة لها، فهي عندما تقررت إنما كان لهدف محدد وواضح لا يجوز تجاوزه أو الخروج عليه، وإلا تعرض عضو البرلمان للمسئولية كاملة). فهل يدرك النائب عندنا أن له حدود يجب عليه أن لا يتجاوزها بأي حال وإلا عُد مجرما!!!
ويستطرد التويجري في رسالته عن الحصانة فيبين حكم النائب الذي يتعرض للآخرين بالسب والشتم فيقول: (وعلى ذلك لا تشمل الحصانة الموضوعية ما يبديه النائب من أقوال وآراء لا تتعلق بالوظيفة البرلمانية, حتى وإن أبداها داخل البرلمان, كما لو أدلى بحديث صحفي لأحد مندوبي الصحف والمجلات، وتضمن هذا الحديث سباً أو قذفاً ضد أحد الأشخاص, سواء أكان فرداً عادياً أم عضوا في الحكومة, ففي هذه الحالة يسأل عضو البرلمان طبقاً للقواعد العامة، لأنه حتى وإن كان قد أدلى بهذا الحديث داخل البرلمان ،إلا أنه لم يكن يزاول الوظيفة البرلمانية).
ما يتفوه به بعض أعضاء مجلسنا، وهم قلة، لا علاقة له بوظيفتهم، ولا علاقة للمجلس وعمله بما يقولون، فهم مغردون في وادي جرائم منصوص عليها وعلى عقوباتها في قانون العقوبات، ويمكن القول أنه يمكن اتخاذ الإجراءات القانونية في سبيل ملاحقتهم، حتى يخلص المجلس إلى مناقشة ماعليه أولا، وحتى لا يكون المجلس منبرا للأهواء الشخصية التي لا علاقة للنيابة وقدسيتها بها.
لدينا في قانون العقوبات حماية كاملة للمواطن وللوطن ومقدراته من جرائم لا يمكن أن تتم حصانة في مواجهتها، ولو تمت الحصانة في مواجهتها فأعتقد أن الشعب سيضطر إلى أن يأخذ حقه بيده لأنه لن يصبر على إذلال من أي كان.
ننظر إلى قانون العقوبات الأردني، وهناك قوانين أخرى جزائية لن نتطرق لها، ونحاول استعراض جرائم النواب التي يمكن ملاحقتهم عنها، منها:
1). جريمة استهداف إثارة حرب أهلية أو اقتتال طائفي: وهذه الجريمة واضحة وجلية من خلال تصريحات نائب بالتحريض على الإجرام (بلبس الأكفان والتهديد بالدم). هذه الجريمة منصوص عليها في المادة (142) من قانون العقوبات الأردني التي نصها: (يعاقب بالأشغال الشاقة مؤبداً على الاعتداء الذي يستهدف إما إثارة الحرب الأهلية أو الاقتتال الطائفي بتسليح الأردنيين أو بحملهم على التسلح بعضهم ضد البعض الآخر، وإما بالحض على التقتيل والنهب في محلة أو محلات ويقضى بالإعدام إذا تم الاعتداء.
2). جريمة الإرهاب: والنائب الذي يهدد الناس، أي ناس في البلد، لأن وظيفته لا علاقة لها بتهديد الناس، من يفعل ذلك فهو إرهابي يمارس عملا إرهابيا، وقد عرف قانون العقوبات الأعمال الإرهابية في المادة (147) بقوله: (يقصد بالأعمال الإرهابية، جميع الأفعال التي ترمي إلى إيجاد حالة ذعر وترتكب بوسائل كالأدوات المتفجرة، والمواد الملتهبة والمنتجات السامة أو المحرقة، والعوامل الوبائية، أو الجرثومية، التي من شأنها أن تحدث خطراً عاماً). ومن يستمع إلى بعض النواب في مداخلاتهم في البرلمان يعتقد أنه في حالة حرب نووية مع الشعب الذي أوصله إلى حيث هو. وعقوبته منصوص عليها في الفقرة الرابعة من المادة (148) وهي الإعدام : ( ويقضى بعقوبة الإعدام إذا أفضى الفعل إلى موت إنسان أو هدم بنيان بعضه أو كله وفيه شخص أو عدة أشخاص).
3). جريمة إثارة النعرات الطائفية أو الحض على ىالنزاع بين الطوائف: وتعد تصريحات بعض النواب أكثر ألأمثلة وضوحا لهذه الجريمة، وتسجيلات إثارتهم للجريمة موجودة بالصورة والصوت، وعقوبتها منصوص عليها في المادة (150) عقوبات: (كل كتابة وكل خطاب أو عمل يقصد منه أو ينتج عنه إثارة النعرات المذهبية أو العنصرية أو الحض على النزاع بين الطوائف ومختلف عناصر الأمة يعاقب عليه بالحبس مدة ستة أشهر إلى ثلاث سنوات وبغرامة لا تزيد على خمسين ديناراً).
