كلمة موسّعة في حكم إِضرِاب المعلمين!!!
وهو النسخة المعدلة من مقالي:
الرؤية الشرعيَّة الصواب
في
إضراب(المعلِّمين)عن تدريس الطلاب
بقلم الشيخ الجليل علي الحلبي -حفظه الله-
بادئ بَدءٍ أقول:
....أصلُ هذا المقالُ كتبتُه قبل سنتين -بالتمام والكمال: (2010/3/25)-...
و-بداهةً-قبل ما سُمّي بـ (الربيع العربي!)-والذي استغلّتْه كثيرٌ من الأحزاب لمآربَ وأهداف(!)أكبرَ –بكثير!-مِن ظاهر ما يُعلنون-!!
وقد أعاد بعضُ إخواننا الحريصين-جزاهم الله خيراً- نشرَه-منذ عدة أيام-في (منتدياتنا)-المباركة-إن شاء الله- بسبب إضرابٍ جديدٍ لمعلمي المدارس الحكومية في بلادنا الأُردُنِّية ؛ مما شلّ حركةَ الطلاب ، والمدارس ، ثم الأُسَر -كافة-..
والله المستعان-لا ربّ سواه-...
وممّا يضافُ إلى ذاك المقال (القديم) -هذا-ها هنا-الآن-:
أنّ عدداً من المدارس الحكومية شهدت –إبّانَ ما سُمِّيَ بـ ( الربيع العربي!)-إضرابات ، ومظاهرات طلابية(!)-عديدة-تُنادي:
(الصفّ!)...يريد...إسقاط ( المدير!)!!!!
وهو-فواأسَفاه- مما تعلّموه -وللأسف-مِن ممارسات(!) أكثر معلّميهم ومدرّسيهم-!
وما سيُجيبُ به المعلِّمون طلابَهم –على ما فعلوه!- ؛ سيكونُ هو –نفسُه!-جوابَ طلابهم لهم-سواءً بسواء-!!!
و..بعيداً عن الدخول في الأزمة الحالية-في بلدنا الأُرُدُنّ-مِن (إضراب) كبير ، وشامل ، قائمةٍ دوافعُه على : أنَّ لِمُعَلِّمِي مدارسِنا حُقوقاً (مالية) يُطالِبُونَ بها!
فلستُ-هاهنا- مُريداً الوُلوجَ في تفاصيلِ إدراكِ مَدى الحقِّ في هذه الحُقوق المُطالَبِ بها: أهي صوابٌ أمْ لا؟!-فليس هذا لي! ولا هو من شأني!!- وإنما أريد أن أقول:
إنَّ بيانَ الأحكامِ الشرعيَّةِ المترتِّبَةِ على الناحيةِ التربويَّةِ والتعليميَّةِ مِن جهةِ ما يجبُ على مُعلِّمِي المدارسِ نحو طلبتِهِم -أداءً أو امتناعاً-: هو الأصلُ والأساس في إصلاحِ المجتمع والناس: كما قال -تعالى-: {... وأمَّا ما ينفعُ النَّاسَ فيمكُثُ في الأرضِ}...
وابتداءً؛ فإنِّي أعلَمُ -جيِّداً- أنَّ الاسمَ القديمَ -في بلادِنا- لـ(وزارةِ التربية والتعليم) هو: (وزارة المعارف)، وكلمة (المعارف) -وحدَها-ها هُنا- لا تُعطِي البُعدَ التربويَّ المطلوب مِن الدَّوْرِ التعليميِّ المرغوب؛ فلقد أحسنَ -جدًّا- إذنْ- مَن غَيَّرَ تلكَ التسميةَ القديمةَ- (وزارة المعارف) -إلى هذه التسمية الحالية: (وزارة التربية والتعليم)، وأحسنَ أكثرَ في تقديم (التربية) على (التعليم)؛ لِـمَا تتضمَّنه مِن معنىً أخلاقيٍّ دقيق، ونَهجٍ سُلوكِيٍّ أنيق...
وقد رَوَى الإمامُ مُسلمٌ في «صحيحِهِ» عن جابرِ بنِ عبدِ الله -رضيَ اللهُ عنهُ-، أنَّ النبيَّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- قالَ -عن نفسِهِ-: «إنَّ اللهَ لمْ يبعَثْنِي مُعَنِّتاً ولا مُتعنِّتاً، ولكنْ بَعَثَنِي مُعَلِّماً مُيَسِّراً».
ويكفينا -ثمَّةَ- التنبُّهُ والتنبيهُ إلى وَصْفِ الرَّسُولِ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- نفسَهُ -في هذا الحديثِ -وَصفاً قائماً دائماً- بـ (المعلِّم)؛ فيا لَها مِن وظيفةٍ عالية، ومهمَّةٍ سامية، ومهنةٍ غالية: لو أُعطِيتْ حقَّها، وأُدِّيَتْ على وَجْهِها!
