طرح المستثمرون على الحكومة أن يسمح البنك المركزي للبنوك بقبول الدولار من الأفراد دون سؤال عن مصدر العملة، واستغلال الحصيلة في جلب واردات الآلات ومستلزمات الإنتاج التي تحتاجها الشركات والمصانع، بما يحول دون توقف ما تبقى منها في العمل حاليا.
توقفت آلاف المصانع عن العمل خلال العامين الماضيين، ويصارع القليل منها البقاء منذ فرض قيود الاستيراد في مارس/ آذار 2022، وشح العملة وتراجع الجنيه، وارتفاع التضخم وتأثيره سلبا على طلب الشركات والأفراد، وارتفاع تكاليف التشغيل.
القادمون من الخارج
شرح رجال أعمال حضروا مناقشات غير معلنة بين مجموعة من الوزراء وقيادات بنكية، خلال اجتماعهم، أول من أمس، باتحاد المستثمرين برئاسة عضو المجلس الأعلى للاستثمار محرم هلال، عدة وسائل تساعد الحكومة في تدبير الدولار لاستيراد مستلزمات الإنتاج، وتوفير العملة للوفاء بالتزاماتها تجاه الجهات المقرضة خلال المرحلة المقبلة.
نوقشت الأفكار المطروحة في اجتماع بين مجلس اتحاد المستثمرين ورئيس لجنة الخطة والموازنة بمجلس النواب، والمستشار الاقتصادي بالرئاسة فخري الفقي. أوضحت المناقشات أن سماح الحكومة بدخول الدولار مع القادمين من الخارج في حدود 500 ألف دولار للفرد دون سؤال عن مصدر العملة وإيداعه بالبنوك، سيدفع بمليارات الدولار المتداولة في النظام غير الرسمي إلى البنوك، تعادل ضعف ما تملكه الدولة من احتياطي.
أشار الحضور إلى تحديد فترة زمنية لتسليم المواطنين ما لديهم من الدولار للبنوك مقابل فائدة مرتفعة بالدولار تمكنهم من تحقيق عائد أو استثماره في شراء الأصول العامة المطروحة للبيع أو تمويل الواردات للمصانع. توقع المستثمرون أن يؤثر القرار المدروس على رفع سعر الدولار لفترة مؤقتة، مشيرين إلى إمكانية تدخل الدولة بوقف هذا الإجراء، مع توظيف الحصيلة المتوقعة في مواجهة الأزمة الحالية، بما يمكنها من إعادة الهدوء للأسواق من جديد وضمان تشغيل المصانع، خاصة التي تصدر منتجاتها للخارج.
تحويلات المصريين
بين رئيس جمعية مستثمري 6 أكتوبر، عضو مجلس الاتحاد محمد خميس شعبان، أن تحويلات المصريين بالخارج التي تعد المصدر الثاني للعملة الصعبة، تتعرض للتآكل، مشيرا إلى تراجعها خلال العام الماضي، مع إمكانية اختفائها خلال العام الحالي بسبب انتشار مجموعات تتولى عمل مقاصة بين أصحاب التحويلات وذويهم في الداخل، لتبادل العملة خارج السوق السوداء.
وأكد شعبان أن الدولة في حاجة ماسة إلى فتح فروع للبنوك المصرية بالخارج، تتولى شراء الدولار من المصريين بسعر السوق الموازية، لتوفير أكبر قدر من التحويلات، التي لا تعرف طريقها حاليا للقنوات الرسمية وجزء كبير منها يتجه للأسواق الخارجية، دون أن تستفيد منه الدولة نهائيا.
أضاف شعبان: أن الاقتصاد يمر بأزمة خطيرة تصل إلى درجة الحرب، داعيا الحكومة لمنع أي واردات غير ضرورية، والتركيز على احتياجات المصانع ومستلزمات الإنتاج، بعدما توقف أغلب المصانع لعدم قدرة البنوك على تدبير العملة الصعبة.
وأبدى شعبان امتعاضه من عدم قدرة الحكومة على تحويل قناة السويس من مجرد ممر مائي إلى مشروع متكامل يرفع العوائد من 8 مليارات دولار إلى أضعاف هذا الرقم سنويا، مبينا أهمية رفع الأعباء الضريبية عن قطاع السياحة، باعتباره أكبر مصدر خدمي يمكنه أن يدر العملة الصعبة خلال زمن قياسي.
توحش الدولار
كشفت المناقشات عن صعوبة شديدة تواجه الحكومة في الاعتماد على اليوان الصيني والروبل الروسي، في مواجهة توحش الدولار، في ظل اعتماد الحكومة على التزاماتها بالدولار التي تبلغ نحو 81% من قيمة تعاملاتها الدولية، وميل الميزان التجاري دائما لصالح روسيا والصين، مع صعوبة اللجوء إلى صفقات دولية بنظام المقايضة.
أكد الفقي أن أزمة الاقتصاد التي يمر بها منذ سنوات يمكن تخطيها لامتلاكه العديد من العناصر القوية التي تساعده على البقاء على أسس سليمة. ووصف الفقي أساسيات الاقتصاد بأنها سليمة وليست هشة.
أوضح الفقي حاجة الاقتصاد إلى إصلاح هيكلي تتولاه إدارة محترفة لسنوات، بجانب الإصلاح المالي المدار منذ فترة، بهدف السيطرة على قيمة الجنيه ومواجهة شح الدولار، التي يعتبرها أزمة كان يتوقع وجودها منذ فترة، وذكر أن رغبة الرئاسة بعدم السماح بتراجع الجنيه وبيع الأصول العامة بأسعار بخسة خلال الفترة القادمة، تعكس عدم رغبة أي مسؤول في محاسبة من الشعب على إهدار الأصول العامة، ووجود دعم دولي من الدول الكبرى المتحكمة في قرار صندوق النقد الدولي، الذي منح الحكومة فرصة لحل التشوه الذي جلبته الحكومة لنفسها، مع لجوئها إلى التشدد المالي، دون الإصلاح الهيكلي للاقتصاد، الأمر الذي حملها تبعات الغلاء والتضخم.
وأكد أن لجوء الحكومة لخفض معدلات النمو من 5.5% إلى 4.2% عام 2023، و4.1% عام 2024، انكماش مقصود يستهدف تهدئة معدلات التضخم والغلاء، والمحافظة على موارد الدولة من الدولار، وتوجيهه إلى تشغيل المصانع، للحد من الغلاء الذي يزيد الفوارق الطبقية والفقراء فقرا. وأبدى الفقي مخاوفه من طلب رجال الأعمال بقبول الدولار غير معلوم المصدر بالبنوك، مشيرا إلى إمكانية أن يرفع ذلك سعره في السوق الموازية إلى ما بين 40 و50 جنيها وبلا ضوابط.
وذكر الفقي أن الحكومة توصلت إلى اتفاق مع الدول الخليجية الداعمة للاقتصاد على توجيه 15 مليار دولار من الودائع التي تجدد سنويا، و14.5 مليار دولار تجدد كل 3 سنوات، في شراء الأصول العامة المقررة في 4 بنوك والشركات المطروحة للبيع، و7 فنادق بقيمة مليار دولار.