4). جريمتي الذم والقدح: ويمكن كذلك أن تتم ملاحقة بعض النواب بجريمتي الذم والقدح لأشخاص صالحين ومصلحين أعمالهم ومواقفهم معلومة للمجتمع، وقد نصت على الجريمتين المادة (188) عقوبات:
(1ـ الذم : هو إسناد مادة معينة إلى شخص ـ ولو في معرض الشك والاستفهام ـ من شأنها أن تنال من شرفه وكرامته أو تعرضه إلى بعض الناس واحتقارهم سواء أكانت تلك المادة جريمة تستلزم العقاب أم لا.
2ـ القدح: هو الاعتداء على كرامة الغير أو شرفه أو اعتباره ـ ولو في معرض الشك والاستفهام ـمن دون بيان مادة معينة.
3ـ وإذا لم يذكر عند ارتكاب جرائم الذم والقدح اسم المعتدى عليه صريحاً أو كانت الإسنادات الواقعة مبهمة، ولكنه كانت هنالك قرائن لا يبقى معها تردد في نسبة تلك الإسنادات إلى المعتدى عليه وفي تعيين ماهيتها، وجب عندئذ أن ينظر إلى مرتكب فعل الذم أو القدح كأنه ذكر اسم
المعتدى عليه وكأن الذم أو القدح كان صريحاً من حيث الماهية). وجاءت عقوبة الذم في المادة (358) بالنص على: (يعاقب كل من ذم آخر بإحدى الصور المبينة في المادة (188) بالحبس من شهرين إلى سنة)، وعقوبة القدح في المادة (359): (يعاقب على القدح بأحد الناس المقترف بإحدى الصور المذكورة في المادتين (188 و189) وكذلك على التحقير الحاصل بإحدى الصور الواردة في المادة (190) بالحبس من أسبوع إلى ثلاثة أشهر أو بالغرامة من خمسة دنانير إلى خمسة وعشرين ديناراً).
5). جريمة التهديد بإنزال ضرر غير محق: وتصريحات بعض النواب باستعدادهم ومقدرتهم على النزول إلى الشوارع وصد المطالبين بالإصلاح بالقوة وبأنفسهم، تعد جريمة (تهديد بإنزال ضرر غير محق) نصت عليها المادة (354): (كل تهديد آخر بإنزال ضرر غير محق، إذا حصل بالقول أو بإحدى الوسائل المذكورة في المادة (73) وكان من شأنها التأثير في نفس المجني عليه تأثير شديداً يعاقب عليه بناء على الشكوى بالحبس حتى أسبوع أو بغرامة لا تتجاوز الخمسة دنانير).
6). جريمة التحقير: ومن الجرائم التي تقع من بعض النواب جريمة التحقير، وقد نصت على أحكامها وعقوبتها المادة (360) عقوبات: ( من حقر أحد الناس خارجاً عن الذم والقدح قولاً أو فعلاً وجهاً لوجه أو بمكتوب خاطبه به أو قصد اطلاعه عليه، أو بإطالة اللسان عليه أو إشارة مخصوصة أو بمعاملة غليظة، يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على شهر أو بغرامة لا تزيد على عشرة دنانير).
كثرت شتائم وإهانات بعض النواب للناس، ومع ذلك فالذين توجه إليهم تلك الشتائم والتهديدات والذم والقدح والتحقير لا يبادرون لممارسة حقوقهم الدستورية في ملاحقتهم والزج بهم في السجون جزاء وفاقا لما اقترفته ألسنتهم، بل هم إصلاحيون، والإصلاحي وجدانه رحيم، وضميره حنون، وقلبه حدوده بحدود الوطن، يتسع الجميع، ولا يعرف إلا أن يقابل الإساءة بالإحسان لعل الآخر يرجع ويتراجع عن غيه.
وفي النهاية نٌذكِّر بعض النواب أنهم جاءوا عن طريق التزوير الأمني، أي أن وصولهم إلى حيث هم بطريق مخالف للقانون، بل بطريق يشكل جريمة جزائية يجب ملاحقة الذي زوَّر والذي زُوِّرت لمصلحته النتيجة. وأخشى من نخشاه، وحال تواجد محكمة دستورية، أو حال إثارة دفع أمام المحاكم بعدم دستورية القوانين الناتجة عن هذا المجلس، أن يكون الحكم لصالح الدافع، ويحصل على حكم بعد دستورية عمل هذا المجلس، لذلك نقول للنائب الذي يُهدد، غض الطرف كما يغض المجتمع عنك الطرف، وإلا لكانت قبلة المحتجين الأولى هي العبدلي، وبقيت أمامه حتى يحصل مالا تريدون.