فالمعلِّمُ قُدوةٌ لتلاميذِه، وأُسوةٌ لطُلاّبِهِ؛ يتشرَّبُونَ منهُ محاسنَ الأخلاق، وينتفعون منه بمكارمِ الآداب، وليست القضيةُ -فيما هو قائمٌ به- مجرَّدَ وظيفةٍ -أيِّ وظيفةٍ- تُؤدَّى، ومقابلَ أجرةٍ ماليَّةٍ تُعطَى!
ولقد أخْبَرَنا رسولُ الله -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- بوحيٍ مِن ربِّه -تعالى- عمّا يُشبهُ هذه الحالَ -فيما لو كانت مَطالبُ المعلِّمِين حقًّا خالصاً-؛ فقال -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- في الحديثِ المُتَّفَقِ على صحَّتِهِ - عن ابنِ مسعودٍ -رضي الله عنه-: «ستكونُ أَثَرَةٌ وأُمورٌ تُنكِرُونَها».
قالوا: يا رسولَ الله! فما تأمُرُنا؟
قال: «تُؤدُّونَ الحقَّ الذي عليكم، وتسألونَ الله الذي لكم»..
فقدَّمَ النبيُّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- (الحقَّ) الذي أنتُم مُطالَبُونَ به: على (.....) الذي أنتُم تُطالِبُونَ به!
فلماذا تجعلُونَ أنفُسَكُم -أيُّها المُربُّون- رعاكُمُ اللهُ- بامتناعِكُم هذا!- قُدْوَةً غيرَ حسنةٍ ولا صالحةٍ لطُلَابِكُم وأبنائِكُم ومجتمعِكُم؟! فضلاً عن مخالفةِ هديِ رسولكم الكريم -صلَّى الله عليه وسلم- الشريف، وأدبِهِ اللّطيف؟!
ألا فلْتُؤدُّوا الحقَّ الذي عليكم، ولْتَسْأَلُوا ربَّكُم -سُبحانَهُ- الذي لكم؛ ولْتَسيرُوا -لتحقيق مطالبكم- وَفْقَ طريقٍ مُنضبِطٍ لا يُخالفُ شرعَ ربِّكُم الرحيم -{إنْ كُنتُم مؤمنين}-.
ونبيُّا –صلوات ربي وسلامه عليه-يقول:«أدّ الأمانةَ إلى مَن ائتمنك ، ولا تخُن مَن خانك»..
وقد رَوَى الإمامُ ابنُ ماجَه في «سُنَنِهِ» عن أبي سعيدٍ الخُدْرِيِّ -رضيَ اللهُ عنهُ-، عن الرسولِ الأعظمِ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم-، أنَّهُ قال: «لا ضررَ ولا ضِرار»؛ فَأيُّ ضَرَرٍ تربويّ، وأيُّ أثَرٍ سلبيٍّ نفسيّ، وأيُّ تأثيرٍ مُنعكِسٍ –تعليميّ-: أكثرَ مِن أنْ يَرَى الطُّلابُ معلِّمِيهم مُعرِضِينَ عنهُم! غيرَ مُقبِلِين إليهم! تارِكِينَ أداءَ رسالتِهِمُ الساميةِ العامّةِ الكُبْرَى ، مِن أجلِ المصالحِ الشخصيَّةِ الصُّغرَى-ولو كانت حقاً خالصاً-؟!
أليسَ مِن المُمْكِنِ -يا مُعلِّمِي أبنائِنا- بما وفَّقكُم اللهُ إليه مِن ذكاءٍ وتوفيقٍ وحُنْكَةٍ- أنْ تجِدُوا -بالتَّشاوُرِ والتفاهُمِ- مَخرجاً شرعيًّا مُتوازِياً مع ما تُطالِبُونَ به: تُؤدُّونَ به رسالتَكُم تُجاهَ حُقوقِ الطلبة عليكُم، المَنُوطَةِ بأعناقِكُم؛ بحيثُ لا يمنعُكُم تحقيقُ هذا مِن أداءِ ذاك؟!
واللهُ ربُّنا يقول: {ومَن يتَّقِ اللهَ يجعلْ لهُ مخرجاً ويرزُقْهُ مِن حيثُ لا يحتسبُ}، ويقول -سبحانه: {إنَّهُ مَن يتَّقِ ويصبِرْ فإنَّ اللهَ لا يُضيعُ أجرَ المُحسِنِين}.
ثُمَّ -مِن طرفٍ آخر-:
لو أنَّ هذه الأيَّام التي امتنَعْتُم فيها عن التدريسِ، وأعرضْتُم -خلالَها- عن التعليم: لمْ تُعْطَوْا مقابلَها أُجُورَكُم، ومُنِعْتُم منها حقوقَكُم؛ فهل هذا سبيلٌ به تَفرَحُونَ، وطريقٌ له تنشرحُون؟! أمْ أنَّهُ سيكون سُوءاً فوقَ سُوءٍ، وبلاءًا فوقَ بلاءٍ!؟
إنَّ الامتناعَ عن التعليمِ -مِن أجلِ المُطالبةِ ببعضِ الحُقوقِ؛ بحُجَّةِ الضغطِ على جهةِ كذا! وجهةِ كذا!- لن يكونَ هو الحلَّ الواقعيَّ (المضمون)! ولن يكونَ هو الموقفَ الشرعيَّ (المطلوبَ)!
فمَن طالب بحقٍّ (لنفسِه!) ؛ فلْينظر إلى فعلِه وصنيعِه ؛ أيَّ حقوقٍ (لغيره) حفظ! أم أضاع!!
و«لا يؤمن أحدُكم حتى يحبَّ لأخيه ما يحبُّ لنفسه» ، و« إن ما عند الله لا يُنالُ إلا بطاعته »- كما قال نبيُّا –صلوات ربي وسلامه عليه-..
أيها المعلِّمون الأكارم:
1
لا يخفى على فِطنتكم إنَّ (للتعليم) -والذي هو أمانة، ورسالةٌ عاليةُ المكانة -دورَهُ البالغَ في تنشئةِ الأجيالِ على الأفهامِ العالية الذكيَّة، ولكنَّ دورَ (التربية) أكبرُ وأعظمُ في تنشئتِهِم على الأخلاقِ الفاضلةِ الزكيَّة...
فـ...لا تُضيّعوا أُجورَكم (أعني: الأجرَ ، لا الأجرةَ )، وتُقلّلوا هَيْبتَكم ، وتُزلزلوا مكانَتَكم : بأفعالٍ يدفعُكم إليها-أو يدفعُها إليكم! -أو يجمعُكم عليها-مَن له أهدافٌ ومآربٌ(!) –عليها (وإليها!) تُسَيَّرون!-أكبرَ مما تتخيّلون! وأكثرَ مما تتصوّرون!!
حقوقُكم -بإذن الله-تعالى- ستأتيتكم؛فاصبروا ، وربَّكم اتّقُوا..
ثم:
أيّها المسؤولون الحكوميّون:
اقطعوا على المتربّصين بالوطنِ والشعبِ : السوءَ ، والفوضى ، والخللَ ؛ مما إليه يَسعَوْن ،ونحوَه –بتسارُعٍ!-يتّجهون...
قوموا بواجبكم الـمَنُوط بكم ، وتذكّروا قولَ النبيِّ الكريم -صلى الله عليه وسلم-: « مَن تولّى عملاً وهو يعلمُ أنه ليس لذلك العملِ أهلٌ ؛ فلْيتبوّأْ مقعدَه من النار » ، وقولَه –عليه الصلاة والسلام-:«إذا وُ سِّد الأمرُ إلى غير أهله ؛ فانتظرِ الساعةَ»...
و«كلُّكم راعٍ ، وكلُّكم مسؤولٌ عن رعيّته»...
فاتقوا الله في أبناء شعبِكم –فأنتم غداً راحلون – إما عن كراسيِّكم ، أو من دنياكم- ؛ فمَن هو الشعب؟! وما هو الوطن؟!
إنه إمّا آباؤكم ، أو إخوانُكم ، أو أبناؤكم ، أو.. عشيرتُكم...
وصالـحُهم صالـحُكم..ومصالحُهُم مصالحُكُم...
(والله لا يحب الفساد)...
ولا حول ولا قوة إلا بالله العليِّ العظيم...
وها هنا نقطةٌ أخيرةٌ ؛ فأقول:
بلَغَني – مِن هنا وهناك-ثم اطّلعتُ على بعضِ ذاك!-أنَّ ثمّة –في عدد من مواقع الإنترنت الأردنية-وبشكل خاصٍّ تلكم المواقعَ الحزبيّةَ التي فقدت(بوصلة!)الحق التي يجبُ أنْ تُسيِّرَها ، أو –على الأقلّ-أنْ تسيرَ عليها!-نشراً حديثاً-مجدَّداً-(!)لهذا المقال، من غير تنبيه-أو تنبُّه !-إلى أن عمرَه سنتان-مع تنبيهِ بعضِ إخوانِنا ( في «منتديات كل السلفيين»-وهي التي نقلوا (!)منها مقالي-) إلى هذه النقطةِ-ممّا دفع(!) بعضَ الظنونِ الظالمةِ أن تذهبَ-أكثرَ وأكثرَ!- ذاتَ الشمال وذاتَ اليمين-بغير هُدى ولا يقين-!!!
وليس هذا هو عُظمَ المشكلةِ!!
وليس أكبرُ المشكلةِ-أيضاً-فيما كُتب مِن مقالات مفرَدة في نقد المقال ، أو الردِّ عليه؛ فضلاً عن التعليقات والتعقُّبات-فكلُّنا ذوو خطأ-!!
فكلُّ ذلك -بالعلم والحِلم- : مجالٌ مفسوح ، وبابٌ مفتوح –لمن هو له أهل-..
ولكنّ المشكلةَ في أمرين:
أولهما:مَن تكلّم بلا علم ! وانتقد بغير حُجّة-!
ثانيهما:مَن طعن بغير خُلُق ! واتّهم بلا تقوى؛ حتى وصل الأمرُ بمَن (رائدُه!!) الهوى لا الهدى- بانِياً (عَمَايِرَهُ!!) – الهاوية!المتهاوية!!-على الجهل المطْبِق ،والحقد المطْلَق- :إلى الكذب ، والافتراء ، و..التحريض!!
والعجبُ يعظُمُ –جداً جداً- إذا عَرَفنا أن أكثرَ المنتقدين(!)-ولا أقول: كلّهم!-هم ممّن يتغَّنَوْن –ليلَ نهارَ!-بـ (حُرّية الرأي!)،و(الديمقراطية!)- مِن أولئك الحزبيّين الظالمين أنفسَهم-والذين ولاؤهم الحزبيُّ (المقيتُ) أكبرُ -بكثيرٍ-مِن الولاء للوطن!ولا أقولُ:للدين!!
فالحريةُ -فقط-عندهم!
والرأيُ-حَسْبُ-لهم!!
وكلُّ مَن خالفهم ؛ فهو : (عميل!)،أو..(مأجور!)، أو..(همَجي!)،أو...(..بلطَجي!!)!!
ثم:
1-هل (علي الحلبي!) هو الوحيدُ(!) الذي عارضَ الإضرابَ ، وانتقده ، وأصدر (فتوى) فيه؟!
فهل خفِيت على (القوم!) الفتوى الشرعيةُ التي أصدرَتْها -في تحريم الإضرابِ- (دائرة الإفتاء الأردنية)-وغيرها!-وغيرهم!-؟!
فلماذا -إذن-كلُّ هذا التحكُّم ، ثم..الطعن ، والغمز ،و.. التهكُّم؟!
2-الشكرُ الجزيلُ للإخوة الأفاضل ، والأخوات الفاضلات - الذين علّقوا مدافعين ، ودافعوا معلّقين-في عدد من مواقع الإنترنت ( والتي سمَحت(!) بإنزال تعليقاتهم!)-على مَن طعن فيَّ –بغير علم ولا خُلُق-: منتصرين للحقّ ، ومؤازرين للصواب-.
3-لو أردتُ (!) أن أتعقّب كلَّ هؤلاء الحزبييّن الظالمي أنفسِهم-في كُل ما أقرأ لهم- مما قاؤوه!-مُسوّدين به وجوهَهم-قبل صحائفهم!- :لجعلتُهم – فوربّي-وبمنّته-جل وعلا-يحلُمون بي(!)أحلامَ اليقظة! قبل أحلامَ المنام!!
ولي معهم –ولا أقولُ:لهم معي! –مِن قبلُ- جولاتٌ ،وتجارِبُ!
ولكنّي سائرٌ-بتوفيق مولاي-سبحانه-في عُموم منهجي العلميِّ-على هَدْيِ قوله-عزّ شأنه-:(وأعرِض عن الجاهلين) ..إلا لِماماً –وبقدْرِهِ- (لا يُحِبُّ الله الجهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ وَكَانَ الله سَمِيعًا عَلِيمًا)...
4-أردّد مع بعض الفضلاء قولَهم-جزاهم الله خيراً-:
(هل.. الحقوق المشروعة-المنتقَصة!- فقط- في قطاع التعليم؟!
أم أن كل القطاعات الحكومية لها مثلُ هذه المطالب؟
فالعاقلُ لا يزيدُ في نار الفتنة..
ولو أن كل واحد -من الجميع!- يعقلُ أن الأمرَ -كله- راجعٌ إلى هدي قول الله-تعالى-: { .. فبِما كسَبَتْ أَيْديكُم..} لاختلف الحالُ والمآل..)....
والله الموفقُ ، وهو -وحده-المستعان...
* * * * * *
وهو النسخة المعدلة من مقالي:
الرؤية الشرعيَّة الصواب
في
إضراب(المعلِّمين)عن تدريس الطلاب
بقلم الشيخ الجليل علي الحلبي -حفظه الله-
بادئ بَدءٍ أقول:
....أصلُ هذا المقالُ كتبتُه قبل سنتين -بالتمام والكمال: (2010/3/25)-...
و-بداهةً-قبل ما سُمّي بـ (الربيع العربي!)-والذي استغلّتْه كثيرٌ من الأحزاب لمآربَ وأهداف(!)أكبرَ –بكثير!-مِن ظاهر ما يُعلنون-!!
وقد أعاد بعضُ إخواننا الحريصين-جزاهم الله خيراً- نشرَه-منذ عدة أيام-في (منتدياتنا)-المباركة-إن شاء الله- بسبب إضرابٍ جديدٍ لمعلمي المدارس الحكومية في بلادنا الأُردُنِّية ؛ مما شلّ حركةَ الطلاب ، والمدارس ، ثم الأُسَر -كافة-..
والله المستعان-لا ربّ سواه-...
وممّا يضافُ إلى ذاك المقال (القديم) -هذا-ها هنا-الآن-:
أنّ عدداً من المدارس الحكومية شهدت –إبّانَ ما سُمِّيَ بـ ( الربيع العربي!)-إضرابات ، ومظاهرات طلابية(!)-عديدة-تُنادي:
(الصفّ!)...يريد...إسقاط ( المدير!)!!!!
وهو-فواأسَفاه- مما تعلّموه -وللأسف-مِن ممارسات(!) أكثر معلّميهم ومدرّسيهم-!
وما سيُجيبُ به المعلِّمون طلابَهم –على ما فعلوه!- ؛ سيكونُ هو –نفسُه!-جوابَ طلابهم لهم-سواءً بسواء-!!!
و..بعيداً عن الدخول في الأزمة الحالية-في بلدنا الأُرُدُنّ-مِن (إضراب) كبير ، وشامل ، قائمةٍ دوافعُه على : أنَّ لِمُعَلِّمِي مدارسِنا حُقوقاً (مالية) يُطالِبُونَ بها!
فلستُ-هاهنا- مُريداً الوُلوجَ في تفاصيلِ إدراكِ مَدى الحقِّ في هذه الحُقوق المُطالَبِ بها: أهي صوابٌ أمْ لا؟!-فليس هذا لي! ولا هو من شأني!!- وإنما أريد أن أقول:
إنَّ بيانَ الأحكامِ الشرعيَّةِ المترتِّبَةِ على الناحيةِ التربويَّةِ والتعليميَّةِ مِن جهةِ ما يجبُ على مُعلِّمِي المدارسِ نحو طلبتِهِم -أداءً أو امتناعاً-: هو الأصلُ والأساس في إصلاحِ المجتمع والناس: كما قال -تعالى-: {... وأمَّا ما ينفعُ النَّاسَ فيمكُثُ في الأرضِ}...
وابتداءً؛ فإنِّي أعلَمُ -جيِّداً- أنَّ الاسمَ القديمَ -في بلادِنا- لـ(وزارةِ التربية والتعليم) هو: (وزارة المعارف)، وكلمة (المعارف) -وحدَها-ها هُنا- لا تُعطِي البُعدَ التربويَّ المطلوب مِن الدَّوْرِ التعليميِّ المرغوب؛ فلقد أحسنَ -جدًّا- إذنْ- مَن غَيَّرَ تلكَ التسميةَ القديمةَ- (وزارة المعارف) -إلى هذه التسمية الحالية: (وزارة التربية والتعليم)، وأحسنَ أكثرَ في تقديم (التربية) على (التعليم)؛ لِـمَا تتضمَّنه مِن معنىً أخلاقيٍّ دقيق، ونَهجٍ سُلوكِيٍّ أنيق...
وقد رَوَى الإمامُ مُسلمٌ في «صحيحِهِ» عن جابرِ بنِ عبدِ الله -رضيَ اللهُ عنهُ-، أنَّ النبيَّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- قالَ -عن نفسِهِ-: «إنَّ اللهَ لمْ يبعَثْنِي مُعَنِّتاً ولا مُتعنِّتاً، ولكنْ بَعَثَنِي مُعَلِّماً مُيَسِّراً».
ويكفينا -ثمَّةَ- التنبُّهُ والتنبيهُ إلى وَصْفِ الرَّسُولِ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- نفسَهُ -في هذا الحديثِ -وَصفاً قائماً دائماً- بـ (المعلِّم)؛ فيا لَها مِن وظيفةٍ عالية، ومهمَّةٍ سامية، ومهنةٍ غالية: لو أُعطِيتْ حقَّها، وأُدِّيَتْ على وَجْهِها!
فالمعلِّمُ قُدوةٌ لتلاميذِه، وأُسوةٌ لطُلاّبِهِ؛ يتشرَّبُونَ منهُ محاسنَ الأخلاق، وينتفعون منه بمكارمِ الآداب، وليست القضيةُ -فيما هو قائمٌ به- مجرَّدَ وظيفةٍ -أيِّ وظيفةٍ- تُؤدَّى، ومقابلَ أجرةٍ ماليَّةٍ تُعطَى!
ولقد أخْبَرَنا رسولُ الله -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- بوحيٍ مِن ربِّه -تعالى- عمّا يُشبهُ هذه الحالَ -فيما لو كانت مَطالبُ المعلِّمِين حقًّا خالصاً-؛ فقال -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- في الحديثِ المُتَّفَقِ على صحَّتِهِ - عن ابنِ مسعودٍ -رضي الله عنه-: «ستكونُ أَثَرَةٌ وأُمورٌ تُنكِرُونَها».
قالوا: يا رسولَ الله! فما تأمُرُنا؟
قال: «تُؤدُّونَ الحقَّ الذي عليكم، وتسألونَ الله الذي لكم»..
فقدَّمَ النبيُّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- (الحقَّ) الذي أنتُم مُطالَبُونَ به: على (.....) الذي أنتُم تُطالِبُونَ به!
فلماذا تجعلُونَ أنفُسَكُم -أيُّها المُربُّون- رعاكُمُ اللهُ- بامتناعِكُم هذا!- قُدْوَةً غيرَ حسنةٍ ولا صالحةٍ لطُلَابِكُم وأبنائِكُم ومجتمعِكُم؟! فضلاً عن مخالفةِ هديِ رسولكم الكريم -صلَّى الله عليه وسلم- الشريف، وأدبِهِ اللّطيف؟!
ألا فلْتُؤدُّوا الحقَّ الذي عليكم، ولْتَسْأَلُوا ربَّكُم -سُبحانَهُ- الذي لكم؛ ولْتَسيرُوا -لتحقيق مطالبكم- وَفْقَ طريقٍ مُنضبِطٍ لا يُخالفُ شرعَ ربِّكُم الرحيم -{إنْ كُنتُم مؤمنين}-.
ونبيُّا –صلوات ربي وسلامه عليه-يقول:«أدّ الأمانةَ إلى مَن ائتمنك ، ولا تخُن مَن خانك»..
وقد رَوَى الإمامُ ابنُ ماجَه في «سُنَنِهِ» عن أبي سعيدٍ الخُدْرِيِّ -رضيَ اللهُ عنهُ-، عن الرسولِ الأعظمِ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم-، أنَّهُ قال: «لا ضررَ ولا ضِرار»؛ فَأيُّ ضَرَرٍ تربويّ، وأيُّ أثَرٍ سلبيٍّ نفسيّ، وأيُّ تأثيرٍ مُنعكِسٍ –تعليميّ-: أكثرَ مِن أنْ يَرَى الطُّلابُ معلِّمِيهم مُعرِضِينَ عنهُم! غيرَ مُقبِلِين إليهم! تارِكِينَ أداءَ رسالتِهِمُ الساميةِ العامّةِ الكُبْرَى ، مِن أجلِ المصالحِ الشخصيَّةِ الصُّغرَى-ولو كانت حقاً خالصاً-؟!
أليسَ مِن المُمْكِنِ -يا مُعلِّمِي أبنائِنا- بما وفَّقكُم اللهُ إليه مِن ذكاءٍ وتوفيقٍ وحُنْكَةٍ- أنْ تجِدُوا -بالتَّشاوُرِ والتفاهُمِ- مَخرجاً شرعيًّا مُتوازِياً مع ما تُطالِبُونَ به: تُؤدُّونَ به رسالتَكُم تُجاهَ حُقوقِ الطلبة عليكُم، المَنُوطَةِ بأعناقِكُم؛ بحيثُ لا يمنعُكُم تحقيقُ هذا مِن أداءِ ذاك؟!
واللهُ ربُّنا يقول: {ومَن يتَّقِ اللهَ يجعلْ لهُ مخرجاً ويرزُقْهُ مِن حيثُ لا يحتسبُ}، ويقول -سبحانه: {إنَّهُ مَن يتَّقِ ويصبِرْ فإنَّ اللهَ لا يُضيعُ أجرَ المُحسِنِين}.
ثُمَّ -مِن طرفٍ آخر-:
لو أنَّ هذه الأيَّام التي امتنَعْتُم فيها عن التدريسِ، وأعرضْتُم -خلالَها- عن التعليم: لمْ تُعْطَوْا مقابلَها أُجُورَكُم، ومُنِعْتُم منها حقوقَكُم؛ فهل هذا سبيلٌ به تَفرَحُونَ، وطريقٌ له تنشرحُون؟! أمْ أنَّهُ سيكون سُوءاً فوقَ سُوءٍ، وبلاءًا فوقَ بلاءٍ!؟
إنَّ الامتناعَ عن التعليمِ -مِن أجلِ المُطالبةِ ببعضِ الحُقوقِ؛ بحُجَّةِ الضغطِ على جهةِ كذا! وجهةِ كذا!- لن يكونَ هو الحلَّ الواقعيَّ (المضمون)! ولن يكونَ هو الموقفَ الشرعيَّ (المطلوبَ)!
فمَن طالب بحقٍّ (لنفسِه!) ؛ فلْينظر إلى فعلِه وصنيعِه ؛ أيَّ حقوقٍ (لغيره) حفظ! أم أضاع!!
و«لا يؤمن أحدُكم حتى يحبَّ لأخيه ما يحبُّ لنفسه» ، و« إن ما عند الله لا يُنالُ إلا بطاعته »- كما قال نبيُّا –صلوات ربي وسلامه عليه-..
أيها المعلِّمون الأكارم:
1
لا يخفى على فِطنتكم إنَّ (للتعليم) -والذي هو أمانة، ورسالةٌ عاليةُ المكانة -دورَهُ البالغَ في تنشئةِ الأجيالِ على الأفهامِ العالية الذكيَّة، ولكنَّ دورَ (التربية) أكبرُ وأعظمُ في تنشئتِهِم على الأخلاقِ الفاضلةِ الزكيَّة...
فـ...لا تُضيّعوا أُجورَكم (أعني: الأجرَ ، لا الأجرةَ )، وتُقلّلوا هَيْبتَكم ، وتُزلزلوا مكانَتَكم : بأفعالٍ يدفعُكم إليها-أو يدفعُها إليكم! -أو يجمعُكم عليها-مَن له أهدافٌ ومآربٌ(!) –عليها (وإليها!) تُسَيَّرون!-أكبرَ مما تتخيّلون! وأكثرَ مما تتصوّرون!!
حقوقُكم -بإذن الله-تعالى- ستأتيتكم؛فاصبروا ، وربَّكم اتّقُوا..
ثم:
أيّها المسؤولون الحكوميّون:
اقطعوا على المتربّصين بالوطنِ والشعبِ : السوءَ ، والفوضى ، والخللَ ؛ مما إليه يَسعَوْن ،ونحوَه –بتسارُعٍ!-يتّجهون...
قوموا بواجبكم الـمَنُوط بكم ، وتذكّروا قولَ النبيِّ الكريم -صلى الله عليه وسلم-: « مَن تولّى عملاً وهو يعلمُ أنه ليس لذلك العملِ أهلٌ ؛ فلْيتبوّأْ مقعدَه من النار » ، وقولَه –عليه الصلاة والسلام-:«إذا وُ سِّد الأمرُ إلى غير أهله ؛ فانتظرِ الساعةَ»...
و«كلُّكم راعٍ ، وكلُّكم مسؤولٌ عن رعيّته»...
فاتقوا الله في أبناء شعبِكم –فأنتم غداً راحلون – إما عن كراسيِّكم ، أو من دنياكم- ؛ فمَن هو الشعب؟! وما هو الوطن؟!
إنه إمّا آباؤكم ، أو إخوانُكم ، أو أبناؤكم ، أو.. عشيرتُكم...
وصالـحُهم صالـحُكم..ومصالحُهُم مصالحُكُم...
(والله لا يحب الفساد)...
ولا حول ولا قوة إلا بالله العليِّ العظيم...
وها هنا نقطةٌ أخيرةٌ ؛ فأقول:
بلَغَني – مِن هنا وهناك-ثم اطّلعتُ على بعضِ ذاك!-أنَّ ثمّة –في عدد من مواقع الإنترنت الأردنية-وبشكل خاصٍّ تلكم المواقعَ الحزبيّةَ التي فقدت(بوصلة!)الحق التي يجبُ أنْ تُسيِّرَها ، أو –على الأقلّ-أنْ تسيرَ عليها!-نشراً حديثاً-مجدَّداً-(!)لهذا المقال، من غير تنبيه-أو تنبُّه !-إلى أن عمرَه سنتان-مع تنبيهِ بعضِ إخوانِنا ( في «منتديات كل السلفيين»-وهي التي نقلوا (!)منها مقالي-) إلى هذه النقطةِ-ممّا دفع(!) بعضَ الظنونِ الظالمةِ أن تذهبَ-أكثرَ وأكثرَ!- ذاتَ الشمال وذاتَ اليمين-بغير هُدى ولا يقين-!!!
وليس هذا هو عُظمَ المشكلةِ!!
وليس أكبرُ المشكلةِ-أيضاً-فيما كُتب مِن مقالات مفرَدة في نقد المقال ، أو الردِّ عليه؛ فضلاً عن التعليقات والتعقُّبات-فكلُّنا ذوو خطأ-!!
فكلُّ ذلك -بالعلم والحِلم- : مجالٌ مفسوح ، وبابٌ مفتوح –لمن هو له أهل-..
ولكنّ المشكلةَ في أمرين:
أولهما:مَن تكلّم بلا علم ! وانتقد بغير حُجّة-!
ثانيهما:مَن طعن بغير خُلُق ! واتّهم بلا تقوى؛ حتى وصل الأمرُ بمَن (رائدُه!!) الهوى لا الهدى- بانِياً (عَمَايِرَهُ!!) – الهاوية!المتهاوية!!-على الجهل المطْبِق ،والحقد المطْلَق- :إلى الكذب ، والافتراء ، و..التحريض!!
والعجبُ يعظُمُ –جداً جداً- إذا عَرَفنا أن أكثرَ المنتقدين(!)-ولا أقول: كلّهم!-هم ممّن يتغَّنَوْن –ليلَ نهارَ!-بـ (حُرّية الرأي!)،و(الديمقراطية!)- مِن أولئك الحزبيّين الظالمين أنفسَهم-والذين ولاؤهم الحزبيُّ (المقيتُ) أكبرُ -بكثيرٍ-مِن الولاء للوطن!ولا أقولُ:للدين!!
فالحريةُ -فقط-عندهم!
والرأيُ-حَسْبُ-لهم!!
وكلُّ مَن خالفهم ؛ فهو : (عميل!)،أو..(مأجور!)، أو..(همَجي!)،أو...(..بلطَجي!!)!!
ثم:
1-هل (علي الحلبي!) هو الوحيدُ(!) الذي عارضَ الإضرابَ ، وانتقده ، وأصدر (فتوى) فيه؟!
فهل خفِيت على (القوم!) الفتوى الشرعيةُ التي أصدرَتْها -في تحريم الإضرابِ- (دائرة الإفتاء الأردنية)-وغيرها!-وغيرهم!-؟!
فلماذا -إذن-كلُّ هذا التحكُّم ، ثم..الطعن ، والغمز ،و.. التهكُّم؟!
2-الشكرُ الجزيلُ للإخوة الأفاضل ، والأخوات الفاضلات - الذين علّقوا مدافعين ، ودافعوا معلّقين-في عدد من مواقع الإنترنت ( والتي سمَحت(!) بإنزال تعليقاتهم!)-على مَن طعن فيَّ –بغير علم ولا خُلُق-: منتصرين للحقّ ، ومؤازرين للصواب-.
3-لو أردتُ (!) أن أتعقّب كلَّ هؤلاء الحزبييّن الظالمي أنفسِهم-في كُل ما أقرأ لهم- مما قاؤوه!-مُسوّدين به وجوهَهم-قبل صحائفهم!- :لجعلتُهم – فوربّي-وبمنّته-جل وعلا-يحلُمون بي(!)أحلامَ اليقظة! قبل أحلامَ المنام!!
ولي معهم –ولا أقولُ:لهم معي! –مِن قبلُ- جولاتٌ ،وتجارِبُ!
ولكنّي سائرٌ-بتوفيق مولاي-سبحانه-في عُموم منهجي العلميِّ-على هَدْيِ قوله-عزّ شأنه-:(وأعرِض عن الجاهلين) ..إلا لِماماً –وبقدْرِهِ- (لا يُحِبُّ الله الجهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ وَكَانَ الله سَمِيعًا عَلِيمًا)...
4-أردّد مع بعض الفضلاء قولَهم-جزاهم الله خيراً-:
(هل.. الحقوق المشروعة-المنتقَصة!- فقط- في قطاع التعليم؟!
أم أن كل القطاعات الحكومية لها مثلُ هذه المطالب؟
فالعاقلُ لا يزيدُ في نار الفتنة..
ولو أن كل واحد -من الجميع!- يعقلُ أن الأمرَ -كله- راجعٌ إلى هدي قول الله-تعالى-: { .. فبِما كسَبَتْ أَيْديكُم..} لاختلف الحالُ والمآل..)....
والله الموفقُ ، وهو -وحده-المستعان...
* * * * * *